تاريخ برشيد والوعي الشقي ( صورة الجنرال داماد في مدبحة الغنيميين )
في عام كورونا، المطابق لربيع 2020، اجتاحت المظاهرات المناهضة للعنصرية أوروبا والولايات المتحدة على خلفية مقتل الأمريكي ذو الأصول الافريقية جورج فلويد، على يد شرطي عنصري. كان رد الفعل الشعبي في بلجيكا أن قام المتظاهرون بتدمير النصب التذكارية التي تمجد الملك ايدوارد الثاني، المتهم بقتل آلاف الأفارقة الكونغوليين في الحرب الاستعمارية، وإلقاء الطلاء الأحمر عليها، معبرين عن اتساخ يديه بدماء الكونغوليين الذين تسبب في إبادتهم. في بلجيكا أيضا، توجد نصب تذكارية استعمارية مقززة يظهر فيها المقاتل العربي وحصانه وهما ينحنيان استسلاما وخنوعا للفارس المحتل وحصانه.
عندنا في برشيد، كما في غيرها من مدن العالم، تعاطف رواد الفضاء الأزرق مع ضحايا العنصرية والاستعمار، وصفقوا للبلديات والجامعات البلجيكية التي أزالت النصب التذكارية للجنرال السفاح. ومن سخرية الأقدار أن بعض الأقلام، التي تكتب في تاريخ منطقة برشيد، وخلال نفس الفترة، اغتنمت فرصة إحداث مكتب خاص للتبرع بالدم بإحدى الحدائق المحادية لشارع محمد الخامس، لتعبر عن أسفها على اختفاء النصب الذي كان يخلد لذكرى احتلال برشيد سنة 1908 من طرف القوات الفرنسية الغازية، قبل ازالته في بداية الستينات.
أكيد أنهم لا يعلمون بأن هذا النصب تم غرسه يوم 25 فبراير 1938 ، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثلاثينية لاحتلال قصبة برشيد سنة 1908، وما صاحبها من إراقة دماء في صفوف أبناء الشاوية. هذه الأسطر التالية كانت منقوشة على النصب باللغة الفرنسية، نقرأها كالتالي:
- Berrechid fut occupée sans coup férir le 13 janvier 1908 et le poste crée le 13 janvier par le général d’Amade.
- Affaire de Zaouïa EL Mekki .....…...8 février 1908
- Affaire de Zaouïa EL Ourimi……………15 mars 1908.
تعتبر العملية الأخيرة الخاصة بزاوية سيدي الغنيمي الأكثر بشاعة في التاريخ الاستعماري للشاوية. بتاريخ 15 مارس 1908، توجه الجنرال داماد وجنوده باتجاه أولاد سعيد، إلى زاوية سيدي الغنيمي، مصطحبا معه القائد برشيد وقائد المزامزة، وعائلاتهم ، والعديد من الأعيان الذين أعلنوا عن استسلامهم المبكر، أجبرهم على السير في ركبه، من أجل استعراض القوة، ولتكون العملية التي يقودها عبرة لمن لا يعتبر. هناك وجد دورا حديث النشأة، يتكون من 2500 خيمة، ولا يوجد به مقاتل واحد . فقط النساء والأطفال والعجزة غير القادرين على حمل السلاح. حاصر الجنرال داماد الدوار، فأقبلت النساء نحو جنوده محملة بالعصي وما في أيديهن من أظافر ، ورمين أنفسهن تحت الحراب. وعلى وقع النزيف، نسي الأطفال والعجزة سنهم وانضموا للأمهات والبنات في المعركة. لم تكن حربا، بل كانت مجزرة، ذهب ضحيتها 1500 قتيلا، مزقتهم السيوف ورماح البنادق. وقبل المغادرة، ختم الجنود فعلتهم بإضرام النار في الدوار، وحرق الخيام. ومن الصدف، تهاطلت أمطار غزيرة، سرعان ما أطفأت اللهب المتصاعدة، وحولتها إلى خيوط الدخان. قال نجل قائد المزامزة متحدثا عن مخلفات العملية بأن دفن القتلى الذين سقطوا في المدبحة استمر سبعة أيام متتالية. ولقد اهتز الرأي العام الحر في فرنسا لهول الفاجعة، وصرخ جان جوريس، الزعيم الاشتراكي في البرلمان، والدي نعاه جاك بريل في أغنيته الشهيرة بعد تعرضه للاغتيال، صرخة مدوية قال فيها بأن الجيش الاستعماري الفرنسي شوه صورة فرنسا في العالم الحر.
بعد عملية سيدي الغنيمي كتب العربي بن الشرقي، قائد مزاب، رسالة للمرابط محمد بن عبد الله زروال، المدعو بونوالة، الذي كان يقود العمليات الجهادية بالزاوية، يطلب منه الاستسلام. أجابه الأخير بالرفض، موقعا جوابه بعبارة " محمد بن عبد الله المنتصر". سلم القائد بن الشرقي الرسالة الجوابية للجنرال داماد. وبينما كان الضابط المترجم يتلوها عليه، وقف القائد بن الشرقي يستهزئ ساخرا من كلمة
" المنتصر".
برشيد نيوز- الجيلالي طهير
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.