أخر الاخبار

يوم احتلال سطات.. 1908

في أوائل القرن العشرين، كانت المغرب تعاني من أزمات سياسية واقتصادية، حيث كانت السلطة المركزية ضعيفة، وتتنافس القبائل والقوى المحلية على النفوذ. وفي هذا السياق، كانت سطات، بموقعها الاستراتيجي بين الدار البيضاء ومراكش، نقطة مهمة للسيطرة على الطرق التجارية والعسكرية.

احتلال سطات

في عام 1908، قامت القوات الفرنسية باحتلال سطات كجزء من توسعها التدريجي في المغرب، والذي كان يهدف إلى تعزيز النفوذ الاستعماري الفرنسي في المنطقة. جاء هذا الاحتلال في إطار سياسة فرنسا التوسعية التي توجت لاحقًا بتوقيع معاهدة الحماية عام 1912.

يوم احتلال سطات.. 1908
قوات الجنرال لاماد تقوم باستعراض عسكري أمام القصبة الإسماعيلية بعد احتلال سطات

كان احتلال سطات نقطة تحول كبيرة، حيث أدى إلى إخضاع المدينة لسيطرة الفرنسيين، مما أثر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمنطقة. وقد واجهت القوات الفرنسية مقاومة من بعض القبائل المحلية، لكن التفوق العسكري الفرنسي حال دون نجاح هذه المقاومة في ذلك الوقت.

مجزرة سيدي الغليمي: جرائم فرنسا الاستعمارية في المغرب

تُعتبر مجزرة سيدي الغليمي، التي وقعت بتاريخ 15 مارس 1908، واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها القوات الفرنسية خلال فترة استعمارها للمغرب. ذهب ضحيتها قرابة 1500 شخص، معظمهم من النساء والأطفال والعجزة، في هجوم وحشي قاده الجنرال الفرنسي "دماط" ضد سكان منطقة سيدي الغنيمي بالقرب من مدينة سطات.

وصف المجزرة:

قام الجيش الفرنسي بهجوم ممنهج على تجمع سكاني كبير حول كوخ متصوف منعزل، حيث أحرقوا المخيم بالكامل وقتلوا كل من فيه دون تمييز. وفقًا لشهادات مراسلي الصحف الفرنسية والأجنبية، لم تكن هناك معركة، بل كان الأمر أشبه بعملية إبادة جماعية. تم إشعال النيران في المخيم وتدمير كل ما فيه، مما أدى إلى مقتل أكثر من 1500 شخص، بينهم نساء وأطفال وشيوخ.

ردود الفعل الدولية:

أثارت هذه المجزرة استنكارًا واسعًا، حتى في فرنسا نفسها. النائب الفرنسي الاشتراكي جان جوريس، أحد أبرز المنتقدين لهذه الفظائع، ألقى خطابًا مؤثرًا في الجمعية العامة الفرنسية، واصفًا يوم 15 مارس 1908 بأنه "يوم محزن للإنسانية ولفرنسا". وقال جوريس: "لقد أبيدت مدينة مغربية مكونة من ألفي خيمة، ولم ينجُ أحد من سكانها". كما أشار إلى أن الصحف الفرنسية، مثل جريدة "لوطون"، وصفت المجزرة بأنها "سباق للقتل بالحريق".

شهادات الصحف الدولية:

جريدة "ليمانتي" الفرنسية (22 مارس 1908): وصفت المجزرة بعنوان صادم: "وحوش مطلقة"، وذكرت أن "عملية الذبح تفوق في الرعب كل ما يمكن تخيله، حيث تم قتل 1500 شخص بالحرق".

جريدة "فوشيست دايتونغ" الألمانية (6 يونيو 1908): نقلت شهادات ألمان عاينوا المجزرة، وأكدت أن "أكثر من ألفي قتيل سقطوا في السهل المحيط بالمخيم، بعد أن أحرق الجيش الفرنسي كل شيء".

الخلفية والأهداف:

كان الهدف من هذه المجزرة ترويع السكان وإرسال رسالة قوية لمن يفكر في مقاومة الوجود الفرنسي. جاء الهجوم بعد أن فر السكان من القصف الفرنسي الذي استهدف المرتفعات القريبة، حيث كان المقاتلون المغاربة يتخذون مواقعهم. لكن بدلًا من مواجهة المقاتلين، توجه الجيش الفرنسي نحو المدنيين العزل في المخيم.

تداعيات المجزرة:

تأجيج المقاومة: على الرغم من وحشية المجزرة، إلا أنها زادت من تصميم المغاربة على مقاومة الاستعمار.

فضح وحشية فرنسا: كشفت المجزرة الوجه القبيح للاستعمار الفرنسي، ليس فقط في المغرب، ولكن على المستوى الدولي.

الذاكرة الجماعية: لا تزال مجزرة سيدي الغليمي محفورة في ذاكرة المغاربة كرمز لوحشية الاستعمار وتضحيات الشعب في سبيل الحرية.


يوم احتلال سطات..
(الصورة: خروج يهود الملاح بسطات لاستقبال القوات الفرنسية ..)

مجزرة سيدي الغليمي في الثراث الشعبي

أرخ المغاربة لمجزرة سيدي الغليمي عبر قصيدة زجلية ما زال مريدو الزاوية البوعزاوية باولاد سعيد يذكرونها..والتي تقول :

يومك يا سطات..........ما نحرنا ما عيـدنا (1)
نهار فم الدير (2)........تا من عــريوات شبعـو بغـرير 
مــللي دخلــو الكفــار.........دخلــو لــولاد ســعيــد
البوعزاوي (3) مسكين.........وحــدو هــارب بالــدين(4)
لحـــق لــمــراكش ............وجــاهــد في الــدين
عــادو يــمشيو عــدو............مـــحـــــلا بــــمــحــلا
سكن في البهجة............سكن في قبة خــضراء
مـــاريدو (5) مسجـــونين............البرويطة هـلكتهم(6)

(1) كان دخول الفرنسيين الى سطات يوم عيد الاضحى
(2) فم الدير: موضع قرب التل المطل على سطات وهو مدخلها الغربي من جهة الدار البيضاء
(3) البوعزاوي: الشيخ محمد بن الطيب الشاوي,صوفي مجاهد قاوم الاحتلال الفرنسي للشاوية.(انظر منشورات الصفحة لمعرفة المزيد عنه رحمه الله)
(4) حين دخل الفرنسيون الشاوية,نجا البوعزاوي بدينه والتجأ الى مراكش
(5) ماريدو: مريدوه 
(6) اعتقل أتباعه ومريدوه و عوقبو بتعبيد الطرق.

*عريوات:التافهون, اذ أن الرجال انشغلو بالجهاد بينما أكل البغرير من لا يستحقه من التافهين الجبناء ..

مدخل الملاح

مجزرة سيدي الغليمي ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي شهادة على جرائم الاستعمار الفرنسي في المغرب. تُذكر هذه المجزرة كواحدة من أبشع الفظائع التي ارتكبتها فرنسا في حق شعب أعزل، وتظل درسًا للتاريخ عن ضرورة مقاومة الظلم والاستبداد.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -