في مثل هذا الشهر قبل 61 عاما وبالتحديد في الـ29 من فبراير 1960، عرفت مدينة أكادير المغربية (جنوب) زلزالا دمر المدينة بأكملها وحولّها إلى ركام.
وعلى الرغم من أن الهزة الأرضية كانت متوسطة، إلا أنها خلفت حوالي 15 ألف قتيل، ما يمثل ثلث ساكنة مدينة أكادير آنذاك.
وبالإضافة إلى الخسائر في الأرواح، فإن الزلزال أدّى إلى جُرح 12 ألف شخص وتشريد ما لا يقل عن 35 ألف آخرين. وبهذا يعتبر "زلزال أكادير" الأكثر عنفا ودموية في تاريخ المغرب.
"المدينة الميتة"
بلغت قوة الزلزال 5.8 على سلم ريختر، وهي بالمعايير العلمية الحديثة هزة متوسطة. لكن ورغم ذلك حوّلت المدينة - التي ستصبح لاحقا ثاني أكبر مدينة سياحية في المملكة بعد مراكش - إلى حطام بأضرار هائلة.
حينها، كانت جلّ المنازل في عموم المدينة مشيّدة بالطين الحجر. وعندما ضرب الزلزال، تحوّلت معظم المباني إلى غبار في ظرف وجيز، وكانت إمكانية إنقاذ الأحياء في بعض المناطق شبه مستحيلة.
وأُطلق على أكادير عندئذ لقب "المدينة الميتة"، فمثلا في منطقة تالبرجت لم ينجو سوى 10 أشخاص من أصل خمسة آلاف نسمة. وعندما هرعت فرق الإنقاذ إلى المدينة لإنقاذ الأحياء، واجهتها صعوبة لوجستية في التنقل وسط الركام.
وحتى المباني الكبيرة لم تسلم من الدمار، إذ انهارت العديد من الفنادق والمباني والأسواق، ودُمرت أنظمة الصرف الصحي ومحطات الإطفاء. وأدى الزلزال أيضا إلى اشتعال الحرائق لأيام عدة بسبب قلة الإمكانيات والتجهيزات في بلد خرج للتوّ من قبضة الاستعمار.
تعبئة وطنية
غداة الفاجعة، حلّ الملك محمد الخامس في المدينة برفقة ولي العهد آنذاك، الأمير الحسن، والجنرال محمد أوفقير. وفي اليوم نفسه، أمر العاهل المغربي جميع المدن المجاورة والبعيدة بالاستعداد لإرسال المؤن والمساعدات للسكان الذين باتوا بلا مأوى.
وبما أن الواقعة تزامنت مع شهر رمضان، وضع الملك "رخصة شرعية" بيد رجال الإطفاء عندما منحهم إمكانية بالإفطار نهار رمضان ريثما تنتهي الأزمة.
لكن ورغم كل هذه الجهود، أصرّ العديد من عمال الإنقاذ ورجال الإطفاء على الصيام، كما أن الكثير من السكان رفضوا تلقي العلاجات والإسعافات الأولية خوفا من أن تُبطل صيامهم.
وكلّف محمد الخامس نجله الحسن بقيادة عمليات الإنقاذ، التي شارك فيها الجنود والبحارة الأميركيين والفرنسيين والهولنديين والإسبان، بالإضافة إلى القوات المغربية.
وخاطب الملك الشعب المغربي بُعيد الزلزال، قائلا إن المملكة حلت بها "نكبة من أعظم النكبات وأقساها، وزُلزلت الأرض بأكادير زلزالا هدم بنيانها وأهلك سكانها وتركها خرابا".
وأضاف أن "البيان ليعجز عن وصف هول الكارثة، وليس في الوقت متسع للحديث باللذين منّ الله عليهم بالنجاة ينتظرون منا عملا وتضامنا لا بكاء وكلاما".
صيف حارق
تزامن الزلزال مع فصل الصيف الحارق في مدن جنوب المغرب. وقد بلغت درجة الحرارة عند بدء عمليات الإنقاذ 40 درجة مئوية، ما تسبب في تعفن سريع للجثث وتلوث الجو وانتشار فئران الصرف الصحي والذباب، بحسب كتاب "الكوارث الطبيعية" لكاتبه لي دايفيس.
وأمام هذا الوضع أمرت السلطات بإخلاء المناطق المتضررة في غضون يومين من وقوع الكارثة، خاصة وأنها تحولت إلى بؤرة تُهدد الصحة العامة.
وبسبب يأس السلطات من إمكانية علاج المصابين، ركزت عوضا عن ذلك على تطهير المدينة، حيث وضع عمال الإنقاذ الأقنعة الواقية من الغازات، وبدأت عملية رش المطهرات للقضاء على روائح الجثث المتعفنة وجيوش الذباب والفئران والكلاب والقطط الضالة.
أما اللصوص الذين كانوا يستهدفون المنازل المدمرة والمتاجر والفنادق، "فقد تلقت الشرطة أوامر بإطلاق الرصاص عليهم ودفنهم في مقابر جماعية إلى جانب ضحايا الزلزال"، بحسب ماكسويل غيفن، صاحب كتاب "لم يتبق سوى الحجر" (The Rocks Remain).
وفي حين كتب البعض حينها أن هذه التدابير قاسية، إلا أن السلطات اعتبرتها حلا وحيدا وأخيرا أمام نقص عمال الإنقاذ وحجم الخسائر وضعف الإمكانيات.
استمرت عمليات الإنقاذ والدفن الجماعي وتطهير المدينة لأيام عدة، وتدريجيا بدأت الحياة تدب في الأحياء الشعبية وسط إجراءات جديدة تمنع تكرار ما حدث، إذ وضعت السلطات معايير جديدة للبناء.
بعد مرور أشهر، أعلن ولي العهد، الأمير الحسن، أنه سيتم افتتاح أكادير الجديدة في الثاني من مارس 1961، وربط هذا الافتتاح بمرور خمس سنوات على استقلال المغرب.
وتم وضع الحجر الأساس لمدينة أكادير الجديدة في الـ30 من يونيو عام 1960 لتنهض المدينة من رمادها وتتم إعادة بنائها مع الحفاظ على مينائها وهويتها البحرية والسياحية.
المصدر: أصوات مغاربية
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.