أخر الاخبار

الشاوي زوجة محمد الرايس: الكوميسير الخلطي طلب مني أن أصفح عنه



سليمان الريسوني
 المساء 2013

 
- كيف كان إحساسك عندما اتصلت بمنزلك من المستشفى، حيث كنت تشتغلين، فكان المجيب هو زوجك محمد الرايس المعانق توّا للحرية بعد 20 سنة من الاعتقال في تازمامارت، وسنة إضافية في سجن القنيطرة؟ 
شعرت بفرح مشوب بالدهشة والتوتر ورغبة في البكاء، لكن الدموع تحجرت في مقلتيّ. وعندما كنت أهمُّ بمغادرة المستشفى، فهمت لماذا استدعتني الشرطة واعتقلتني في «كوميسارية» العرفان بالرباط لأزيد من نصف يوم. وقفت في الشارع، ومن لهفتي، كنت كلما لمحت سيارة حسبتها سيارة أجرة (طاكسي)، فأطفق ألوح لسائقها بيدي. كنت كالممسوسة، لا أعرف ما أقدم ولا ما أؤخر. عندما طرقت باب المنزل، كان زوجي هو من فتح لي الباب فارتميت في حضنه وعانقته مثل طفلة ثم أجهشت بالبكاء وأنا أصرخ دون وعي. لقد بلغ بي التأثر حدا امتزجت فيه فرحة اللحظة بحزن سنوات «الحكرة» والجفاء وتوسل المسؤولين وأنصاف المسؤولين.. سنوات «ربَّيت» فيها الأمل كحيوان على حافة الانقراض، كان يضيع مني حينا فأتقفى خطواته في شوارع مظلمة بعين الإصرار العنيد على أن زوجي ما يزال حيا. عانقت زوجي كما تعانق طفلة أباها وأمٌّ ابنها، وأنا أسترجع شريط الذكريات، قبل أن يقطعه رنين الهاتف.. كان المتصل هو الكوميسير الخلطي (محمد الخلطي أشهر عميد شرطة في الاستعلامات خلال سنوات الثمانينيات)، وبمجرد أن رفعت السماعة قال لي بنبرة تهديد: «ها حنا طلقنا ليك راجلك، وخلينا عليك فالتيساع»، فجاء ردي سريعا: «نتوما اللّي خاصكم تخليوني عليكم مع راجلي ووليداتي فالتيقار، ويلا ما هنيتونيش راني ماغاداش نجمع يدي وفمي»، فضحك الخلطي، وطلب مني أن أصفح عنه وأسامحه. ولمزيد من التوضيح، فالخلطي هو الذي كان مكلفا بمراقبتي، وهو من كان يبعث رجال الأمن ليداهموا بيتي بعد منتصف الليل وليحرضوا علي رؤسائي في العمل، وكان يبعث سيارات تربض أمام بيتي وتحصي علي أنفاسي وأنفاس أبنائي وزواري، وأخرى تتعقب خُطايَ وترهبني أنا ومن يرافقني.. كل هذا كان من فعل هذا الكوميسير الذي حينما أحيل على التقاعد أرسل إلي بعض معارفنا يطلب مني أن أسامحه. لقد تسبب الخلطي في كثير من الأذى للعديد من الأبرياء والمقهورين، فهل ينفع اعتذاره بعد كل التنكيل والتعذيب والترهيب الذي مارسه هو وأمثاله على نساء وأطفال ورجال لا حول لهم ولا قوة؟ 
***************
تصريحات عميل المخابرات المغربي محمد الخلطي

كان محمد الخلطي قد عاد لتوه من المستشفى بعد ظهيرة الأربعاء الماضي حين زارته "الأيام" بشقته المتواضعة بحي يعقوب المنصور بالرباط.. تردد كثيرا قبل أن يقبل بالدخول في لعبة السين والجيم بعدما مارسها طوال 40 سنة في إطار عمله بسلك البوليس السياسي الذي حمل أكثر من إسم رسمي مع تعاقب المسؤولين وهيكلاتهم لإدارة الأمن الوطني. إلتحق بهذه الإدارة يوم فاتح شتنبر من سنة 1957 مباشرة بعد حصوله على شهادة الدروس الإعدادية من ثانوية مولاي إدريس بفاس.. اشتغل بداية بالدارالبيضاء قبل أن يعود إلى فاس ثم يستقر بالرباط، حيث عين رئيسا لفرقة محاربة التطرف السياسي والديني بالعاصمة منذ تأسيسها سنة 1975. 
استنطق الماركسيين اللينينيين من مختلف تنظيماتهم، ثم تخصص في الإسلاميين بعد أن طفا على السطح تنظيم الشبيبة الإسلامية وما تفرع عنه من مجموعات.. وبعد حصوله على التقاعد سنة 1997، ثلاث سنوات قبل تاريخه المقرر، ظل ضميره يؤنبه على التجاوزات التي وقع فيها، فاختار بمحض إرادته تقديم اعتذار مكتوب لضحاياه نشره في أسبوعية "لوجورنال"، لكن رد الفعل المتشدد الذي صدر عن المحامي المعروف عبد الرحيم الجامعي، والذي قال إنه لا يمكن التسامح مع الجلادين أدخله في صمت دام لسنوات... بلا مزاولته لعمله.. يفتخر بكون مكتبته مليئة بالكتب المهداة التي أطلع "الأيام" على توقيعات بعض أصحابها سواء من اليساريين أو الإسلاميين.. لسانه حاله كان يتساءل.. ما الذي جناه الخلطي من 40 سنة قضاها بالاستعلامات العامة؟ لم يجن من الناحية المادية سوى أجرة لا تتجاوز سقف 4500 درهم، أما على مستوى صحته النفسية فهو مصاب بالاكتئاب تحت وقع استرجاعه لشريط طويل دام أربعة عقود.. هذا إلى جانب إصابته بالربو الحاد، والروماتيزم، وقرحة المعدة، وفقده البصر بعينه اليمنى.. خلال هذا الاستجواب نتوقف معه عند أبرز المحطات التي عايشها كمسؤول في الاستعلامات العامة كان ينسق مع باقي أجهزة الاستخبارات بخصوص ملف الإسلاميين، لنعود إلى تفاصيلها وأسرار باقي الملفات في حلقات مقبلة سيخص الخلطي قراءنا بها. 

هل توافق الذين يقولون إن محطة اغتيال عمر بنجلون سنة 1975 كانت هي بداية مرحلة المواجهة الأمنية للحركة الإسلاميةبالمغرب؟ 
نعم، هذه هي الحقيقة، فمباشرة بعد حادثة اغتيال عمر بنجلون قرر المسؤولون عن جهاز الأمن الوطني تأسيس فرق مختصة يكون بوسعها مكافحة التطرف، سواء منه التطرف الماركسي اللينيني أوالتطرف اليميني. هكذا تأسست فرقة بالرباط، وكنت مسؤولا عنها، وثانية بالدارالبيضاء، وثالثة بفاس، ورابعة بوجدة، وخامسة بمراكش، وسادسة بخريبكة. وقد تلقينا تدريبات خاصة من أجل مباشرة مهامنا على أحسن وجه. تلقيتم هذه التدريبات بداخل المغرب أو خارجه؟ كانت التدريبات الأولى سنة 1975 بالمغرب، لكن بعد سنتين توجهت بصحبة عميد آخر إلى فرنسا حيث تدربنا على مكافحة تطرف اليسار وليس الإسلاميين. أعود إلى قضية اغتيال عمر بنجلون لأوضح لك أن الذين اعتقلوا في إطارها، تم اعتقالهم أساسا بالدارالبيضاء، أما بالنسبة للرباط فكانت توجد خلايا صغيرة جدا، وكان المسؤول عنها هو بن الأدهم الذي ألقي عليه القبض بداية في الدارالبيضاء قبل أن يطلق سراحه ويلتحق بالرباط من أجل مواصلة دراسته. وصراحة، كنا نجهل آنذاك كل شيء عن حركة الشبيبةالإسلامية، سواء تعلق الأمر بطريقة عملها أو بمناضليها. وكان المسؤولون الأمنيون يعتبرون أن كل ذي صاحب لحية متطرف، فلم يكونوا يفرقون بين المنتمين إلى الشبيبة أو جماعة الدعوة والتبليغ، أو السلفيين... كل ملتح فهو متطرف.. لهذا السبب عمت الفوضى، وبدأنا نشهد استنطاقات في كل جهة..
 أفهم أنك باشرت مهمتك دون أن تتوفر على أي أرشيف يهم هذه الخلايا الإسلامية؟
 لم نكن نتوفر على أي أرشيف، ولم نخضع حتى للتكوين الديني الذي يمكنك من التمييز بين الصوفية والسلفية وحركة الإخوان المسلمين. 
وكيف استطعت أن تفرق بينهم؟
 استطعت فعل ذلك بحكم اجتهادي الخاص، خاصة وأن تكويني الديني منذ الصغر ساعدني على ذلك. فقد درست منذ السنة الخامسة في الكتاب، وتربيت في أحضان الزاوية التيجانية حيث كان والدي مقدما، والذي درس سنتين في القرويين قبل أن يعينه المغفور له محمد الخامس طيب الله مثواه قائدا بالقصر الملكي بفاس خلفا لجدي إثر وفاته.. هكذا حفظت بعض السور من القرآن الكريم، والألفية، والأجرومية، والأذكار على الطريقة التيجانية، وتابعت دراستي بثانوية مولاي ادريس بفاس. وبعد تعييني رئيسا لمصلحة محاربة التطرف السياسي والديني عزمت على التفقه ولو قليلا في الدين، فقرأت بعض كتب تفسير القرآن، وجواهر البخاري في شرح القسطلاني، و"في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق" للسيد قطب، وكتاب الشيخ حسن البنا و"الإخوان المسلمون" للدكتور رؤوف شلبي، ودرست كذلك كتبا في الصوفية، والسلفية، والبهائية، والقاديانية، واهتممت كذلك بدراسة المسيحية، ولاسيما النحل المتطرفة ك"شهداء يسوع" لأن المغرب كان يعرف منذ السبعينات حملة تنصيرية في صفوف الشباب الذي كان يفكر في الهجرة إلى أوربا عن طريق التنصير، وفي هذا الصدد أشير إلى أنني أثناء مزاولة عملي لمحاربة التطرف نجحت في إقناع بعض المغاربة الذين اعتنقوا الوهابية أو النصرانية بالرجوع إلى دينهم الإسلامي الحنيف، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة بدل تقديمهم إلى المحاكمة كما وقع بالدارالبيضاء والمحمدية في التسعينيات، الأمر الذي جعل منظمات حقوقية أوروبية وأمريكية تشن حملة دعائية ضد المغرب من خلال اتهامه بخرق حرية التدين. 
ومتى بدأت مباشرة اعتقال هؤلاء النشطاء الإسلاميين بمدينة الرباط؟
 أولى الإعتقالات كانت سنة 1977. أتذكر أنه بعد صلاة الفجر اتصل بي هاتفيا ضابط المداومة السيد بنعلي، وقال لي إن جماعة من الشباب قد صلوا بمجسد حكم بحي المحيط ووزعوا مناشير تحمل إسم الشبيبة الإسلامية، وكانت هذه أول مرة نعثر فيها على توقيع الشبيبة الإسلامية، وحين طلبت منه أسماء هؤلاء الشباب، ذكرها لي، وقال لي إن واحدا منهم إسمه بن الأدهم كانت معه حقيبة ولا علاقة له بهم، فهو كان يستعد للسفر.. فنبهته أن هذا الشاب هو مسؤول الشبيبة الإسلامية بالرباط... وبعد ذلك تولت فرقة الشرطة القضائية التحقيق معهم، وكان آنذاك تنافس كبير بين الأقسام، فاتفق الشباب العشرة الذين اعتقلوا على توجيه التهمة إلى شاب إسمه بخات، والذي لم تكن تربطه أي علاقة بالشبيبة الإسلامية.
 ولأي جماعة كان ينتمي بخات؟ 
كانت له جمعية ثقافية لا علاقة لها بتنظيم مطيع، وإنما تضم مغاربة وسوريين من جماعة الإخوان المسلمين الذين جاؤوا للاستقرار بالمغرب. 
وتم اعتقاله رغم كونه لا ينتمي إلى الشبيبة الإسلامية؟
 نعم، اعتقلته الشرطة القضائية، والمشكل أنه بعد خضوعه للتعذيب بدأ يقول إن مجموعة خططت لاغتيال مسؤولين سياسيين وحكوميين، وذكر منهم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ومدير الأمن الوطني ربيع.. ووقعت اعتقالات على صعيد المغرب كله، وكان من ضمنهم الدكتور أحمد الريسوني الذي استجوبته في هذا العدد من جريدتكم، والأستاذ گديرة رئيس المجلس العلمي للرباط حاليا، والذي كان مفتش تعليم وقتها.. 
