أخر الاخبار

الشبيبة الاسلامية وعملية اغتيال الشهيد عمر

 

نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 05 - 2015

عملية اغتيال الشهيد عمر

في «حادث إرهابي»، وقعته الشبيبة الإسلامية» تعتبر لحظة مفصلية في تاريخ جماعة مطيع، حيث أدى ما تلاها من أحداث، وما استتبعها من اتهامات لم تستثن رجالا مقربين من القصر آنذاك (وعلى رأسهم عبد الكريم الخطيب)، إلى حل الجماعة وتعليق نشاطها وفرار زعمائها، وعلى رأسهم مطيع والنعماني، فضلا عن الاعتقالات التي طالت بعض أعضائها، وهو ما أدى بها إلى العودة إلى العمل السري، وفسح المجال أمامها إلى إعلان قوتها الكامنة، وذلك باستخدام أسلوب رسائل التهديد المجهولة والكتابة على الجدران وتوزيع المنشورات المحرضة، فضلا عن تشكيل جناح مسلح أوكلت إليه مهمة مواجهة الخصوم وتصفية الزعماء، وإعلان الحرب على الدولة، وعلى مؤسساتها «الكافرة»


حرصت "الشبيبة الإسلامية"، في لحظة تأسيسها، على ارتداء القناع، جريا على عادة مثيلاتها من الحركات الإسلامية التي تضع رجلا على "الدعوة" في الوقت الذي يشرئب عنقها نحو السلطة.


وقد جاء هذا التأسيس في بداية السبعينيات (1972)، أي في لحظة كان اليسار لاعبا جيدا في الجامعة المغربية، وخصما عنيدا للتيارات المحافظة التي كان يرعاها النظام المخزني، كما جاءت في سياق دولي يتسم ب "ثورة الطلاب" في فرنسا (1968)، مما انعكس على الشباب المغربي الذي افتتن بالنجاحات التي حققها الطلاب الفرنسيون، كما لاقت النظريات والإيديولوجيات السائدة ترحيبا في أنفسهم.

وفي خضم هذا الحراك الذي عرفته الجامعة المغربية، فضلا عن التنظيمات اليسارية المشبعة بقيم التمرد على الأوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة، كان لافتا أن يبادر عبد الكريم مطيع مع بعض رفاقه إلى تأسيس«»"الشبيبة الإسلامية"، وإطلاقها ثم تغليفها بما يعرف ب "العمل السري"، وذلك« من خلال تشكيل أذرع مسلحة لضرب بعض الهيئات الحزبية المعارضة، وتصفية رموزها، والحؤول دون ربحها لمساحات تقوض دعائم النظام القائم. وهذا لم يكن جديدا، ذلك أن إنشاء مراكز وهيئات لمواجهة المعارضين الذين لا يتقاسمون مع النظام. وجاءت "الشبيبة الإسلامية" لتقوم بهذه المهمة تحت غطاء تصفية السياسيين الذين لا يتقاسمون معها نفس الايديولوجيا، وتلعب هذا الدور "القذر" قبل أن تنقلب, حين اشتد عودها وحققت اختراقات كبيرة في صفوف رجال الدولة،لتشرع« في توسيع نشاطها الذي يستهدف ضرب أسس النظام الملكي والانقلاب على مؤسسة أمير المؤمنين، ومنازعة القصر في شرعيته، بغاية تأسيس دولة الخلافة، على غرار كل الجماعات الإسلامية التي ظهرت قبلها، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتنظيمات التي انبثقت منها، بما في ذلك جماعة "الهجرة والتكفير".

وبطبيعة الحال، سيجد مخطط عبد الكريم مطيع صدى له، حين استطاع ربط علاقات مع تنظيمات إسلامية خارجية تقاسمه نفس النزوع الإيديولوجي، خصوصا »"الإخوان المسلمون"« في مصر وسوريا، الذين كانوا، في مختلف أدبياتهم، يرجحون "مفهوم الأمة" على حساب "مفهوم الدولة"، ذلك أن ما يربط بين هذه التنظيمات يتجاوز المنطق الجغرافي والتقسيمات الترابية، إضافة إلى رفض خصائص الدولة العصرية، بما في ذلك الخيار الديمقراطي والمؤسسات الدستورية، كما أنها لا تعترف بالانتخابات وخصائص التدوال السلمي على السلطة وتعتبرها ممارسات استغرابية »دخيلة« تكرس التبعية والاستيلاب والهيمنة. بل الأدهى من ذلك أنها تعتبر الخيار الديمقراطي مجرد وسيلة لتسهيل الانقضاض على الحكم، وإلباسه رداء إسلاميا لا مجال للاختلاف حوله أو الخروج عليه، مما يعني أن التداول على السلطة يقع خارج الاهتمام، وخارج الاستراتيجيا.

ولعل عملية اغتيال الشهيد عمر في "حادث إرهابي"، وقعته الشبيبة الإسلامية" تعتبر لحظة مفصلية في تاريخ جماعة مطيع، حيث أدى ما تلاها من أحداث، وما استتبعها من اتهامات لم تستثن رجالا مقربين من القصر آنذاك (وعلى رأسهم عبد الكريم الخطيب)، إلى حل الجماعة وتعليق نشاطها وفرار زعمائها، وعلى رأسهم مطيع والنعماني، فضلا عن الاعتقالات التي طالت بعض أعضائها، وهو ما أدى بها إلى العودة إلى العمل السري، وفسح المجال أمامها إلى إعلان قوتها الكامنة، وذلك باستخدام أسلوب رسائل التهديد المجهولة والكتابة على الجدران وتوزيع المنشورات المحرضة، فضلا عن تشكيل جناح مسلح أوكلت إليه مهمة مواجهة الخصوم وتصفية الزعماء، وإعلان الحرب على الدولة، وعلى مؤسساتها "الكافرة". وكانت الغاية من ذلك هو خلق أجواء مشحونة بالتوتر، وإيجاد مسارب للدخول إلى مرحلة العمل المسلح، وتحويل الشوارع إلى جبهات حرب متفرقة، وهذا ما أثبتته التحقيقات الأمنية، حيث تبين أن أعضاء الشبيبة الإسلامية استفادوا من تدريبات شبه عسكرية نظمت بين عامي 1984 و1985 بالجزائر وليبيا، تحت إشراف مسؤولين رسميين كانت تحذوهم رغبة في إنهاء النظام الحاكم، وتركزت تلك التدريبات على كيفية استخدام الأسلحة النارية وصناعة المتفجرات، وأيضا على تصفية الخصوم وعلى إرهابهم، وأيضا على التخفي وطمس الهوية، وإخفاء الأثر، فضلا عن كيفية جمع الإمدادات، واستقطاب المقاتلين.


عبد الكريم مطيع ونشأة الشبيبة الإسلامية

عبد الكريم مطيع ونشأة الشبيبة الإسلامية


في نهاية ستينيات القرن الماضي، شرع التيار الإسلامي في التطور بالمغرب لأسباب داخلية محضة. وكانت أول حركة منظمة برزت للوجود هي "الشبيبة الإسلامية" التي أسسها رجل التعليم كمال إبراهيم بمعية عبد الكريم مطيع. لقد سعى الرجلان إلى تأسيس حركة سرية وعنيفة في ذات الوقت، علما أن مطيع مناضل سابق في صفوف اليسار الجذري أصبح مفتشا للتعليم الثانوي وأراد إنشاء هيكل تنظيمي يشتغل طبق أفكار حسن البنا. وإذا كان مسعاه قد قاده إلى المنفى عقب اغتيال الشهيد عمر بن جلون، فإنه يقول حاليا إن جميع مكونات الحركة الإسلامية الراهنة بالمغرب امتداد للشبيبة الإسلامية.

بمجرد ظهور الإسلاميين المغاربة للوجود، وظفتهم أجهزة الاستعلامات واستعملتهم لمواجهة مناضلي اليسار واليسار الجذري قصد إقصائهم من التنظيمات النقابية الطلابية. وفي هذا الإطار، تم توظيفهم لاغتيال الشهيد عمر بن جلون في دجنبر 1975، قبل مشاركة بعضهم في الأحداث التي عرفتها مكة احتجاجا ضد السلطات السعودية، ما أدى بزعيمهم إلى المنفى بينما تعرض بقية الأعضاء للاعتقال.

أولى تجليات العنف لدى الشبيبة الإسلامية ولدت جدلا واسعا، وخاصة عملية اغتيال الشهيد عمر بن جلون. وإذا كان العميل السابق أحمد البخاري يؤكد بأن الشبيبة الإسلامية كانت أداة تنفيذية للكاب 1، فإن عبد الكريم مطيع يصرح بأن منظمته لم تكن ذات تطلعات سياسية إطلاقا، بل هيأة دعوية، وبأن الأجهزة السرية المغربية هي التي اغتالت بن جلون.

لكن أعضاء آخرين من التنظيم يؤكدون عكس ما يزعمه مطيع، ومنهم أحمد سعد الذي صرح في مارس 2002: "إن أعضاء من الشبيبة الإسلامية هم من قاموا بالفعل باغتيال عمر بن جلون. وكان يقودهم عبد العزيز النعماني الذي كانوا يتلقون الأوامر مباشرة منه". نفس الشخص أضاف أنه لم يكن مستعدا، حين الإدلاء بتصريحاته تلك، للحديث عن علاقة عبد الكريم مطيع بعملية الاغتيال، ولا عن علاقات زعيمه بالأجهزة المخابراتية.

عقب الجريمة المؤسسة لها، أي اغتيال الشهيد عمر بن جلون، ستتشتت صفوف الشبيبة الإسلامية التي أحدثت سنة 1973، بسبب العنف السياسي بالذات، وتنقسم إلى ثلاثة تنظيمات هي: اللجنة الثورية والطليعة الطلابية الإسلامية ومنظمة المجاهدين المعروفة عن طريق المجلة التي كانت تصدرها بلجيكا عقب تعرضها للقمع في المغرب سنة 1985. وسيؤدي انقسام لاحق إلى بروز الجماعة الإسلامية وحركة الإصلاح والتوحيد.


سيظل بعض أتباع هذه التنظيمات أوفياء لعبد الكريم مطيع طوال فترة محددة، لكن الهجوم على مسجد مكة في 20 نونبر 1979 وتورط الأخير فيه، سيؤدي بأعضاء تلك الجماعات إلى القطيعة مع مؤسس الشبيبة الإسلامية الذي سيضطر إلى المكوث في المنفى ممولا من طرف أجهزة استخباراتية عربية معينة.

بالعودة إلى اغتيال الشهيد عمر بن جلون، وبالإضافة إلى أعضاء الشبيبة الإسلامية المتورطين فيه أو المباركين له، نجد أن مكونا ثانيا من الإسلام السياسي المغربي آنذاك قد ندد بالعملية، معتبرا إياها مدبرة من قبل المخابرات المغربية، ما سيجعله يتراجع تماما عن العنف السياسي.

هذا، وسيرفض فريق ثالث حسم اختياره، ليكتفي بالدعوة في أوساط مدرسي فاس والقصر الكبير. وهذا الفريق هو الذي سينجو بجلده عقب اعتقالات سنة 1984 التي طالت 800 إسلامي، مع صدور 13 حكما بالإعدام من بينها الحكم الصادر ضد مطيع، ما سيضطره إلى المكوث في منفاه الليبي. وطوال سنة 2000، سيطالب مصطفى الرميد، بصفته رئيسا لفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، بالعفو عن هؤلاء المعتقلين الإسلاميين.


آثار تفكك الشبيبة الإسلامية

بعد القمع الموجه للشبيبة الإسلامية، أخذ التيار الإسلامي شكل مجموعات مدينية صغيرة تحتج ضد الدولة أكثر من احتجاجها ضد المجتمع. بيد أن هذه الجماعات تعرضت لقمع شديد، خاصة أن هذه الفترة (1975) تزامنت مع الأجواء الوطنية التي صاحبت عملية الكفاح من أجل استرجاع الصحراء. فالتظاهرات المتكررة لصالح الوحدة الوطنية لم تترك - إلى غاية سنة 1991 تاريخ الانتهاء الفعلي لحرب الصحراء- سوى هامش حرية ضعيف للجماعات المعبرة عن مطالب المجتمع المدني. في الوقت الذي كانت الدولة في الجزائر تبدو موحدة و من صنع أوربي، كانت الدولة في المغرب عريقة تجر خلفها عددا من القرون.

هذا الأمر سهل السياسة القمعية للدولة، التي كان الجزء الأكثر بروزا منها هو الأحكام بالإعدام التي صدرت ضد الإسلاميين بعد محاكمات تمت تغطيتها إعلاميا بشكل واسع. و قد بدأت هذه السياسة القمعية منذ 1975 ، أي قبل سقوط شاه إيران نفسه. و هي تمثل ثلاثة مظاهر يمكن للتحليل أن يفرزها عن بعضها البعض.

فهناك أولا التعامل الفوري مع المعارضين الإسلاميين خلال المظاهرات المدينية مثلا التي حاول الإسلاميون السيطرة عليها و توجيهها، كما حصل في فاس في دسمبر 1990، ثم هناك أيضا القمع القضائي بعد القمع البوليسي و هناك أخيرا القمع السجني. فقط بعد هذه التحليلات الثلاث يمكننا مقارنة وضعية الإسلاميين مع وضعية المجموعات الأخرى، مثل اليساريين و النقابيين من جهة ، و المتظاهرين المديننين من غير انتماء سياسي من جهة أخرى، و ذلك لاستجلاء خصوصيات العنف الذي سُلط على الإسلاميين.

و أول موجة قمع هي ما حصل خلال مواجهة الإسلاميين لجهاز الدولة. و هي الأكثر بروزا و الأقل أهمية على مستوى تحليل اللعبة السياسية. و تُفسر بعدد قتلى الإسلاميين مقارنة مع عدد قتلى المجموعات الأخرى التي ساهمت في هذه الثورات من جهة و مع عدد قتلى القوات الأمنية من جهة ثانية. فقد حدثت كثير من المواجهات المفتوحة بين الإسلاميين و رجال الشرطة أو الدرك المغربيين.

و هنا يمكن أن نثير الأحداث التي وقعت في فاس و وجدة و الدار البيضاء، بل أيضا عمليات تحويل الطائرات كما حصل للبوينغ 727 التابعة للخطوط الملكية المغربية بين دمشق و الدار البيضاء من طرف المناضل المكناسي حميد العلوي في 27 ماي 1982 . كما أن احتجاز الرهائن في محكمة نانت الفرنسية سنة 1985 تمت من طرف إسلامي مغربي هو عبد الكريم خلقي و هو فاسي من مواليد سنة 1951,

قضية فندق أطلس اسني بمراكش سنة 1994 كانت ثاني إنذار جدي بعد الجريمة التي نفذتها الشبيبة الاسلامية سنة 1975 بالدار البيضاء

في أعقاب الهجوم على الحرم المكي، كشفت الشرطة السعودية أسماء إسلاميين مغاربة ساهموا في الإعداد لهذا الهجوم أو شاركوا فيه, و نتيجة لذلك جرت اعتقالات بالمغرب سنة 1979 . فأصيب كثير من الإسلاميين بالخوف و حلقوا لحاهم. و في يونيه 1980 حدثت مجزرة فاس بعد الهجوم على منزل لحسن الزيتوني. و قد تم التبليغ عن هذا الرجل الذي كانت مجموعته معروفة منذ سنوات، من طرف الجيران، و قد قتل في هذه المواجهة رجل أمن و إثنان من الجماعة أحدهما هو الزيتوني نفسه فيما أصيب عشرة آخرون بجراح.


و مما زاد من موجة القمع هو التهديدات القادمة من إيران.، فمنذ 1981 ذهب حسن إيغيم إلى إيران لتلقي تكوين في الإسلام الشيعي و التدرب على السلاح، و تلقى بعد ذلك الأمر بالذهاب إلى مدريد و إنشاء صحيفة هناك كتغطية لعمل آخر هو تهريب السلاح إلى الجزائر. و قد كانت هذه أول شبكة إسلامية دولية تم اكتشافها بالمغرب. و في يونيه 1983 ، كتبت صحيفة "جمهوري إسلامي" الإيرانية أن "بلدان الشرق الأوسط تخضع لرقابة كبيرة من طرف القوى الكبرى...بينما تدخلنا في المغرب العربي أسهل و أكثر نفعا". و في السنة الموالية، صرح الوزير الأول الإيراني مير حسين موسوي بعد أحداث الدار البيضاء بالمغرب بأن "التاريخ بدأ يدور لصالح الشعب المقموع في المغرب. فالثورات الأخيرة تشكل أول ضربة قوية ضد الملك". و بدأ المغرب يتوقع إذن محاولات الزعزعة من إيران.

و شكل القمع القضائي واحدا من الوسائل في يد الدولة للتعامل مع هذه المجموعات. كما كان ذلك فرصة لمعرفة أن معظم الحركات الإسلامية كانت مُخترقة من طرف رجال الاستعلامات العامة، من ضمنهم عبد العزيز النعماني الذي ظهر في قضية اغتيال عمر بنجلون (تم اغتياله من طرف أعضاء الشبيبة الإسلامية تحت أنظار مفتش في الاستعلامات العامة). لكننا نسجل أيضا اختراق عناصر من مديرية مراقبة التراب الوطني (دي إس تي) و عناصر عاملة لصالح جهاز الأمن السعودي لهذه المجموعة. و نتيجة لذلك تمت حماية بعض المتورطين في العمليات الإسلامية الأولى مما سمح بفرارهم إلى خارج المغرب. و فوجئنا بوجودهم في السعودية أو في ليبيا. و لم يتم إصدار أي مذكرة بحث دولية ضدهم. و نتيجة لذلك و بالرغم من صدور عدة أحكام بالإعدام (دون تنفيذ أي منها) فقد بدت هذه المحاكمات كمهزلة..

منذ سنة 1975 بدأت محاكمات الإسلاميين بمختلف تلاوينهم، و في 31 يوليوز 1984 انتهت محاكمة فرع من جماعة الشبيبة الإسلامية "الجهاد". و في وثائق هذه المحاكمة نجد تفاصيل السير الذاتية للمتهمين ال 71 ، الذين حكم على 13 منهم بالإعدام. و بتحليل سوسيولوجي نجد أن معظمهم تلاميذ أخفقوا دراسيا و هم لا يتجاوزون العشرين من العمر. و تكمن أهمية هذه المحاكمة في كونها تمنح الدارسين فرصة للمقارنة مع القمع الذي تعرض له اليسار سنة 1984 .

ثم كانت هناك محاكمة مجموعة أخرى متفرعة عن الشبيبة الإسلامية (حركة المجاهدين) بالدار البيضاء في 22 غشت 1985 .مما سمح بدراسة دقيقة للسير الذاتية للمتهمين خاصة أعضاء "كتيبة بدر" من وجدة و الدار البيضاء.

و قد تبين أن متوسط عمر أعضاء هذه الحركات هو 27 سنة أي أن عمرهم يتراوح بين 18 و 33 سنة، كما يلاحظ أن معظمهم أيتام يعانون من انعدام الأمان في غياب الأب، إضافة إلى هشاشة اقتصادية و وضعية جنسية سيئة (قليل منهم متزوجون) و كثير منهم سبق أن شاركوا في مجموعات لحفظ القرآن بعد تجربة تعليمية فاشلة. و رغم وجود نسبة كبيرة من المهندسين و الأطباء في المجموعات الإسلامية المصرية ?على سبيل المقارنة- إلا أن المجموعات الإسلامية لا تستقطب من هذه الفئة لأن المهندسين و الأطباء يجدون مناصب لهم بسهولة أكبر في المغرب عنهم في مصر.


أما فيما يخص الوضعية السجنية و ما تعرض له الإسلاميون داخل السجون، فإن أطول إضراب عن الطعام في العالم هو الذي خاضه المعتقلون الإسلاميون في مراكش، و الذي دام بشكل متقطع حتى سنة 1987، بالتوازي مع إضرابات الطعام التي خاضها اليساريون و التي أودت بحياة كل من مصطفى بلهواري و مولاي بوبكر الدريدي المنتميين للتيار القاعدي بعد 63 يوما من الإضراب .

العمليات التي نفذها شباب منحدرون من الهجرة..

في فرنساوأوربا بشكل عام, نجد من جهة مغاربة أغلبهم يندمجون بسهولة، لكن يمكن أن نجد حالات تعيش الإقصاءفي الأحياء الهامشية أو نجد عائلات تعيش صعوبات كبيرة، وفي هذه الحالات يمكن أن تظهر الظاهرة الاسلامية.

من جانب آخر كانت سياسة وزير الداخلية السابق ادريس البصري تتمثل في العمل على دفع الاسلاميين الذين يصنفون في خانة الخطورة إلى السفر إلى أوربا دون اشعار المخابرات الفرنسية بهويات هؤلاء الأشخاص. وهذا الخلط المتعمد أدى إلى ظهور مناخ عام من الريبة والشك, حيث أصبح ينظر إلى العرب أو »المسلمين« بشكل عام كأشخاص خطرين... وهذا التمثل العبثي قد يؤدي إلى وقوع أحداث مؤسفة وتنامي العمليات قد يغذي ردود الفعل الرافضة وبالتالي يصبح الاسلاميون شركاء للتيارات العنصرية الأوربية.

وهكذا تم يوم 19 غشت 2002 اعتقال أربعة مواطنين مغاربة من أمام كنيسة بولونيا لكونهم قاموا بتصويرها بعد ساعات أعلنت الشرطة الايطالية أن الأشخاص الموقوفين متهمون بالارهاب، لكن يوم 21 غشت تم الافراج عنهم لأنه بعد ساعات من التحقيق رفض قاضي التحقيق التهم الموجهة لهم, معتبرا أن الأدلة (ذكر اسم بن لادن في التعليق بالأمازيغية المصاحب للفيلم...) غير كافية وكانت الشرطة الايطالية قد توصلت قبل ذلك بأيام بمعلومات تشير إلى اعتداء وشيك ضد كنيسة في الجزائر, ولذلك تم اتخاذ احتياطات أمنية في مجموعة البلاد تحسبا للذكرى الأولى لهجمات 11 شتنبر.

لكن الشكوك في بعض الحالات لها ما يبررها وهكذا يوم 12 دجنبر 2001 اعتلقت الجمارك الايطالية شخصا يدعى حماد, على الحدود قادما من فرنسا, وعثر حرس الحدود في سيارته على وثائق تثبت وجود علاقات مع خلايا للقاعدة في ايطاليا. ومدة قليلة قبل ذلك وضع عناصر من المخابرات المغربية بغوانتامو في مواجهة 5 عناصر من نشطاء القاعدة (مغاربة وتونسيين) الذين أقاموا في ايطاليا.


ومن جهة أخرى, تمكنت عناصر مخابرات ايطالية من استجواب سجناء مغاربيين في غوانتانامو سبق أن أقاموا في ايطاليا وهو مامكن رجال الأمن الايطاليين يوم 22 دجنبر 2003 من اعتقال خمسة مغاربة في بلدة »"باديا بوليزني"« قرب مدينة روفيغو وبحوزتهم متفجرات ومعدات تدخل في صناعة قنابل ووثائق تشير إلى أنه كان التحضير جاريا لتنفيذ عمليات في أقاليم فيرونا بادونا أوتريفيزا, لأنه وجدت في منزل أحد المغاربة المعتقلين وكان أيضا يستعمل كمسجد للجالية المحلية هناك، وجدت خرائط حددت فيها مباني مثل مقر الحلف الأطلسي في فيرونا وكنيسة سان نطوان في بادوفا ومقرات مصالح أمنية مختلفة, وعثر كذلك على رسوم للأحياء المركزية في لندن ولائحة بقواعد للحلف الأطلسي في ايطاليا وعناوين تمثيليات أجنبية في روما ووثائق تشير إلى كيفية التحرك في الدول الغربية دون اثارة الانتباه.

زعيم هذه المجموعة كان هو المغربي رضوان بنغازي الذي كان يتستر وراء وظيفة إمام مسجد »باديا بوليزيني« ,كان يقوم بصنع وثائق مزورة لتمكين المهاجرين السريين من تسوية أوضاعهم القانونية, وكان هؤلاء المغاربة آخر الأشخاص المعتقلين في ايطاليا منذ أحداث 11 شتنبر 2001 ,هذه الاعتقالات شملت 55 ناشطا اسلاميا يأتي على رأسهم من حيث العدد المغاربة والتونسيون.

هذه الوقائع والأحداث تحيل على ذكريات قديمة مرتبطة بجريمة وقعت في مراكش فسرها وتعامل معها المغاربة كقضية قانون عام عادية، لكن قاضي التحقيق الفرنسي بروفيير تعامل معها كمؤشر على وجود شبكة اسلامية.

قضية فندق أطلس اسني بمراكش سنة 1994 كانت ثاني إنذار جدي بعد الجريمة التي نفذتها الشبيبة الاسلامية سنة 1975 بالدار البيضاء، فيوم 24 غشت اقتحم ثلاثة رجال مقنعين ومسلحين ببنادق هجومية ورشاشات كلاشينكوف واوزي بهو فندق اطلس اسني وبدأوا يطلقون النار على الزبناء, وحاولا كذلك سرقة خزينة الفندق والحصيلة مقتل سائحين اسبانيين وعدد من الجرحى، كان هذا الاعتداء مفاجأة كبرى بالنسبة للمغاربة الذين كانوا يعتقدون أنهم في مأمن من تطور الأمور على نمط ما يجري في الجزائر آنذاك، شنت القوات الأمنية المغربية عملية مطاردة واسعة في كل مناطق البلاد وللقبض على الجناة,وضعت الحواجز الأمنية في كل الطرقات, كل ذلك لم يمنع من وقوع إطلاق نار بالدار البيضاء في المقبرة اليهودية، بعد فترة قصيرة اعتقلت عناصر الأمن الوطني الجناة بفاس وبعد هجوم بالرصاص ضد سيارة للشرطة تلتها مطاردة طويلة تم اعتقال ستيفان أيت إيدر ورضوان حمادي وطارق فلاح بفاس وتاوريرت, حيث وقعت عملية سرقة ليلة 26/25، الشرطة ألقت القبض أيضا على كمال بنعكشة وهو فرنسي من أصل مغربي والمغربي عبد السلام كرواز. في منطقة تازةتم اعتقال عبد الرحمان بوجدلي قرب الناظور بعد شهر على العملية.

عملية مراكش كانت لها آثار خطيرة على اقتصاد المغرب ,لأنها أثرت على مداخيل السياحة لعدة سنوات. لكنها في نفس الوقت غيرت العلاقات المغربية الجزائرية بعدما تم إغلاق الحدود

وتم اعتقال شركاء آخرين من بينهم عبد السلام كرواز والجزائري هامل مرزوق, كما سيتم اعتقال طارق فلاح بألمانيا. إذن سيتم اعتقال أفراد الكومندو الستة و11 من شركائهم.

سنكتشف ولكن بعد مدة أن زعيم هذا الكومندو عبد الإله زياد الملقب رشيد، هو مغربي من مواليد 1958 سيتم اعتقاله علي الحدود النمساوية الألمانية في غشت 1995 تم ترحيله إلى فرنسا، حيث حكم عليه بالسجن 10 سنوات ومنعه نهائيا من دخول التراب الفرنسي. لكنه كان ينتمي إلى الشبيبة الإسلامية ومر مثل عنصر آخر في الكومندو في معسكرات باكستان وأفغانستان (آنذاك لم تكن القاعدة موجودة بعد في افغانستان)، وبالتالي كان عبد الإله زياد أول أفغاني مغربي يظهر بهذه الصفة.

لكن البصري يتساءل أيضا ومنذ شتنبر ما إذا كانت حركة الشبيبة الإسلامية مستعملة من طرف الجزائريين, لأنه من 1977 إلى 1990، مول الجزائريون هذه الحركة فرضوان الذي التقى زياد صدفة في حي 4000 بمنطقة كورنوف قبل مرافقته إلى باكستان. رضوان حمادي اشترى تذكرة سفره من وكالة آسيوية في بلفيل وسافر في ماي 1992 للتدريب في افغانستان، كان في انتظاره بباكستان صديق مغربي هو عبد الكريم أفقير. هذا الأخير كان يمول سفر المغاربة إلى افغانستان، وهو أيضا من كتب الفتوى التي تبرر الهجوم علي فندق أطلس أسني بمراكش، لكن لم يتم أي تحقيق حول هذا الرجل المحوري وخاصة حول الأشخاص الذين يقفون وراءه. تم بعد عودته إلى فرنسا اقترح حمادي على عبد الإله زياد إدخال اثنين من اقربائه في التنظيم، بلحاج زغاري وزهير سيرات, اللذان التحقا بالفرنسي الجزائري أيت إدير في سفر ثان إلى باكستان.

سيحاكم الرجال الثلاثة في يناير 1995 غداة وصول القاضي بروغيير إلى المغرب، وهو ما كان بالإمكان أن يمنعه هو ورجال الفرقة الفرنسية السادسة المكلفة بمكافحة الإرهاب من استجوابهم,لأن السلطات المغربية تابعتهم فقط بتهم السرقة باستعمال السلاح والقتل وحيازة صور جنسية وليس بتهم المس بأمن الدولة. لكن المحاكمة ستؤجل إلى 18 يناير وهو ما سيسمح بإجراء التحقيقات, إلا أن الأسئلة سيطرحها محققون مغاربة.

الرجال الثلاثة سيؤكدون أنهم تعرضوا خلال التحقيقات للتعذيب والصعق بالكهرباء. ثلاثة من المتهمين حكم عليهم بالإعدام يوم 28 يناير 1995. بعد ذلك ستتم محاكمة 34 عضوا من الشبكة المعتقلين في أورليانز، شارتر بضواحي باريس وافينيون بتهمة تشكيل عصابة إجرامية على علاقة بعمل إرهابي«.

هذه الاعتقالات ستعطي مفاتيح السرقات باستعمال السلاح التي وقعت من قبل في أوبيرفيليي وباريس. محصلة هذه السرقات استغلت بشراء أسلحة استعملت من جهة في حصص التدريب قرب أورليانز ومنطقة أرديش، وتم نقلها بعد ذلك إلى المغرب منذ أكتوبر 1993. كانت الأسلحة مخزنة في أ:نول في بيت عبد الرحمان بوجدلي. ومن ضمن الأشخاص المتابعين نجد عبد الإله زياد المرحل من ألمانيا في غشت 1995 حيث وجد مكانا للاختباء لدى »"أفغانييين« "آخرين مقيمين في هذا البلد.

هذا الرجل أتهم بكونه نقل الرشاشات وكواتم الصوت الى المغرب واعتقاله أحيط بالسرية طيلة حوالي 15 يوما, في وقت كانت محاكمة شركائه جارية، كان يعتقد أنه كان يعمل لحساب الأمن العسكري الجزائري، وهناك مغربي آخر يدعى محمدي شلاح، المسؤول عن قاعة صلاة صغيرة، يعتقد أنه كان مشاركا في هذه العملية تم طرده نحو بوركينا فاصو, حيث احتج ببراءته. ثم اعتقال مغاربة آخرين في فرنسا في نهاية صيف 1994، نور الدين جوال منتصر، امحمد ياجيد، محمد وعبد المولى الخنتاشي في منطقة أورليان جولان كان هوالرجل الذي قدم للكومندو الهاتف الخلوي الذي مكن من الاتصال بأفكير في افغانستان أو باكستان، ومكن ثلاثة مغاربة من الفرار إلى الخارج.

وعلم بعد ذلك أن عملية مراكش لم تكن سوى عنصرضمن برنامج شامل لم ينتبه أويشك فيه أحد حتى الآن, كان مفترضا أن تنفذ في نفس اليوم عمليات في طنجة والدار البيضاء وفاس، في طنجة كان مخططا أن يتم الهجوم بالسلاح على مصطافين في شاطئ البحر. في الدار البيضاء كان مخططا أن ينفذ محمد عزيل وعبد الرزاق منتصر رفقة الجزائري هامل مرزوق المحكوم اليوم بالمؤبد في سجن القنيطرة. هجوما على كنيس يهودي. في فاس كان يفترض أن ينفذ عبد الرحمان بوجدلي رفقة شريكين عملية ضد عنصر في الأمن.

عملية مراكش كانت لها آثار خطيرة على اقتصاد المغرب ,لأنها أثرت على مداخيل السياحة لعدة سنوات. لكنها في نفس الوقت غيرت العلاقات المغربية الجزائرية بعدما تم إغلاق الحدود, ومنذ ذلك الحين توترت العلاقات بين البلدين وظلت كذلك, إذا ما استثنينا الفترة القصيرة بمناسبة مراسيم جنازة الملك الحسن الثاني.

هؤلاء الشباب مازالوا سجناء في القنيطرة، طلبت عائلة أحدهم، عبد السلام كرواز في ماي 2002، تحسين ظروف اعتقال السجين.

الإسلامي ورفاقه في السجن. وطالبت العائلة من اعضاء الجماعات الاسلامية ومنظمات حقوق الانسان مساندة ودعم ابنها السجين وتبني قضيته وإدراجه ضمن لائحة المعتقلين السياسيين. رضوان حمادي وأيت ايدير تدربا في أفغانستان في معسكر تابع للقاعدة ومروا كذلك من بيشاور.

وما يثير في هذه العملية هو انه اذا كان عبد الاله زياد قد انشغل بدخول الإرهابيين الى المغرب, فإنه لم ينشغل تماما بفرارهم. بعد ذلك لا قضية خلخال ولا مجموعة روبية المتورطة في عمليات فرنسا 1995 لم تكن لها آثار في المغرب واليوم يعيش زياد سريا في بلجيكا.

هناك قضية أخرى تورط فيها بشكل غير مباشر مغاربة: انها قضية اغتيال القائد مسعود في افغانستان. كان الاعتقاد سائدا بأن الصحفيين المزيفين اللذين نفذا عملية الاغتيال. كانا مغربيين بسبب الاسماء التي كانت في وثائقهم المزيفة. لكن سرعان ما علمنا ان الامر يتعلق بتونسيين قضيا في تنظيم الجماعة المقاتلة التونسية ومقرها لندن. الا انه في أحد جوازات السفر البلجيكية المزورة يمكن قراءة ان التوزاني مزداد سنة 1967 بوجدة وفي الثاني قاسم مزداد سنة 1973 بطنجة. لكن زوجة أحد التونسيين مغربية وتدعى مليكة ومزدادة فعلا في طنجة. والاسماء العائلية المثبتة في جوازات السفر المزورة موجودة فعليا في طنحة وتطوان. مما يؤكد بشكل قاطع اما ان صانع الوثائق المزورة ينحدر من شمال المغرب, أو أن شخصا ينحدر من شمال المغرب أعطاه هذه الاسماء.

كل هذا يمكن ان يثير القلق في بلجيكا وفرنسا, لأنه بتاريخ 28 يناير 2002سنكتشف ان سبعة فرنسيين كلهم مزدادون في فرنسا من آباء مهاجرين. كانوا من ضمن 158 معتقلا في غوانتنامو من ضمنهم مراد بنشلالي ابراهيم يديل وآخر من اصول تونسية. وقد أكدت الخارجية الفرنسية أن السلطات الامريكية أكدت وجود اشخاص في غوانتانامو يؤكدون جنسيتهم الفرنسية، لكن اللجنة الدولية للصليب الاحمر أشارت من جهتها الى وجود سجناء "ناطقين بالفرنسية". وعلى الفور خرج برونو ميغري من اليمين المتطرف الفرنسي لاستغلال هذه الظاهرة ,حيث صرح بأن انخراط مسلمين مزدادين في فرنسا الى جانب طالبان, يثبت فشل سياسة اندماج المهاجرين والخطر الذي يمثلونه بالنسبة للامن والهوية الفرنسية« وطالب الحكومة بسحب الجنسية الفرنسية من هؤلاء السجناء او على الاقل عدم السماح لهم بالافلات من العدالة الامريكية. بعد ذلك يوم 30 يناير لم تعترف فرنسا رسميا سوى بوجود اثنين من رعاياها في سجن القاعدة الامريكية.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -