
عندما اعتبر المغاربة إنزال الأمريكان رحمة ربانية
شهد المغرب في نوفمبر 1942 حدثًا تاريخيًا، حيث نفذت القوات الأمريكية قصفًا مدفعيًا عنيفًا على عدد من المدن المغربية من المحيط الأطلسي، مما أسفر عن مقتل حوالي ألف شخص وإصابة نحو ألف آخرين، مع خسائر مماثلة في صفوف القوات الأمريكية. دُمّر ميناء الدار البيضاء وتعرض لأضرار جسيمة، وقد تباينت ردود الفعل بين المغاربة؛ حيث أفرح الإنزال الأمريكي معارضي الحماية الفرنسية، لكنه أغضب المقيم العام، نوكيس، الذي دعا إلى المقاومة والتجنيد.
صمود المقيم العام نوكيس
برغم قوة الهجوم الأميركي، صمد المقيم العام نوكيس، الموالي لحكومة فيشي، لمدة ثلاثة أيام، مكبّداً القوات الأمريكية خسائر معتبرة. وعلى الرغم من أن الهجوم كان مباغتًا، إلا أن نوكيس رفض الاستسلام ونقل مقر قيادته إلى فاس في اليوم الثاني من الهجوم. واستمرت المعارك حتى الحادي عشر من نوفمبر، حين استسلم نوكيس بعد وصوله إلى المحمدية، واتجه بعدها إلى الجزائر للقاء "آيزنهاور"، قائد العملية، حيث سلم سلطاته وتولى "جيرو" القيادة العسكرية في شمال إفريقيا.
أهمية المغرب في الاستراتيجية الأمريكية
بدأ التفكير في التدخل الأمريكي في شمال إفريقيا بعد انهزام فرنسا أمام ألمانيا وتوقيع هدنة عام 1940، حيث خشيت أمريكا من تسرب الألمان عبر إسبانيا إلى جبل طارق. ومع تخوفهم على مصالحهم، اتجهت الأنظار إلى المغرب نظرًا لموقعه الاستراتيجي، وتم التنسيق بين القوات الأمريكية والبريطانية لإعداد عملية إنزال على سواحله، وقد انطلقت القوات الأمريكية في أكتوبر 1942 بنحو 35 ألف جندي، ووجهت ضربة قاسية للبنية التحتية الفرنسية في المغرب.
انعكاسات الإنزال على المغرب
تسبب الإنزال الأمريكي في إحداث تغيرات جذرية في الأوضاع السياسية في المغرب؛ فمع تضرر سمعة فرنسا وتراجع مكانتها، ازداد أمل المغاربة في الاستقلال. وبدأت الأحزاب الوطنية، كحزب الإصلاح الوطني بقيادة عبد الخالق الطريس وحزب الوحدة المغربية بقيادة المكي الناصري، في الدعوة إلى استقلال المغرب.
وفي يناير 1943، دعا الحزب الشيوعي المغربي إلى استقلال البلاد. وبرز دور السلطان محمد بن يوسف، الذي رفض مغادرة الرباط في نوفمبر 1942، وفي يناير 1943 التقى بالرئيس الأمريكي روزفلت في حي أنفا بالدار البيضاء في اجتماع تاريخي دون حضور المقيم العام الفرنسي، مما أشار إلى تغير جذري في العلاقات المغربية-الفرنسية ودفع بالمطالبات نحو الاستقلال.
اجتماع أنفا وانعكاساته
عُقد اجتماع أنفا بين القيادات الأمريكية والبريطانية واستمر لعشرة أيام، وكان لحضور السلطان المغربي أهمية كبيرة في هذا الموعد السياسي، حيث دعا روزفلت إلى إنهاء الاستعمار وأكد أن الزمن قد تجاوزه، مشجعًا السلطان على السعي نحو الاستقلال. وبفضل هذا الاجتماع، شعر السلطان محمد بن يوسف بالدعم الأمريكي، وأدرك مكانته في المعادلة السياسية الجديدة، مما عزز من موقفه في مواجهة فرنسا.
استجابة شعبية وأثر اقتصادي
رحب العديد من المغاربة بالإنزال الأمريكي، واعتبروه "رحمة من السماء"؛ فقد أدخل هذا الوجود تحسينات كبيرة على حياتهم اليومية، حيث جلبت الحكومة الأمريكية الحليفة لفرنسا كميات ضخمة من المواد الغذائية والسلع الأساسية التي كانت نادرة، مثل الحبوب والحليب والسكر والقهوة والصابون.
خاتمة يعد الإنزال الأمريكي في المغرب خلال الحرب العالمية الثانية لحظة مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، فقد ساهم في تعزيز تطلعات المغاربة للاستقلال وإضعاف النفوذ الفرنسي. وبمرور الوقت، كان لهذا الإنزال تأثير واضح في تحول المشهد السياسي، مما جعل المغاربة يرونه علامة فارقة في مسيرتهم نحو الحرية والسيادة الوطنية.
المصادر: عبد السلام انويكًة، مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.