وكيف عرفت أن بن الأدهم لم يكن عضوا بالشبيبة الإسلامية ولا علاقة له بالمناشير التي وزعت؟
 لقد اطلعت على التقرير الذي أنجزته فرقة الشرطة القضائية وأرسلته إلى المدير الذي أمر بالاعتقالات، ورأيت أنه تم الوقوع في خطأ، حيث لم يتم تفتيش منازل هؤلاء الشباب حتى نعرف أين طبعت المناشير. كنت أعلم أن ابن الأدهم هو المسؤول، فنسقت مع الشرطة القضائية وتوجهنا إلى منزله بحي التقدم، فوجدنا فعلا المنشورات وآلة الطباعة. والغريب أن هؤلاء الشباب الذين كانوا ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية انحرفوا بعد إطلاق سراحهم بسبب الكذب الذي رأوه في مسؤولهم الذي كان يعلمهم وجوب المحافظة على الأخلاق وما يأمر به الدين الإسلامي.. والذي تسبب في تعذيب بخات.. وبعد هذه القضية.. هل تمت اعتقالات أخرى في صفوف الشبيبة الإسلامية بالرباط؟ القضية الثانية ارتبطت بعبد الإله بنكيران، الذي كنا نشك في أنه من تحمل المسؤولية بالرباط بعد بن الأدهم، وقد كان على اتصال دائم بمطيع، لدرجة أنه سافر إلى فرنسا من أجل اللقاء به. وقد اعترف لي بهذا فيما بعد، وقال لي إنه كان قد ضرب موعدا مع مطيع للقاء به بأحد الفنادق لكنه لم يأت، وغير مكان اللقاء، وحين سأله لماذا هذه المراوغة؟ أجابه أنه لا ينبغي له أن يضع ثقة حتى في زوجته.. المهم، بعد سنة 1977 لم نستطع أن نجد أي دليل ضد بنكيران، وكان أول عمل مكشوف قام به، هو توزيع مناشير أمام باب فندق هيلتون على هامش انعقاد مؤتمر للمحامين الشباب، وذلك للتنديد بمحاكمة عناصر الشبيبة الإسلامية ونفي مطيع خارج المغرب. لكن قرار متابعته جاء بعد محاكمة اغتيال عمر بن جلون سنة 1980، حين حكم على مطيع بالإعدام غيابيا، فاتصل ببنكيران عبر الهاتف، وطلب منه أن يجمع الاخوة بالمسجد المحمدي بالدارالبيضاء وأن يخرج بهم في مظاهرة.. آنذاك اعتقل العشرات من هؤلاء الشباب، لكن رجال الشرطة كانوا يجهلون طبيعة التنظيم الذي ينتمون إليه، فاتصلوا بي عبر الهاتف وأخبروني بما وقع فطلبت منهم أسماء بعض الشباب، فأعطوني إسم الأمين بوخبزة، يتيم، حزيم فقلت لهم هذه الشبيبة الإسلامية.. ويجب أن تعتقلوا مسؤولهم بالرباط عبد الإله بنكيران لكنه هرب. وهنا قمنا بحراسة منزله بحي العكاري، لكننا لم نجده طوال 3 أيام. وصدفة توجهت إلى عين المكان لمراقبة الطريقة التي تتم بها الحراسة، فوجدته مارا بسيارته بصحبة والدته من أمام المنزل، فاعتقلناه وبدأت أمه تصيح، وطمأنتها أنها لن تتعرض لسوء.. وأشرفت على استنطاقه بنفسك؟
 نعم استنطقته وحققت معه بنفسي، وكنت طوال 25 سنة أمضيتها في الإستعلامات العامة آنذاك أعرف أن المتهم لابد وأن يتكلم أثناء استنطاقه، وكان المسؤولون قد علمونا أن الإمام مالك قد أجاز ضرب المتهم حتى يعترف بجريمته، وأجاز قتل ثلثي الشعب من أجل إصلاح الثلث... هكذا كنا نعتقد في صحة هذا القول ونعمل بمقتضياته. وحين بدأت التحقيق مع بنكيران اعترف لي بمسؤوليته عن المظاهرة، وقال لي إن مطيع اتصل به وطلب منه تنظيم المظاهرة، لكنه أوضح لي أنه طلب من إخوانه الاجتماع في المسجد المحمدي للأحباس دون أن يكشف لهم عن نيته في الخروج بهم في مظاهرة، وبعد اجتماعهم أخذ مكبر الصوت وأمرهم بالتظاهر... للتنديد بالأحكام الصادرة ضد مطيع.. حذرته أن الشرطة القضائية "غادي تتكرفس عليه"، فأجابني أنه لن يعطي أسماء الذين حضروا المظاهرة، وقال إنه إذا صبره الله فالأمر كذلك وإذا لم يصبره فليس له ما يقوم به.. وهكذا كان، فالشرطة القضائية بكل صراحة "تكرفسات عليه" إلى أن أعطى بعض الأسماء. وهل لمست أن انفصال بنكيران عن مطيع جاء بعد هذا الإعتقال؟ لا، الإنفصال سيأتي فيما بعد حين أصدر مطيع من ليبيا مجلة إسمها "المجاهد"، وحتى يراوغ الأمن كان يقول إنها تصدر من بلجيكا. وفي أواخر سنة 1980 أو بداية 1981 زارني بنكيران بمكتبي، وقال لي إن مطيع أصيب بخلل عقلي، وإنه أصدر مجلة تحتوي على موقف لا وطني من قضية الصحراء، حيث رأى مطيع أن الصحراويين الذين نقاتلهم هم مسلمون وأثر صلاتهم موجودة في الرمال خلافا لما قاله صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني آنذاك من أن غالبية من نقاتل أتوا من كوباوأنهم "غير مختونين"، أما مطيع فقال هذا خطأ، وأن البوليساريو مسلمون ولا يمكن أن نحارب إخواننا المسلمين. هذا إلى جانب إصداره البيانات ضد عدد من الحركات الإسلامية في العالم العربي، ووعدني بنكيران بأن يرسل لي أعداداً من هذه المجلة، وأخبرني أن الشبيبة الإسلامية في الرباط قررت فصل مطيع الذي اتخذ هذا الموقف اللاوطني بشكل فردي. 
