هكذا دبر حزب الاستقلال جريمة اغتيال المقاوم عبد الله الحداوي
محمد وحيد جريدة الوطن
بقدر ما نبتعد عن مرحلة 1956 - 1960، التي كانت منعطفا حاسما في تاريخ المغرب المعاصر، ونعتقد أنه أمكن سبر أغوارها، بقدر ما تزداد غموضا، ويشق مشهدها السياسي عن الاختراق بفعل شهادات لا تقدم الحقيقة أو تقدم نصفها فقط، إما بفعل أعطاب الذاكرة أو النية المبيتة في اغتيال الحقيقة، فتصبح كثير من الوقائع في حاجة إلى قراءة جديدة تروم، قدرالإمكان، الالتزام بالموضوعية. من هذه الوقائع اغتيال عبد الله الحداوي قائد منظمة الهلال الأسود للمقاومة،
التي كثيرا ما أعلنت تشبتها بسلطة محمد بن يوسف وحدها، ساعات فقط على استقباله في القصر بالرباط عشية السبت 28 يوليوز 1956.
وعلى الرغم من مرور كل هذه العقود، ما يزال هناك من يربط بين واقعة الاغتيال والحوار الذي جرى بين الشهيد والسلطان محمد بن يوسف، وهذا جانب «للحقيقة التي نسعى في بلوغها من خلال الملف الذي أنجزناه، والذي يصادف مرور ثلاث وخمسين سنة على هذه الجريمة السياسية.
لهذا أراد المهدي بن بركة التخلص من عبد الله الحداوي
لن نخوض في ملابسات الموت المفاجئ للملك محمد الخامس، إنما سنركز على ما اعتبره مصطفى العلوي تهديدا للملك من قبل المقاوم عبد الله الحداوي الذي ما يزال لصغر سنه (ولد عام 1939) ودوره الكبير في المقاومة حاضران في أذهان رفاقه ومعاصريه والمشتغلين في تاريخ المقاومة.
أولا: أتى الحوار بين السلطان محمد بن يوسف والمقاوم عبد الله الحداوي بعد مفاوضات سرية دارت بين المهدي بن بركة وعبد الله الحداوي في بيت الحاج محمد حكم في حي الكزا وبيت الحاج مصطفى الورديغي بحي العكاري في الرباط، وكان الداعي إليها إصرار المهدي بن بركة على أن تنضم الهلال الأسود إلى حزب الاستقلال الساعي إلى إقامة نظام الحزب الوحيد، لكن لم يكن من السهل أن يتنازل عبد الله الحداوي عن كل القناعات التي شيدها ودافع عنها بقوة، خاصة بعد أن أسعفه وعيه الوطني وذكاؤه الحاد في إدراك ما كان يدبر في الخفاء في هذه المرحلة التي برز فيها السلطان بعد التضحيات التي قدمت من أجله راعيا للإجماع بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، فأضاف إلى قيمته الروحية قيمة أخرى، كما كان من المستحيل على رجال الهلال الأسود المنتمين لحزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي فك ارتباطهم السياسي بأحزابهم.
باختصار شديد لم يكن من الهين أن يتنازل عبد الله الحداوي عن قناعاته:
معارضة أوفاق إيكس ليبان
عدم الاعتراف بسلطة منافسة لسلطة محمد بن يوسف.
التشبث بالسلاح للدفاع عن الاستقلال الذي ما يزال هشا بسبب استمرار الوجود الأجنبي.
دعم الجزائريين، لأن وجود قوة استعمارية كبرى على حدود المغرب يهدد استقراره.
لم تفلح إغراءات المهدي في تليين مواقف عبد الله الحداوي الذي قام زملاؤه في الدراسة ينتظرون المقامة بهم في المشرق العربي لإكمال دراستهم. وبعد فشل آخر لقاء في دراستهم يوم 14 ماي 1956 أطلق أتباع المهدي وابلا من الرصاص فنجا عبد الله بأعجوبة بينما أصيب المختار بنور بجروح.
ثانيا: كانت محاولات التخلص من عبد الله الحداوي قد انطلقت منذ أن رفض إلقاء السلاح والانضمام إلى المنظمة السرية الخاضعة لحزب الاستقلال، كما جرت محاولات إغراء خاله العربي السامي المعروف ب «السائق» بمنحه منصب قائد بإحدى المقاطعات إن هو ساعد في اعتقال ابن أخته، بل جرت محاولات لتوريطه في مؤامرات وهمية.
زعماء الحزب الوحيد يغتالون المقاومين
عنف مروع ذاك الذي شهده المغرب طيلة السنوات الأولى القليلة التي أعقبت انتهاء العمل بمعاهدة الحماية. ولفهمه يتعين الرجوع إلى جذور أزمة العلاقات السياسية بين القصر وحزب الاستقلال، والتي غذتها نوايا أعضاء في اللجنة التنفيذية للحزب في تجريد السلطان محمد بن يوسف من سلطاته السياسية واستخدامه فقط في تدشين المساجد وفقا لما كان يردده أحد أبرز أعضاء اللجنة، كمقدمة لإقامة نظام الحزب الوحيد على غرار ما ساد في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية.
وقد أدى مقاومون حقيقيون، غاليا، ثمن تمسكهم بمبادئهم وفي مقدمتها عدم الاعتراف بأية سلطة منافسة لمحمد بن يوسف، وضرورة الحفاظ على التعددية السياسية ممثلة في أحزاب الحركة الوطنية، وفهم عبد الله الحداوي الذي صاغ الشعار الذي ظلت تعرف به منظمة الهلال الأسود، منذ ظهورها في مارس 1954: «حزبنا الإسلام، دستورنا القرآن، غايتنا الملك».
فمنذ عزل ونفي السلطان بعد ظهر الخميس 20 غشت 1953، غدا العمل على إنجاز مطلب «بن يوسف إلى عرشه» في مقدمة انشغالات القواعد، وغدا النقاش داخل كل البيوت التساؤل عن جدوى قراءة النشرات الحزبية على الأعضاء، وعن مآل الأموال التي كانت فروع الحزب تتسلمها منهم، مما أفضى في النهاية إلى انفلات قاعدة واسعة من البورجوازية الصغرى والبوليتاريا والبروليتاريا الرثة من تأطير جناح الحركة الوطنية السياسي لفائدة الشخصيات الكارزمية التي استغلت ما حصل في غشت لإعطاء العنف السياسي، الذي تسمى بالعمل المباشر والمقاومة المسلحة والفداء، المشروعية التي كان يفتقر إليها في نظر المترددين في اللجوء إلى هذا الأسلوب في مواجهة المحتل، والذي عد تطورا في النضال الذي انطلق سنة 1907 مع مقاومة القبائل وتواصل مع ظهور التنظيمات الحزبية في منتصف الثلاثينيات.
إذا حاولنا إعطاء هوية للصراع الذي تفجر سنة 1956، جاز القول إنه صراع بين المرتبطين بمؤسسة العرش من جهة وبين أتباع حزب الاستقلال من جهة أخرى. فمنذ عودة السلطان من المنفى يوم الأربعاء 16 نونبر 1955 وانتهاء العمل بمعاهدة الحماية أخذت تلوح في الأفق بوادر الصراع حول من سيمسك بخيوط اللعبة السياسية.
السلطان في التصور الشعبي شخص مقدس يتفوق على سائر الناس العاديين، ويتمتع بالبركة التي يستمدها من الانتماء إلى البيت النبوي، ويتمتع بقوة مقدسة، لذلك لم يكن أحد من العامة على استعداد لتكذيب أسطورة ظهوره على سطح القمر ممتطيا صهوة جواد أبيض... وكان الهدف من إشاعة هذه الأسطورة مواجهة الأسطورة التي تحدثت عن تمتع محمد بن عرفة، الذي توج بديلا لمحمد بن يوسف تحت اسم «السلطان محمد السادس»، بالبركة التي حالت دون اغتياله في العديد من المناسبات، وكانت تغذية المخيلة الشعبية بأسطرة القمر تلهب حماس القواعد وعرفت بالسلطان المبعد لدى أبناء المغرب العتيق، والحصيلة تراجع جميع المطالب التي كانت في صلب برنامج الحركة الوطنية منذ 1934 ليحل محلها مطلب «بن يوسف إلى عرشه»!
كان الارتباط بين عمل المقاومة والدفاع عن العرش يتقوى باستمرار، وكانت القواعد التي تضررت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بفعل الاصطدام بين نمط انتاج تقليدي مرتبط بالفلاحة الخاضعة للظروف الطبيعية المتسمة بالتقلبات المناخية، وغير قادر تبعا لذلك على تحقيق التراكم وبين نمط انتاج عصري استفاد من التجارب التي راكمها في إطار رأسمالية تجارية وزراعية وصناعية ومالية. كانت تلك القواعد إذن مندفعة لمقاومة الاحتلال، وتتقوى طموحاتها الوطنية بفعل النجاحات التي كانت تحققها حركات التحرير في آسيا على الخصوص، وكان النجاح في إسقاط معمرين ومغاربة متعاونين يقوي الاندفاع لإتيان عمليات أخرى، وألغى الانتماء إلى الوطن الانتماء الحزبي، وتجسد هذا على الخصوص في منظمة الهلال الأسود التي التأم في إطارها مقاومون استقلاليون وشوريون وشيوعيون وآخرون بدون أي انتماء، فلم يكن قائد الهلال المقاوم عبد الله الحداوي يعطي لهذا الانتماء قيمة على صعيد العمل المسلح الذي تطور بالرغم من تفكيك «اليد السوداء» وهروب أعضاء بارزين في «المنظمة السرية» إلى الشمال وإلى سيدي إيفني. وتمكنت الهلال من ردم الفراغ الذي أحدثته هذه النكسات، إذ نجح عبد الله الحداوي، بالرغم من صغر سنه (ولد عام 1939) واعتقال لحسن الكلاوي وأعضاء آخرين، في إدارة المنظمة وتنفيذ عدد من عملياتها واستقطاب أعضاء جدد وإقامة معسكرات للتدريب، والاستيلاء على أسلحة متطورة من إحدى القواعد الأجنبية في منظمة الغرب، وتعزز كفاح الهلال بظهور منظمات أخرى مثل «جيش الأطلس» و«صوت الحق» و«اليد الحسنية» و«أسد التحرير».
لم تتردد الهلال الأسود في استغلال عدد من المناسبات للتذكير بارتباطها القوي بالسلطان محمد بن يوسف، ويمكن للمهتم ملاحظة ذلك انطلاقا من متابعة دقيقة للمنشورات التي وزعتها خاصة بعد عودته من المنفى، وإعلان الاستقلال وتأليف أول حكومة وطنية لفترة ما بعد الحماية.
كان النقاش داخل منظمة الهلال الأسود قد تركز حول المهام التي ماتزال مطروحة ويتعين إنجازها مثل تدعيم الاستقلال الهش، وإزاء مظاهر الوجود الأجنبي ودعم الجزائريين.. بينما كان النقاش داخل دائرة ضيقة من أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الذي استقطب «المنظمة السرية خصم الهلال الأسود التاريخي» يدور حول سبل تجريد السلطان من سلطته السياسية، والإبقاء على سلطته الروحية (الدينية) ثم إقصاء الأحزاب الأخرى من اللعبة السياسية. لذلك تمت المزاوجة بين الترهيب والترغيب (سياسة العصا والجزرة). ففي مقابل الامتيازات الكثيرة التي منحت بسخاء كبير لإيجاد أتباع جدد، تمت مواجهة الرافضين لسياسة الاحتواء الحزبي بالاختطاف والاحتجاز والاغتيال، وأقيمت مراكز الاعتقال السري في جميع جهات المغرب، وكان عدد هام منها في الشمال وأشهرها دار بريشة بضواحي تطوان، وفاق عدد الضحايا من الهلال وحدها عدد المقاومين الذين أعدمهم الاحتلال.
لقد عدت وقائع الاغتيال السياسي في مغرب 1956 أهم الإفرازات السياسية الأساسية للصراع بين المرتبطين بالملكية المدافعين عنها، وبين الموالين لحزب الاستقلال الطامح في إضعاف سلطة القصر، كما شكلت هزات عنيفة ضربت في الصميم ذلك التحالف الذي تحقق في مواجهة الاحتلال. وبدا للمناضلين وعموم الناس أن أحلامهم أكبر من هذا الواقع المتسم بالصراع.
إن استرجاع هذه الهزات هو إدانة لاغتيال الحق في الحياة، وإحياء لذكرى الضحايا الذين أدوا غالبا ثمن تمسكهم بسلطة محمدبن يوسف دون غيرها، ورفض للخضوع لإملاءات حزب الاستقلال، ومحاولة لقراءة صحيحة وموضوعية للوقائع بعيدا عن هفوات ضعف الذاكرة وافتراءات الأهواء السياسية، إسهاما منا في ترميم ذاكرتنا الجماعية المهددة بالتلف.
قيمة مذكرات مصطفى العلوي
لما كنا بصدد إنجاز هذا الملف عبر النبش في ذاكرة المغرب لفترة ما بعد الحماية كانت جريدة «أخبار اليوم» تنشر مذكرات عميد الصحفيين المغاربة، ولم يكن من الممكن تجاوز المواضيع التي استعادها شخص انتمى إلى دائرة مهنة المتاعب، وهي ما تزال ضيقة، وعاش تطورات الحقل السياسي منذ عملية إعادة بناء السلطة الملكية مع محمد بين يوسف، الذي أصبح يعرف منذ 15 غشت 1957 بالملك محمد الخامس، ومحاولة بناء الدولة الوطنية مع الحسن الثاني، ثم محاولة بناء مجتمع حداثي ديمقراطي مع الملك محمد السادس.
ومن بين القضايا التي أثارها مصطفى العلوي في العدد 115 من «أخبار اليوم» ليوم الاثنين 31 يوليوز 2009 (ص 9) وفاة محمد الخامس المفاجئة عصر يوم الأحد 26 فبراير 1961 وليس 21 فبراير كما ورد في الجريدة وقضية اللقاء بين محمد الخامس وعدد من رجال المقاومة، من ضمنهم عبد الله الحداوي وليس شقيقه محمد الحداوي الذي كان قد استشهد منذ عام في معركة سيدي معروف في الدارالبيضاء ليلة 28 - 29 شتنبر 1955. وبالرغم من هذا الإقصاء إلا أن ما يقدمه مصطفى العلوي جدير بالتتبع ويعد في رأينا ذا قيمة مضاعفة على مستوى الإسهام في ترميم الذاكرة الجماعية.
عرس المهدي الناموسي
لما استشهد عبد الله الحداوي كان شقيقه محمد الحداوي، ما يزال في ربيعه الرابع عشر رهن الاحتجاز بالدائرة السابعة للأمن التي قضى بها ليلة السبت 28 وصباح الأحد 29 يوليوز، فاقترب منه المهدي الناموسي وخاطبه: «سير فحالك را خوك عنده العرس».
حقا في فترات الانبطاح يصبح الاستشهاد من أجل قضية عادلة عرسا.
لهذا لم يهدد عبد الله الحداوي الملك محمد الخامس
قبل اغتيال عبد الله الحداوي سقط عدد غير يسير من المقاومين برصاص أشخاص لم يلتحق عدد منهم بالمقاومة إلا في لحظاتها الأخيرة، سخرهم حزب الاستقلال لفرض الخنوع على الرافضين للاحتواء الحزبي حتى تسهل إعادة ترتيب الساحة السياسية من وجهة مصالحه فقط، ولا تسمح حدود هذه الورقة بحصر أسماء الضحايا والمختطفين الذين ما تزال أخبارهم منقطعة.
ويل للمصلين
هذه الوقائع إذن هي القادرة على تحديد السباق لما جرى ليلة السبت 28 يوليوز 1956 غير بعيد عن حديقة الجيوانات بعين السبع في الدار البيضاء، أما الحوار الذي دار بين السلطان محمد بن يوسف والمقاوم عبد الله الحداوي، فقد ابتغى منه عبد الله وضع حد للاضطهاد الذي تتعرض له الهلال الأسود، والتنبيه لمخاطر بحث اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عن سبل الاستقواء لغرض نظام الحزب الوحيد بإضعاف القصر وإقصاء الأحزاب الوطنية الأخرى من اللعبةالسياسية بالرغم من نضالها، وفي غمرة الابتهاج الذي خلفه الإعلان عن انتهاء العمل بمعاهدة الحماية، وجدت هذه الأحزاب نفسها في مواجهة تيار متشبع بثقافة الإقصاء.
من دون شك كان عبد الله الحداوي يتمتع بثقة كبيرة في النفس ترجع إلى نجاحه في إسقاط عدد من رموز الوجود الأجنبي، مغاربة وأجانب، مدنيين وعسكريين، فأسعفته في دعوة السلطان إلى التزام الحذر في التعامل مع الراديكاليين من حزب الاستقلال الذين يسعون في إقامة وصايتهم على العدالة وعلى كل مؤسسات الدولة لاستئصال حقوق الأحزاب الأخرى، وإنكار حقها في الوجود وترويع الناس، والتنبيه إلى مخاطر ذلك على التعايش السلمي بين مختلف مكونات المغرب السياسية.
هل انحصر الحوار بين عبد الله الحداوي وعاهله في هذا التنبيه؟ «لقد دخلت ب: يحيا الملك، وإننا لا نريد منك أن تخرج ب: «يسقط الملك»؟
لم يكن هذا الكلام المبتور من سياقة على غرار: «ويل للمصلين» يحمل أي تهديد للسلطان سيدي محمد بن يوسف، وإنما تخوفا مما قد يتعرض له مستقبلا إن أبدى عجزه عن الحد من أطماع حزب الاستقلال الذي بحث عدد من رجاله عن احتكار السلطة والثروة بصورته في المخيلة الوطنية، كحزب قاوم الطرقية والشعوذة ودافع عن طموحات الناس منذ 1934 لما كان يسمى ب «الحزب الوطني»، وتعرض عدد من أعضائه للاضطهاد سنوات 1937 و1944 و1947 و1952.
كان حزب الاستقلال ماضيا في الانفراد بالسلطة بعد إسناد حقيبة الداخلية لادريس امحمدي والإدارة العامة للأمن الوطني لمحمد الغزاوي والأمن الإقليمي بالدارالبيضاء لإدريس السلاوي وكلهم من رجاله. ومكنت إمكانات الغزاوي المادية من خلق ميليشيات تتصرف في استقلال تام عن الضوابط القانونية، وكان من أعضائها مقاومون من المنظمة السرية أو انتسبوا لها في اللحظات الأخيرة من عمر المقاومة، ومنهم أفراد من ذوي السوابق كونوا صداقات داخل السجن المدني (اغبيلة) مع مقاومين كانوا يقضون عقوبة السجن، فتم تسخيرهم في اضطهاد المقاومين الحقيقيين وهتك الأعراض ونهب أموال الناس الذين وضعت أسماؤهم تجاوزا ضمن قائمة المتعاونين سابقا مع سلطان الحماية. ولم يسبق للمتورطين في هذه الأفعال خوض المقاومة المسلحة، ومن علامات ذلك أن المعاينة التي قام بها الأمن وكان ما يزال مشكلا في غالبيته من الفرنسيين لمكان جريمة اغتيال «الغضفة بنت المدني» زوجة المقاوم عبد الرحمان لمخنت في درب الكرلوطي تحدثت عن وجود أغشية douilles) 43) خرطوشة، فهل تطلبت عملية اغتيال سيدة كل هذا الكم من الرصاص؟
لقد اجتمعت قبل السبت الأخير في حياة المقاوم عبد الله الحداوي عوامل عدة فرضت التحذير من مخاطر الانزلاق نحو ديكتاتورية الحزب الوحيد ومنها مذبحة سوق أربعاء الغرب واغتيال الكفاءات التي كانت ستفيد في بناء المغرب.. فأصيب الناس بإحباط شديد.
لا يمكن ربط اغتيال عبد الله ليلة السبت 28 يوليوز 1956 بالحوار الذي دار بينه وبين السلطان، وإلا فما هي دواعي الاغتيالات الأخرى التي ظلت أخبارها تقفز إلى صدارة الأحداث بين نهاية 1955 ونهاية يوليوز 1956؟
كان كمين حديقة الحيوانات إذن مهيأ بدقة كبيرة لأن خصوم عبد الله الحداوي كانوا يرصدون خطواته طيلة الشهور السبعة الأولى من سنة 1956، ولكي لا يتركوا لهذا الصيد الثمين أي فرصة للنجاة، تم تجنيد عدد كبير من العاملين بالدائرة السابعة للأمن في درب البلدية بالدارالبيضاء. وتمت الاستعانة بمختلف أنواع الأسلحة النارية، وأقاموا حاجزا آخر على الطريق الساحلية، وكان من ضمنهم المهدي الناموسي ومحمد الذهبي المعروف ب «اللاص» الذي كان من بين من أصيبوا برصاص عبد الله ورفاقه فتمت مكافأته بامتيازات كثيرة بالرغم من تواضع ماضيه في قتل المقاومة!
الوعد بالتسوية
لقد تعلق الأمر إذن بمواجهة مسلحة فرض على عبد الله الحداوي خوضها لأن السلطان محمد بن يوسف وعده بتسوية الأمور.
ووفقا لعدد من الشهادات فإن القتلة وأسيادهم أقاموا في اليوم الموالي حفلا كبيرا بالدارالبيضاء ابتهاجا بالتخلص من المقاوم الذي أرعبهم مثلما أرعب السلطات الفرنسية التي أصدرت فلي حقه ثلاث مذكرات اعتقال في مارس 1955 وفبراير ويونيو 1956، ووصفته إحداها ب «الإرهابي الخطير»
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.