وماذا كان رد فعلك حين قال لك بنكيران هذا الكلام؟ 
قدمت له نصيحة، وقلت له إذا أردت أن تكون واضحا أصدر بيانا من خلال الجرائد تحدد فيه موقفكم، وشجعته على ذلك فاستجاب لنصيحتي، وبالفعل اجتمعوا على صعيد الرباط وأصدروا بيانا ينددون من خلاله بموقف مطيع اللاوطني ويعلنون انسحابهم من الشبيبة الإسلامية، وحتى ينتقم منهم مطيع أصدر عددا من البيانات باسم المعتقلين في السجون يقولون إن بنكيران ومجموعته خونة يتعاملون مع الأمن، وبدأوا يروجون لدعاية مفادها أن بنكيران خائن يتعامل مع الخلطي ومع الدكتور الخطيب، وأصبحوا يقولون إن هذه خطة مدروسة تستهدف الشبيبة الإسلامية، الخلطي يسيرها أمنيا والخطيب يسيرها سياسيا. وكان هذا البيان الذي نشر في بعض الجرائد قد شفع للسيد بنكيران عندما اعتقل في أواخر سنة 1983 من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعد اتهامه بتحريض تلاميذ ثانوية بمكناس على التظاهر في الشارع العمومي، ورفع شعارات ولافتات تمس بمقدسات البلاد، حيث كان هؤلاء التلاميذ قد اعترفوا أثناء استنطاقهم بدرب مولاي الشريف أنهم ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية وزعموا أن المسؤول عن خليتهم ومحرضهم هو بنكيران. وقد نصحت بنكيران قبل أن يتوجه إلى درب مولاي 
الشريف أن يأخذ معه نسخة من البيان المذكور ونسخة من ملف طلب تأسيس جمعيته، وهكذا أطلق سراحه، وقدمت مجموعة التلاميذ إلى العدالة. 
وهل أنت من اقترح عليهم تأسيس الجمعية؟
14805442_1579769298997996_103860757_n-474x340

 لا، حين قدم بنكيران ومن معه استقالتهم من الشبيبة الإسلامية، قرروا الخروج من السرية والعمل في المشروعية، فجاء المرة الأولى بنكيران لوحده ثم أتى بصحبة عبد الله بها للتشاور معي إن كان بإمكانهم تأسيس جمعية. فأجبتهم أنه يمكنهم ذلك، وقلت لهم أن يعدوا قانونها الأساسي ويركزوا على 3 محاور : موقفهم من الملكية، وموقفهم من وحدة المذهب المالكي، وموقفهم من الصحراء المغربية، ثم يفصحوا عن لائحة المكتب المؤسس. 
كان هذا اجتهادك الشخصي؟ أم أنك نسقت مع المسؤولين لتقترح عليهم هذا الأمر؟ 
لا، كانت هذه مبادرة شخصية. وقد رأيت وتأكد لي أن بنكيران يرغب في العمل في إطار المشروعية... قال لي إنهم خدعوا، وإن مطيع أوهمهم أن الحسن الثاني هو الظالم و... لكنهم حين اجتمعوا رأوا أن الحسن الثاني كيفما كان فهم يعرفون نسبه بخلاف رؤساء بعض الدول العربية... 
وماذا كان جوابهم حين اقترحت عليهم هذا الأمر

جتمعوا على صعيد الرباط واتفقوا على توضيح النقاط الثلاث في القانون الأساسي للجمعية، لكنهم رفضوا تقديم لائحة اعتماد المؤسسين، وقالوا إن الخلطي يريد أن يضعنا في الفخ ويعرف منا الأسماء من أجل اعتقالنا. ولما أخبرني بنكيران بهذا الموقف اقترحت عليه أن يقدم الأسماء المعروفة لدى الأمن الوطني، أولئك الذين سبق اعتقالهم وأطلق سراحهم، وبنكيران مثلا كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر موقوفة التنفيذ في قضية مظاهرة الدارالبيضاء.. وفي نهاية المطاف أسسوا جمعيتهم في نهاية سنة 1983 وقدموا ملف جميعة "الجماعة الإسلامية" إلى السلطات، لكنهم لم يحصلوا على الوصل. وبعد أن استشارني هل يجتمعون أم لا بعد التأسيس، سألته إن كانوا سيصدرون جريدة، فقال لي إنهم سيصدرون جريدة إسمها "الإصلاح"، فاقترحت عليه أن يجتمعوا تحت غطاء الجريدة وينظموا ندوات بإسمها. بجانب الجماعة الإسلامية كانت هناك أيضا جمعية أسسها عبد السلام ياسين، تختار العمل في ظل المشروعية.
 ألم يكن ملفها من ضمن الملفات التي تابعتها؟ 
Serfaty_407923941

التعليمات التي كانت بحوزتنا، هي أن كل متطرف يجب أن يكون تحت المراقبة، لاسيما الذي خرج من السجن، ولم تلغ هذه المسألة إلا قبيل وفاة الحسن الثاني-رحمه الله... وكنا آنذاك نلزم جميع الماركسيين اللينينيين أن يشعرونا بسفرهم إذا كانوا ينتقلون من مدينة إلى أخرى. أما بنكيران، فكان لي اليقين أنه يريد العمل في المشروعية، فلم أكن أراقبه كثيرا، وكنت أترك له حريته، أما في سلا فرئيس الاستعلامات بها-رحمه الله، كان يشدد مراقبته على عبد السلام ياسين، والتقارير التي تخصه كانت تضم زيادات كثيرة، وتستعمل خلالها مصطلحات تضخم من أمره وأمر جماعته.. وحتى يتعرف الأمن على الذين كانوا يزورونه ببيته من مختلف أنحاء المغرب كانوا يطلبون منهم بطاقتهم الوطنية أمام باب منزله.. ولما ضاق الحال بعبد السلام ياسين أمر أتباعه بالامتناع عن تقديم بطاقاتهم.. لكن عبد السلام ياسين كما عرفته، فهو رجل متفتح ويريد العمل في إطار المشروعية.. سبق لك أن حققت معه؟ لم أحقق معه، لكن زرته ببيته بصحبة مسؤول بوازرة الداخلية ووالي الأمن بسلا، فرحب بنا، وقال لي سيد الخلطي أنت كما حكوا لي عنك رجل متفتح ولك إلمام بالشريعة الإسلامية، لهذا فأنا أقبل بالحوار معكم، ويمكنكم أن تطرحوا ما تريدون. فقلنا له نريدك أن تعمل في إطار المشروعية. أجابنا قائلا : كيف يعقل أني مسلم، أريد العمل في إطار المشروعية ويمنعون جمعيتي، في حين أن علي يعته شيوعي يرخص له بالعمل؟. وشرحت له ما شرحته لبنكيران، فعلي يعته رحمه الله، كان ممنوعا من حزبه الأول، ولما أراد تأسيس حزب ثان عقد ندوة صحفية بفندق حسان، أبرز خلالها المحاور الثلاثة (موقفه من الملكية الدستورية، ومن الإسلام، ومن الصحراء)، كذلك الأمر بالنسبة للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية كان موقفهم من الملكية غير واضح، لكن في مؤتمر 1975 وأوضحوا موقفهم من الملكية ومن الصحراء. وطلبت من عبد السلام ياسين أن يوضح موقفه، وقلت له أنت ضد وحدة المذهب المالكي وتطالب بالخلافة، ولم يسبق لك أن تكلمت عن الصحرآء، فصمت قليلا وطلب أن نعطيه مهلة 3 أشهر ليفكر ويرد علينا، ففهمت أن لديه خلافات.. 
(أقاطعه) خلافات مع من؟ 
خلافات في القيادة، وقد تأكد هذا بعد انسحاب البشيري فيما بعد، وعبد السلام ياسين كان يحتاج إلى الوقت من أجل إقناع من يوجد معه في القيادة، وبنكيران كذلك حتى يقنع من معه احتاج إلى 6 أشهر عقدوا خلالها عددا من الإجتماعات. وفي الحقيقة فإن سبب نهج بنكيران لتوجهه وعبد السلام ياسين لتوجه آخر، هو مسألة حظ. فعبد السلام ياسين كان متواجدا بسلا حيث كان مسؤول الاستعلامات العامة متشددا معه. فهو كان يرغب في العمل في إطار المشروعية لكنه لم يجد من يساعده، ولم يكونوا يثقون فيه. أما بالنسبة لعلاقتي ببنكيران فقد انبنت على الثقة، وتبددت الشكوك مع مرور الوقت. 
ومعتقلو الشبيبة الإسلامية كانوا يقولون إن بنكيران هو من كان يحدد لكم الأسماء التي يجب اعتقالها وتلك التي يطلق سراحها؟ 
لا، هذا أمر آخر سنصل إليه عند حديثنا عن جماعة التبين. وأعود لعبد السلام ياسين لأقول لك إن الحصار الذي ضرب عليه كان خطأ ارتكبته الاستعلامات العامة التي تجاوزت حدودها، وأوردت في تقرير لها أنه كان يتصل بالحركة الإسلامية في تونس، وأن عناصرها كانوا يزورونه، وأنه سيتم توحيد الحركة الإسلامية المغاربية، وسيكون هو المسؤول عنها.. وجاء خبر مفاده أنهم سيعقدون مؤتمرا بالخارج لاتخاذ هذا القرار، فتقرر لأول مرة منعه من السفر إلى الخارج، ومنع أعضاء جماعته من زيارته واستدعيناهم على صعيد المغرب ووقعوا محضرا يلتزمون من خلاله بعدم الذهاب إلى بيت ياسين. وفي الحقيقة لم يكن حصارا، وإنما سموه كذلك، فهو كان فقط ممنوعا من السفر إلى الخارج، أما مغادرته لبيته فكان أمرا واقعا، فقد كان يذهب لأخذ أجرته كمتقاعد، وكان يتوجه دائما إلى طبيب الأسنان بشكل منتظم أسبوعيا، لكن الأمن كان يتبعه، وهو كان يأمر السائق بتخفيض السرعة حتى تتمكن سيارة الشرطة من تعقبه.. ليظل محميا. 
لماذا؟ 
لأنه إذا فعل أتباعه شيئا لا يتهم بأنه من أعطاهم التعليمات. وحقيقة سبق لأعضاء من العدل والإحسان يقيمون بفرنسا أن أتوا إلى المغرب واعتقلناهم بعدما وصلتنا تقارير تفيد أنهم متطرفون يدعون إلى العنف، وأثناء التحقيق معهم قالوا لنا إنهم ينتمون إلى جماعة عبد السلام ياسين، ولما حملنا صورة مسؤولهم إلى عبد السلام ياسين قال لنا بالفعل هذا الشخص ينتمي إلى الجماعة، لكن إذا فعل شيئا خارج القانون فسيتحمل وحده مسؤولية ذلك. بمعنى أن عبد السلام ياسين كان يعرف ماذا يفعل.. فقط السلطات لم تحسن التعامل معه، أما هو فكان سيدخل إلى البرلمان، لأنه في أواسط الثمانينات كان يحتج على وجود الشيوعيين في البرلمان، ويقول لماذا لا يعطونا بدورنا هذا الحق. وأتذكر أنه قبل اعتقال مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان سنة 1991، ذهبت مع نفس المسؤولين بالداخلية وأمن سلا إلى عبد السلام ياسين، وطلبنا منه أن يكتب رسالة إلى الملك يوضح من خلالها مواقفه، لكنه رفض، وقال لنا إنني لست فقيها حتى يعطيني رخصة لأصلي الجمعة بالناس، وإنما أنا رجل سياسي. يعني كانت هذه فرصة ضاعت. ما الذي اقترحتموه على عبدالسلام ياسين ليضمنه في الرسالة؟ قلنا له إنه لابد أن يوضح موقفه من الملكية، ويقر بأن جلالة الملك هو أمير المؤمنين، وأظن أنه لم يكن متصلبا مثل البشيري، لكن الأمور تغيرت الآن. وما هي قصتك مع بنكيران ومجموعة التبين؟ جماعة التبين كان قد أسسها عبد الرزاق المروري -رحمه الله- وكان يزورني هنا في بيتي من أجل الحصول على جواز سفره. وكان قد بلغني خبراً مفاده أن هناك مجموعة من الشباب بمسجد العكاري لهم اتصالات بإيران، وفي الحقيقة كانت سفارة إيران آنذاك تتصل ببعض الشباب وتعطيهم منشورات لتوزيعها.. ففي وقت الخميني كانت هناك محاولة لتصدير الثورة. ولما اعتقلنا ثلاثة منهم، اعترف لنا أحدهم أنهم ينتمون إلى التبين، ولما سألته عمن يكون المسؤول عنهم أجاب أنه لا يعرف. ففكرت في عبد الإله بنكيران، وقلت مع نفسي هو من سيكون له دراية بهذا الأمر، وبالفعل اتصلت به، وقلت له إننا توصلنا بخبر لا أدري إن كان وشاية أو كذبا مفاده أن هذه المجموعة لها اتصال بإيران، ونحن لا نريد القيام بضجة، ونذهب إلى المنازل ونعتقل الشباب أمام آبائهم، فمن الأحسن أن تخبر مسؤولي هذه الجماعة وتقول لهم إنه من الأفضل أن يأتوا عندي، وأنا سأحقق معهم، وإذا ثبت أنهم أبرياء فإنني أضمن لك أنهم سيذهبون لحالهم دون أن يتعرضوا للأذى فاتصل بالمجموعة، وجاؤوا جميعهم عندي، وكان عددهم 15 فردا، منهم المروري وطبيبان، ومهندسان... فقلت لوالي الأمن أنه لا ينبغي أن تعتقلهم، فوضعت رهن إشارتهم شقة وكان الصيف آنذاك، فتركت لهم الشرفة مفتوحة، وفتحت المجال لعائلاتهم من أجل الاتصال بهم. وأتذكر أن المروري كان يعد أطروحته وطلب مني الحصول على المراجع، فقلت له هاتف زوجتك وقل لها أن تحضر لك المراجع.. وهم أنفسهم قالوا إننا لم نكن في الإعتقال، وإنما في نزهة أو مخيم.. وهذا سجلته في شريط يمكنك أن تسمعهم يقولونه بصوتهم... وكم دامت هذه النزهة من النوع الخاص؟ دامت شهرين، لأنه وقعت اعتقالات على صعيد المغرب، وجميع الذين ألقي عليهم القبض بتطوان وطنجة وبني ملال والدارالبيضاء ذهبوا بهم جميعا إلى درب مولاي الشريف وإلى عناصر الرباط.. وكنت قد اتصلت بالمسؤول عن درب مولاي الشريف آنذاك -رحمه الله- وقلت له إني متأكد أن هذه المجموعة لا علاقة لها بإيران، وأنها بريئة مما يُروج عنها، لهذا فلن أرسلهم إليك، وسأحتفظ بهم في الرباط، لكن في الحقيقة تسببوا لي في مشكل كبير. ما هو هذا المشكل؟ اتصل بي المسؤول عن درب مولاي الشريف، وقال لي إنهم عثروا على وثيقة ببني ملال صادرة عن مجلس الشورى لجماعتهم بها سب وقذف لمؤسسات البلاد، لدرجة أنهم كفروا الملك.. فطلبت منه أن يرسل لي نسخة، فناديت على المروري وواجهته بها، واستنكرت أن يخفي عني الحقيقة، ويقول إنه أعطاني جميع الوثائق ولم يخف عني شيئا. فأوضح لي أن تلك الوثيقة كانت موجودة فعلا وتداولوا حولها، لكنهم لم يعتمودها فتم إحراقها، وربما هناك من احتفظ بها. ورغم كل شيء فقد أخذوا في درب مولاي الشريف بالتقرير الذي أنجزته وأطلق سراح منبالرباط أما الآخرون فقد قدموا إلى المحاكمة. هذا هو الدور الذي لعبه بنكيران، لقد ساهم في حماية هؤلاء الشباب من "تكرفيس" الشرطة، والغريب في الأمر أن علاقتي الجيدة به جعلتنا معا ندفع الثمن. 
بالنسبة لبنكيران دفع الثمن من خلال اتهامه بالعمالة والخيانة، لكن كيف دفعت أنت الثمن؟
 المسؤولون بإدارة الأمن الوطني كانوا يعتبرون أني أعطف على الجماعة الإسلامية وأغطي عليهم، وكان هذا هو سبب عدم ترقيتي، أما بالنسبة لأعضاء الجماعات الإسلامية فكانوا يعتبرون بنكيران عميلا. أما الحقيقة فهي أنه كانت تجمعني به فقط صداقة تحددها الحاجة إلى المشورة.. إذا كان لديه مشكل يأتي ليستشيرني، وأنا إذا أردت فهم مسألة دينية أو فتوى أستشير معه، مثل هذه الفتوى التي نسبت إلى الإمام مالك وقالوا لنا إنه أجاز ضرب المتهم حتى يعترف بجريمته وقتل ثلثي المجتمع لإصلاح الثلث.. بنكيران أوضح لي أن هذا كذب، ولم يقل الإمام مالك مثل هذا الكلام.. 
وكيف استنطقت الريسوني؟
 استنطقته في إطار القضية الأولى، حين كان ابن الأدهم قد ورط صاحب الجمعية الثقافية التي كانت تضم مغاربة وسوريين كما قلت لك. وكان الريسوني أحدهم. وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي استنطقته خلالها؟ لا، حين أسس رابطة المستقبل الإسلامياستدعيته، وحققت معه، فأخبرني أنهم مجموعة أشخاص من مدن متفرقة كفاس والقصر الكبير والرباط، وقال إن غايتهم هي الدعوة إلى الله. وماذا عن باقي خلايا الشبيبة الإسلامية التي ظلت مرتبطة بتنظيم مطيع السري..
 هل كنت قد باشرت تحقيقات مع عناصرها؟ 
لا، هذه الخلايا لم تكن موجودة عندنا، كانت بالدارالبيضاء والمحمدية. أما بالرباط فالجميع تبع بنكيران باستثناء عبد الرزاق
المروري ومجموعته. لنعد إلى عبد السلام ياسين، فقبل سنة 1975 كان قد وجه رسالة إلى الملك الحسن الثاني "الإسلام أو الطوفان"، بمعنى أنه كان معروفا لدى السلطات.. 

فهل كان لديكم ملف حوله قبل أن ينطلق عمل فرقتك؟ 
نعم، بطبيعة الحال كان لدينا ملف حوله.. وكنا نعرف حياته كلها.. دراسته، وكيف كان وضعه بالبودشيشية، وقد بدأ عمله بمجموعة صغيرة.. وماذا كانت قناعتكم في الجهاز الأمني بخصوص مغادرته للطريقة البودشيشية؟ التقارير تفيد أنه بعد وفاة الشيخ العباس كان عبد السلام ياسين ينتظر أن يصبح خليفته، لكن حين أوكل الأمر إلى ابنه حمزة غادر عبد السلام ياسين الطريقة، أما اتهامه بالجنون ووضعه في مستشفى للأمراض العقلية فلم يكن مبنيا على معلومات صحيحة، فلا أظن أن الرجل قد كان حقا مريضا، مرضا عقليا. 
ومن خلال تقاريركم الصحيحة دائما.. متى تقوت شعبية عبد السلام ياسين وجماعته؟
 تقوت مباشرة بعد اعتقاله في إطار ملف جريدة "الصبح" التي كان قد أصدرها. أما مجلة الجماعة التي كان يصدرها بداية فقد لعبت دورا مهما في استقطاب الشباب الأوائل الذين التفوا حوله حيث وجدوا ضالتهم في الأفكار التي طرحها عبد السلام ياسين في وقت لم تكن هناك حرية للتعبير عن الفكر الديني. 
ألم يكشف لك بنكيران عن سبب عدم التحاق مجموعته بعبد السلام ياسين، خاصة وأن هذا الأخير كان يسعى إلى توحيد صفوف الشبيبة الإسلامية بعد انفجارها تنظيميا؟
 بنكيران يقول إنه كان لديهم خلاف مع عبد السلام ياسين بخصوص الصوفية.. ورأى أن الشبيبة الإسلامية تتكون أساساً من الشباب، في حين أن عبد السلامياسين لم يكن شابا (يضحك). 
وبعد اعتقال عبد السلام ياسين في قضية "الصبح"، من كان يقود جماعته؟
 هنا بالرباط كان يقودها فتح الله أرسلان، وكانت ابنته صحبة زوجها ينسقان بينه وبين عبد السلام ياسين، وأتذكر أنهم في أحد أيام الآحاد جمعوا أتباعهم وأرادوا التظاهر أمام سجن سلا ففرقناهم. وكانت ندية ياسين مكلفة بالإعلام الأجنبي... 
وسبق لك أن استنطقت ندية ياسين؟ 
ليس استنطاقا، فقد كنت أطلب منها أن تؤكد لي الأخبار التي تصلنا. وقد كنت في إطار عملي أشتغل مثلي مثل الصحفي.. أتأكد من الخبر بالرجوع إلى مصدره. وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه رجال الاستعلامات بسلا.. كانوا يكتبون في تقاريرهم أي خبر توصلوا به حول عبدالسلام ياسين، أما أنا فلا أكتبه حتى أتأكد منه.. لقد كنت ألجأ إلى ندية ياسين التي تأتيني بصحبة زوجها عبد الله الشيباني أو إلى فتح الله أرسلان، وكانوا يقولون لي نحن لانخبئ أي شيء، نحن نعمل بوضوح، إننا ضد السرية وضد العنف. نعم، لم يكونوا يعطوني معلومات عن أمورهم التنظمية الداخلية لكن يشرحون لي مواقفهم واتصالاتهم الخارجية. وأتذكر أنني كلما كنت أسافر خلال عطلتي وأعود إلى عملي أجد أرسلان دائما في السجن.. لأن بعض المسؤولين كانوا لا يفهمون شخصيته.. ففي الحقيقة لا أرسلان ولا بنكيران والشيباني كانوا أحيانا يرفعون صوتهم أثناء الحوار معي بمكتبي، لكن في إطار الاحترام المتبادل، ولم نكن نصل إلى السب أو القذف.. نريد أن نعرف ما هي حدود الدور الأمني في توجيه مسار الإسلاميين السياسي الذي وصلوا إليه الآن؟ سأتكلم بداية عن قضية الحزب، فبنكيران حين وجد حريته في تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية التي أصبحت حركة الإصلاح والتجديد فيما بعد أراد تأسيس حزب سياسي، وكانت مجموعته أقوى من العدل والإحسان هنا بالرباط، لكن بالدارالبيضاء كان العكس. ولما لم يتمكن بنكيران من الحصول على حزب سياسي خاص به، فكر في العمل مع حزب الاستقلال، لكن لم يحصل أي اتفاق بينهما، فلجأ إلى الدكتور الخطيب الذي كانت تجمعه علاقات قديمة بالإسلاميين. وبعد أن توصلت بالخبر أردت أن أتأكد من صحته فذهبت إلى الدكتور الخطيب وسألته إن كان سيتبنى حقيقة بنكيران ومجموعته في حزبه، فأجابني أنه اشترط عليهم العمل في إطار المشروعية وأن ينبذوا العنف ويحددوا موقفهم الواضح من الملكية وإمارة المؤمنين.. أما الحديث عن دور الداخلية في هذا الالتحاق، فهو أمر غير صحيح، فالذي قامت به الداخلية هو فقط إعطاؤهم الرخصة. والخطيب كان على اتصال قديم بالحركة الإسلامية، وحتى مجموعة التبين التي تحدثنا عنها، كان الخطيب يرسل بعض الشباب إلى إيران في إطار المشاركة في مباريات تجويد القرآن الكريم.. أما الداخلية فالأجهزة الأمنية لم تلعب أي دور في هذا الاندماج. 
كنت مسؤولا بالاستعلامات العامة، فكيف كانت علاقتك بالأجهزة الإستخباراتية الأخرى، خصوصا بالنسبة لهذا الملف؟ 
كان هناك صراع حاد بين هذه الأجهزة.. الاستعلامات العامة، الشؤون العامة (القسم التابع لوزارة الداخلية والمتفرع بالعمالات) الديستي،لا دجيد.. كنا ممنوعين منعا كليا من تبادل المعلومات، لكني خرجت عن هذا الإطار، وقلت مع نفسي إننا جميعا نعمل من أجل الوطن وضمان الاستقرار.. ورأيت أني مهما توفرت على المعطيات، فلابد أن تكون ناقصة، وتتمتها سأجدها عند الديتسي أولا دجيد. وقد كنت أتعامل مع الديستي، وحين وصل الخبر للمسؤولين سموني بالخائن، وكأني أتعامل مع الموساد أو السييا.. ومرة استدعى علابوش (مدير الديستي آنذاك) وبنهاشم (مدير الأمن الوطني آنذاك) بنكيران، وطلبا منه أن يوقف اتصاله بالخلطي، وأن يطرق بابهما إن احتاج أمرا. فأتى عندي بنكيران وأخبرني بما حدث، وقال لي إنه قد وقع لهما محضرا فقلت له استفت قلبك، إذا وجدت أنهما أرادا لك الخير فتعامل معهما، لكن إذا وجدت العكس فاستفت قلبك. أجابني قائلا : إذا أرادوا أن يعتقلوني فليفعلوا.. فذهب إليهم، وتكرفسوا عليه (الديستي)، وأخبرني أنهم كانوا يزورونه ببيته، ويدوسون زربية غرفته بأحذيتهم، ويدخنون بمكتبه.. فذهبت إلى علابوش وقلت له إنه على رجاله أن يتعاملوا بأخلاق.. 
أفهم أن علاقتك بعلابوش كانت جيدة؟ 
نعم، كان علابوش كلما احتاج معلومة متعلقة بالإسلاميين يتصل بي في بيتي، ونفس الشيء كان يفعل مساعده الحمزازي.. 
وبالنسبة لعلاقتك بلادجيد؟
 كنت أتعاون مع أحد مسؤوليها الذي تقاعد عن العمل الآن. وقد سافرت مرة إلى فرنسا وتوسطت في عودة 3 من عناصر الشبيبة الإسلامية حيث حررت لهم رسالة طلب العفو، فأرسلوها إلى اگديرة (مستشار الملك) ووزارة الداخلية، والإدارة العامة للأمن الوطني، وبعد أن قامت لادجيد بتحقيقها تمكنوا من العودة إلى وطنهم. 
ما هي أسماء هؤلاء الثلاثة؟
 لا داعي لذكر أسمائهم. وكنت أعرف دائما أن اليد الواحدة لا تصفق. كنت أتعاون مع جميع الأجهزة بما في ذلك قسم الشؤون العامة، فمثلا مريزق (المكلف بالشؤون الدينية بقسم الشؤون العامة بولاية الرباط) أنا من عرفته على بنكيران وإخوان آخرين.. وبنكيران كان يقول لي يجب أن تعرف بنا لدى المسؤولين، فعليهم أن يعرفوا من نحن... وكان يأتي لي بجرائده ويطلب مني أن أعطيها للمسؤولين حتى يطلعوا علىمواقفهم.. وقد ساهمت في هذا الأمر إلى أن أصبحت مواقفهم معروفة، وها أنت ترى وضعهم الآن. وبعد دخولهم إلى البرلمان زرتهم بمكتب جريدتهم والتقيت ببنكيران والرميد، وحذرتهما من الغرور ومن الدخول في الصراع مع الاتحاد الاشتراكي.. 
كيف حذرتهم من الاتحاد الاشتراكي؟
 قلت لهم إياكم ثم إياكم من الدخول في الصراع مع الاتحاد الاشتراكي، فقد يستفزونكم ويتحينوا لكم الفرصة للإجهاز عليكم.. فأجابني بنكيران قائلا نحن لن نخاف منهم، فمادام الحسن الثاني موجودا فنحن في حمايته، وأخبرني بسر لا أدري من أخبره به. 
ماذا قال لك؟
 أخبرني أنه يوم تقدمت الكتلة بمذكرتها المشهورة إلى الملك، قال لهم الحسن الثاني إذا لم تراجعوا مذكرتكم هذه، فسأطلق عليكم بنكيران. ورغم هذا حذرته، وقلت له إن الاتحاد الاشتراكي سيتربصون بكم إلى أن يتسببوا لكم في مشكل، وكان ما كان بعد 16 ماي، فقد استغلوها كمناسبة، وها أنت ترى أن الرميد لم يعد رئيسا للفريق النيابي، والريسوني أبعد من رئاسة الحركة.. في البداية كان يسألني بنكيران قبل أن يتخذ أي موقف عن موقف الاتحاد الاشتراكي، لكن فيما بعد أخذهم الغرور، وبدأوا يسلكون سياسة الاستفزاز..
 من خلال تجربتك الأمنية الطويلة ما هي أحسن مقاربة للتعاطي مع الإسلاميين؟
 حين ذهبت إلى فرنسا من أجل التكوين في سنة 1977 أوضحوا لنا أن أفضل وسيلة لمحاربة التطرف هي الديمقراطية. إذا أردنا أن نحمي بلدنا من التطرف الديني، فيجب أن يتم ترسيخ وتوسيع دائرة الديمقراطية سياسيا واجتماعيا، وضمان قضاء نزيه ومستقل، وتوسيع دائرة الديمقراطية لتشمل رجال الأمن ويصبح بإمكانهم من جديد الحق في الانخراط في الأحزاب والنقابات.. وأشير بهذا الصدد أني لما ولجت إلى صفوف الأمن الوطني سنة 1957 وجدت أن للشرطة نقابة تابعة للنقابة الفرنسية (الكنفدرالية العامة للشغل)، لكن حين تم تعيين الجنرال أوفقير مديرا للأمن الوطني أصدر قرارا يمنع من خلاله انخراط رجال الشرطة في الأحزاب والنقابات والجمعيات. فكيف يمكن للشرطي أن يحترم حقوق الناس وحقوقه مهضومة.. 
إذن تجربتك أوضحت أن المعالجة الأمنية لوحدها لا تكفي؟ 


unnamed
نعم إذا كانت أحداث 11 شتنبر قد ارتكبت من طرف شباب مثقف بسبب ما يجري في العراق وفلسطين، فأسباب وجود التطرف بالمغرب يعود أساسا إلى غياب العدل وتفشي الفساد الذي يغض عنه الطرف.. وأظن أنه إذا توفرت العدالة، ووزعت الثروات، ووجد حل للبطالة.. والملك محمد السادس قد انتبه لهذا الأمر، وأعطى جلالته توجيهاته لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.. وقد رأيت منذ توليته ماذا كانوا يسميه الناس.. ملك الفقراء.. وهذا معناه أن الملك عرف مكمن الداء، إنها المسألة الاجتماعية والديمقراطية. وإذا كانت الديمقراطية فإنك لا تفسح مجالا لمزايدات الآخرين، فانظر إلى بنكيران حين دخل إلى العمل من داخل المؤسسات.. لم تعد لديه مزايدات.. أما المعالجة الأمنية لوحدها وطريق الاعتقالات فإنها لا تؤدي إلى نتيجة.. فالعنف لا يؤدي إلا إلى التطرف. وقبل أن أختم أود أن ألفت نظر قراء جريدتكم إلى مسألة أساسية، وهي ألا يخامرهم أدنى شك بكون الأشخاص الذين ذكرتهم يعتبرون مخبرين لأجهزة الأمن الاستخباراتية، بل يجب أن يتيقنوا بكونهم فضلاء غيورين على وطنهم، يريدون أن تكون السلطة في خدمة الشعب وحمايته، لا لقمعه وسلبه ماله عن طريق الرشاوي. ويرون في الخلطي الإنسان البسيط المتواضع، ويسعون إلى مساعدته بالنصح للسير في الطريق المستقيم. 



  

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -