محمد العربي الشاوش
اقترن اسم السلطان المرحوم مولاي عبد الحفيظ بن السلطان المقدس مولاي الحسن الأول بمعاهدة فاس بتاريخ 30 مارس سنة 1912 المعروفة بمعاهدة الحماية الفرنسية للمغرب وتدلنا الوثائق التاريخية والتصريحات الحفيظة على أن السلطان ذهب ضحية المؤامرة الاستعمارية ضد المغرب، وإنه وقع المعاهدة المذكورة تحت الضغط العسكري والإكراه الدبلوماسي من الجانب الفرنسي. خلافا لما أشاعه الحكم الفرنسي من أن السلطان طلب من فرنسا بسط حمايتها على المغرب لتبرير موقف الحكومة الفرنسية من المغرب، في حين أن العلاقات المغربية الفرنسية كان قائمة على التحفظ تارة والتوتر تارة أخرى بسبب احتلال فرنسا للجزائر منذ سنة 1830 ومؤازرة المغرب للمقاومة الجزائرية ضد الاحتلال. وقبل مناقشة الموقف الحفيظي من قضية الحماية "يحض بنا أن نقدم نبذة عن حياة السلطان المذكورة، كان الأمير مولاي عبد الحفيظي خليفة لأخيه المقدس السلطان مولاي عبد العزيز على إقليم مراكش قبل نشوب ثورة عارمة بسبب التدخل الأجنبي في المغرب بعد معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906 كانت نتيجتها مبايعة ممثلي الرأي العام المغربي (أهل الحل والعقد) للسلطان الجديد مولاي عبد الحفيظ عام 1908 وتنازل مولاي عبد العزيز لأخيه حقنا للدماء، ومبادرة منه في العمل على حفظ الاستقرار الداخلي لمواجهة الخطر الأجنبي الذي صار يستفحل يوما بعد يوم.
وقد بويع مولاي عبد الحفيظ بيعة مشروطة بإبعاد الخطر الأجنبي عن الغرب، واسترجاع ما اغتصبه الأجنبي من حدوده، مع تطهير الإدارة المغربية وإحداث مجلس شوري يمثل الأمة والعمل على إلغاء شروط مؤتمر الجزيرة الخضراء التي أعطت للأجانب حق التدخل في شؤون المغرب. وإن كان ولابد من اتحاد أو تعاون فليكن مع الخلافة العثمانية الإسلامية ومع الدول الإسلامية المستقلة (عبد الرحمن ابن زيدان: إتحاف أعلام الناس. ج1. ص 449 ط 1347-1929) لكن الظروف المتأزمة التي جلس فيها على العرش لم تساعده على إنجاز ما تعهد به. وانفجرت الثورة الشعبية من جديد ضد الوضعية المتدهورة في البلاد، خاصة بعد الاتفاق الفرنسي الألماني عام 1911 الذي تخلت بموجبه ألمانيا عن معارضة فرنسا في التدخل في شؤون المغرب.
رسالة تاريخية للمولى عبد الحفيظ بخطه وإمضائه تفضح معاملة رجال الحماية الفرنسية له رحمه الله على إثر هذا الاتفاق الخطير، بادر السلطان بتقديم مذكرة بالغة الأهمية إلى وزارة الخارجية الفرنسية جاء فيها ما نصه: "إن شرف الإمبراطورية (المغربية) واعتبارها، واحترام تقاليدها، يلزم أن يبقى كما كان في الماضي كاملا غير منقوص، بحيث لا يمس بحال من الأحوال. والحكومة الفرنسية لا تجهل أن السلطة الحاكمة لم تزل موضوعة بين أيدي العائلة العلوية منذ أربعة قرون، فلابد من أن تحفظ لها هذه الحرمة. واستلفت نظر الحكومة الفرنسية إلى الحقيقة الواقعة، وهي أن المغرب منذ الفتح الإسلامي لم ينضم إلى أية دولة أجنبية كمستعمرة من المستعمرات. وأنه منذ ثلاثة عشر قرنا لم ينقطع عن التمتع باستقلاله التام. ولهذا السبب نفسه لا يمكن أن تعتبر الإمبراطورية الشريفة في المستقبل أرضا مستعمرة" (محمد داود: مجلة السلام عدد 4 شهر يناير 1934) ولعل هذا النص يوحي بما شعر به مولاي عبد الحفيظ من سوء نية فرنسا نحو المغرب وأنه وضعها أمام مسؤولياتها المستقبلية.
* * *
نعم كان السلطان قد فتح محادثات مع الحكومة الفرنسية لدراسة الوضعية المغربية، وحيث كان المغرب يحتاج إلى تنظيم عسكري عصري لإقرار الأمن الوطني وخاصة في مدينة فاس عاصمة المملكة التي كانت مقرا للبعثات الديبلوماسية الأجنبية، فقد أعربت فرنسا عن استعدادها لتقديم مساعداتها للسلطان في هذا المجال. ولم يعارض عبد الحفيظ هذا الاقتراح بعد تعهد فرنسا بالمحافظة على استقلال البلاد واحترام نفوذ السلطان. فجاءت فرقة من الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال موانيي إلى فاس، قادمة من الدار البيضاء التي سبق للجيش الفرنسي أن نزل فيها عن طريق البحر عام 1907 بحجة حماية الرعايا الأوربيين والقنصليات الأجنبية وفي المقدمة القنصلية الفرنسية. وتطبيقا السياسة التعاون الفرنسي الإسباني في قضية المغرب فإن بارجة حربية اسبانية جاءت من الجزر الخالدات (كنارياس) وأنجدت الفرقة الفرنسية بفرقة عسكرية اسبانية زيادة على تحطيم المدينة بقنابلها. وتقرر عدم جلاء القوات الفرنسية الاسبانية عن الدار البيضاء إلا بعد تكوين جيش مغربي منظم قادر على إقرار الأمن وحماية المصالح الأجنبية.
وقد اغتنمت الديبلوماسية الفرنسية وجود الجيش الفرنسي في فاس في إطار التعاون العسكري المغربي الفرنسي في فاس في إطار التعاون العسكري المغربي الفرنسي فأشاعت بأن السلطان طلب من فرنسا بسط حمايتها على المغرب. فبادر عبد الحفيظ بتكذيب الإشاعة على لسان وزير خارجيته الحاج محمد المقري، ونشرت وكالة الأخبار الفرنسية (هافاس) تصريح الوزير المغربي بأنه "يكذب تكذيبا قاطعا الإشاعة القائلة بأن السلطان عبد الحفيظ طلب من فرنسا بسط حمايتها على المغرب، وأن جلالته مغتبط بالمعونة التي قدمتها فرنسا إليه، لكنه يعلن في نفس الوقت عن استمرار العلاقات المغربية الفرنسية على أساس معاهدة الجزيرة الخضراء، (السلام عدد 4 يناير 1934) ومعلوم أن معاهدة الجزيرة تعترف للمغرب باستقلاله وسيادته ووحدة ترابه.
* * *
لكن الديبلوماسية الفرنسية استغلت ظروف تحول قيادة الجيش الفرنسي في فاس من وضعية التعاون العسكري إلى وضعية الإرهاب ومحاصرة السلطان، فأوفدت السفير (يوجين رينو) لمحاولة إقناع السلطان بفكرة معاهدة الحماية في محادثات طويلة كان يقوم بدور الترجمة فيها قدور بن غبريط الذي كان يحظى بثقة السلطان. غير أن جلالته لم يقتنع بنظيرة الحماية وعارض بشدة، بل هدد بالاستقالة أمام إصرار السفير الفرنسي على إقناعه بوجهة النظر الفرنسية. وأمام هذا الموقف ندرك قسوة الإكراه الذي مارسته الديبلوماسية الفرنسية على مولاي عبد الحفيظ معززة بالقوة العسكرية المرابطة في فاس.
كان السفير رينو يقدر أن استقالة السلطان إحباط لمهمته الاستعمارية، ولذلك مارس كل الضغوط لبقائه في الحكم مع مواصلة المحادثات في موضوع الحماية. ودامت جلسة يوم 29 مارس 1912 ست ساعات (من 6 مساء إلى 12 ليلا) بالقصر الملكي بفاس. وفي صباح 30 مارس تم توقيع معاهدة الحماية في ظروف غامضة وفي جو يشعر بالإكراه والابتزاز. وقد أعرب عن ذلك الكاتب الفرنسي (روبير رينار) فيما نقله عنه الكاتب الإنجليزي (روم لاندو) في كتابه (تاريخ المغرب في القرن العشرين – ط 2) قال: "إن السيد رينو قاد هذه المفاوضات المضنية باللجوء إلى الوعد مرة وإلى الوعيد أخرى، وبفضل أسلوبه هذا انتهت المفاوضات التي طال أمدها بالنجاح وتوجت بتوقيع المعاهدة" (ص 108)
* * *
وما أن علم الشعب بالخبر المشؤوم حتى انتفض انتفاضة عارمة وخاصة في فاس أثناء شهر أبريل عامه. فقوبل من طرف الجيش الفرنسي بمنتهى الوحشية والقمع والإرهاب. واحتج السلطان على ذلك في مناقشات طويلة مع (الجنرال ليوطي) أول مقيم عام فرنسي بالمغرب الذي أدرك أن السلطان غير مستعد للتعاون معه على تطبيق المعاهدة، مما جعله يهيئ الظروف لقبول استقالة مولاي عبد الحفيظ الذي لم تطاوعه نفسه على التعاون مع النظام الجديد. فغادر السلطان مدينة فاس يوم 6 يوليوز متوجها إلى الرباط تمهيدا لتنازله الاختياري عن العرش لأخيه الأمير مولاي يوسف بن الحسن الأول يوم 12 غشت 1912 وهو اليوم الذي بويع فيه جلالة السلطان مولاي يوسف رحمه الله بيعة شرعية في مدينة الرباط التي صارت عاصمة إدارية للمملكة المغربية بدلا من مدينة فاس التي احتفظت بشهرتها كعاصمة علمية.
* * *
وانتقل مولاي عبد الحفيظ إلى مدينة طنجة ثم إلى فرنسا، وأدى فريضة الحج سنة 1913، ولما أعلنت الحرب العالمية الأولى استقر في اسبانيا إلى سنة 1925 ولم تسمح له فرنسا بالعودة إلى طنجة، فأقام في فرنسا إلى وفاته رحمه الله سنة 1937 فنقل جثمانه في باخرة (جنة) إلى الدار البيضاء ومنها إلى فاس في قطار حديدي خاص، حيث أقيمت له جنازة رسمية رهيبة حضرها المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، ودفن بضريح جده مولاي عبد الله بن إسماعيل بفاس.
* * *
وقد استنتجنا من سلوك الرصين ومواقفه الجريئة أنه أكره على إمضاء معاهدة الحماية إكراها، ولم يبق له اختيار أمام الحصار والإكراه إلا الإمضاء. وعلينا أن نتفهم المعنى الشرعي للإكراه، يقول القاضي ابن العربي: "المكره هو الذي لم يخل بينه وبين إرادته، ويكون الإكراه بالقول أو بالفعل أو بالتهديد. والمكره معذور في الدنيا، مغفور له في الآخرة" (أحكام القرآن ج 3 ص 1177 بتحقيق علي محمد البجاوي) وفي الحديث الشريف: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (رواه ابن ماجة عن أبي ذر الغفاري. والطبراني والحاكم عن ابن عباس، والطبراني أيضا عن ثوبان الهاشمي. وأخرجه ابن حجر في بلوغ المرام. والسيوطي في الجامع الصغير وقال صحيح) ولا حجة لمن وسمه بضعف الإرادة، وقد كان متصفا بالحزم والنباهة وتوقد الذهن، ولكن لا حيلة له ولا لغيره أمام المد الاستعماري في أوائل القرن العشرين.
* * *
وقد أمعنت الحكومة الفرنسية في مضايقة واضطهاد مولاي عبد الحفيظ بعد تنازله عن الحكم انتقاما منه فيما سلف من مواقفه الجريئة في معاضرة نظام الحماية المفروض، ومحاولة إقناع الساسة الفرنسيين بالعدول عن فكرة الحماية إلى معاهدة تعاون بين الدولتين المغربية والفرنسية في إطار استقلال المغرب وسيادته، وذلك هو الذنب في نظر فرنسا التي آخذته به بعد تمكنها من بسط نفوذها على البلاد، فكان موقفها المتوتر نحوه عقابا سياسيا مارسته بأساليب توحي بالكراهية والحقد نترك وصفها للأمير في رسالة شخصية بخطه إلى صديقه بتطوان المرحوم أحمد الرهوني وزير العدل بتطوان سابقا. وفيما يلي نص الرسالة التاريخية:
"الحمد لله وحده صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه "محبنا الأعز الأرضي الفقيه العلامة الأحضى وزير العدلية بالثغر التطواني السيد أحمد الرهوني، سلام عليكم ورحمة الله.
"وبعد فقد تعين إعلامك بأن موجب مفارقتنا ثغر طنجة عندما ظهرت الحرب الأرباوية (1) القساوة التي عوملت بها، والإهانات التي تجرعت غصصها، ولم أزل مدة الانتقال من ذلك الثغر أتجرع ألم الهجرة، لأن شأنها عظيم، وانتظر انفراج الأزمة بانتهاء الحرب الأورباوية، ولما انتهت وخلصت قابت من قوب، وظن كل مبتل أن الفرج مرقوب، بادرنا بالكتب لرجال الدولة الجمهورية (2) أسألهم السلم والصفح عن الذنب الذي ما اقترفناه، بتركهم سبيل أهلنا يمكن لنا نقلهم للشام أو مصر لقربهما من الحرمين الشريفين، والتخلي عن أموالنا وحقوقنا، فلم يفتح الله بشيء. فجددنا الطلب مرارا فأجبنا شفاهيا لا كتابة بقبول العفو على شرط سكناي بباريز، فأجبناهم باستحالته شرعا، ومنافاته لقصدنا الأول من التخلية عن الملك، لا نالم نحد عنه إلا للتمتع بكمال الحرية، فلم يلق جوابنا آذانا مصغية. فطلبنا منهم رفع المسألة للشرع، فرفض قبول حكم الرفع. ومن ذلك تبين لي أنني أنفخ في غير ضرم، وإن سعيي لا يأتي إلا بما هو أطم.
"ثم وجهنا على أبنائنا بقصد صلة الرحم معهم، فأجبنا بالمنع، فظهر من ذلك أنهم أسارى وإن كانو في غير حرب، وبموجبه قطعت المسنونة التي أوجهها التي لكم حتى يتبين هل هم أهلي أم لا. ونفدت لهم من الدراهم التي استحقها بكوني من العائلة الملوكية وبالواجب الشرعية النصف ليكن لهم معه المعيشة.
"وأشهدكم وليبلغ الشاهد الغائب، لأن الله جعلكم "أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" (3) إنني ما أتيت بجريمة شرعية توجب استحلال مالي، ومفارقة أهلين وتزكي عرضة للضياع، لأني أقر لله بالوحدانية، ولرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة وكمال التبليغ، وفي الحديث "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" (4) وإني أحفظ حق القيام بالطلب فيما أخذ مني قبل وبعد، لأن سيادتكم كانت تسمع في التصريح بعدم القبول عند إلا شهادة على البيع وأبرأ من كل دعوى تجعل سلما لمنعي ما ذكر.
"وسأكتب لسائر المسلمين بالأنحاء بشرح هذه القضية، والقصد بيانها لا النكاية أوجب الانتقام، لا أنا أهل البيت وكل بنا البلا، كما علمتم. لأن الجامعة الإسلامية والأخوة الدينية تلزمني بالتصريح دون التلويح، وتبيح لي إظهار ما كان السبب في مفارقتي الأهل من غير ذنب يبيح. وأعلمناكم لئلا يبلغكم الخبر على غير وجهه ممن لهم الغرض في تحريف الكلم عن مواضعه وعليكم السلام ورحمة الله. في 27 ذو الحجة 1338 – عبد الحفيظ".
تلك هي الرسالة الحفيظة التاريخية البليغة، الغنية عن كل تعليق أو تعقيب. وللمتأمل فيها أن يرى كيف عامل الاستعمار الفرنسي شخصية سياسية سامية المقام بمنتهى الغلظة والفظاظة وعدم احترام شخصيته وحقوقه الإنسانية، بعد فرض معاهدة الحماية بطريقة تعسفية جبرية. فالمعاهدة كانت مفروضة فرضا كما قال المحامي الفرنسي الكاتب (بول بوتان) في كتابه (مأساة المغرب) قال: "لقد فرضنا المعاهدة على السلطان فرضا" وأكد كذلك روم لاندو في كتابه (تاريخ المغرب) فقال: "إن المعاهدة التي جعلت من المغرب حماية إنما فرضت على السلطان" (ص 97) وإذن فلو كان السلطان قد رضي بالحماية وركن إلى فرنسا واطمئنان إليها لنال منها خيرا كثيرا خاصة بعد انسحابه من الحكم.
* * *
والجدير بالذكر أن المولى عبد الحفيظ كان على جانب كبير من الثقافة. وبالرغم من انهيار الأوضاع السياسية فإنه ساهم في تنشيط الحركة العلمية وحركة التأليف والنشر خاصة. وفي هذا المجال طبع مؤلفاته الخاصة وهي:
- نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح
- كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع
- العذب السلسبيل في حل ألفاظ الشيخ خليل
- منظومة في مصطلح الحديث
- منظومة في الأصول: الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع
- منظومة في القضاء: ياقوتة الحكام في مسائل القضاء والأحكام
كما أمر بطبع مؤلفات هامة تعتبر من أمهات مصادر الثقافة الإسلامية تذكرها فيما يلي:
- شرح الخطاب على مختصر خليل، وبهامشه شرح المواق.
- أحكام القرآن للقاضي ابن العربي
- الإصابة لابن حجر، وبهامشه الاستيعاب لابن عبد البر
- شرح الأبي على صحيح مسلم
- المنتقى في شرح موطأ مالك لأبي الوليد الباجي
- بداية المجتهد لابن رشد الحفيد
- مشارق الأنوار للقاضي عياض
- الروض الأنف في السيرة النبوية للسهيلي
والملاحظ أن أغلبية المؤلفين المذكورين من المغاربة والأندلسيين. والملاحظ أيضا أن المولى عبد الحفيظ استعمل في رسالته السابقة الذكر عبارة "الجامعة الإسلامية" وهو تعبير لم يسبقه إليه في عصره أحد فيما نعلم إلا ما كان من دعوة جمال الدين الأفغاني إلى فكرة الجامعة الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر، وما كان من الجملة الواردة في وثيقة البيعة الحفيظة ونصها: "وإذا دعت الضرورة إلى اتحاد أو تعاضد، فليكن مع إخواننا المسلمين كما قال عثمان (أي الخلافة العثمانية) وأمثالهم من بقية الممالك الإسلامية المستقلة" وهي صيغة تشعر بإيمان الشعب المغربي مبكرا بنظرية الجامعة الإسلامية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحرب العالمية الأولى 1914-1918
(2) يقصد الجمهورية الفرنسية
(3) الآية 143 سورة البقرة
(4) حديث متواتر رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا نصه "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"
اقترن اسم السلطان المرحوم مولاي عبد الحفيظ بن السلطان المقدس مولاي الحسن الأول بمعاهدة فاس بتاريخ 30 مارس سنة 1912 المعروفة بمعاهدة الحماية الفرنسية للمغرب وتدلنا الوثائق التاريخية والتصريحات الحفيظة على أن السلطان ذهب ضحية المؤامرة الاستعمارية ضد المغرب، وإنه وقع المعاهدة المذكورة تحت الضغط العسكري والإكراه الدبلوماسي من الجانب الفرنسي. خلافا لما أشاعه الحكم الفرنسي من أن السلطان طلب من فرنسا بسط حمايتها على المغرب لتبرير موقف الحكومة الفرنسية من المغرب، في حين أن العلاقات المغربية الفرنسية كان قائمة على التحفظ تارة والتوتر تارة أخرى بسبب احتلال فرنسا للجزائر منذ سنة 1830 ومؤازرة المغرب للمقاومة الجزائرية ضد الاحتلال. وقبل مناقشة الموقف الحفيظي من قضية الحماية "يحض بنا أن نقدم نبذة عن حياة السلطان المذكورة، كان الأمير مولاي عبد الحفيظي خليفة لأخيه المقدس السلطان مولاي عبد العزيز على إقليم مراكش قبل نشوب ثورة عارمة بسبب التدخل الأجنبي في المغرب بعد معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906 كانت نتيجتها مبايعة ممثلي الرأي العام المغربي (أهل الحل والعقد) للسلطان الجديد مولاي عبد الحفيظ عام 1908 وتنازل مولاي عبد العزيز لأخيه حقنا للدماء، ومبادرة منه في العمل على حفظ الاستقرار الداخلي لمواجهة الخطر الأجنبي الذي صار يستفحل يوما بعد يوم.
وقد بويع مولاي عبد الحفيظ بيعة مشروطة بإبعاد الخطر الأجنبي عن الغرب، واسترجاع ما اغتصبه الأجنبي من حدوده، مع تطهير الإدارة المغربية وإحداث مجلس شوري يمثل الأمة والعمل على إلغاء شروط مؤتمر الجزيرة الخضراء التي أعطت للأجانب حق التدخل في شؤون المغرب. وإن كان ولابد من اتحاد أو تعاون فليكن مع الخلافة العثمانية الإسلامية ومع الدول الإسلامية المستقلة (عبد الرحمن ابن زيدان: إتحاف أعلام الناس. ج1. ص 449 ط 1347-1929) لكن الظروف المتأزمة التي جلس فيها على العرش لم تساعده على إنجاز ما تعهد به. وانفجرت الثورة الشعبية من جديد ضد الوضعية المتدهورة في البلاد، خاصة بعد الاتفاق الفرنسي الألماني عام 1911 الذي تخلت بموجبه ألمانيا عن معارضة فرنسا في التدخل في شؤون المغرب.
رسالة تاريخية للمولى عبد الحفيظ بخطه وإمضائه تفضح معاملة رجال الحماية الفرنسية له رحمه الله على إثر هذا الاتفاق الخطير، بادر السلطان بتقديم مذكرة بالغة الأهمية إلى وزارة الخارجية الفرنسية جاء فيها ما نصه: "إن شرف الإمبراطورية (المغربية) واعتبارها، واحترام تقاليدها، يلزم أن يبقى كما كان في الماضي كاملا غير منقوص، بحيث لا يمس بحال من الأحوال. والحكومة الفرنسية لا تجهل أن السلطة الحاكمة لم تزل موضوعة بين أيدي العائلة العلوية منذ أربعة قرون، فلابد من أن تحفظ لها هذه الحرمة. واستلفت نظر الحكومة الفرنسية إلى الحقيقة الواقعة، وهي أن المغرب منذ الفتح الإسلامي لم ينضم إلى أية دولة أجنبية كمستعمرة من المستعمرات. وأنه منذ ثلاثة عشر قرنا لم ينقطع عن التمتع باستقلاله التام. ولهذا السبب نفسه لا يمكن أن تعتبر الإمبراطورية الشريفة في المستقبل أرضا مستعمرة" (محمد داود: مجلة السلام عدد 4 شهر يناير 1934) ولعل هذا النص يوحي بما شعر به مولاي عبد الحفيظ من سوء نية فرنسا نحو المغرب وأنه وضعها أمام مسؤولياتها المستقبلية.
* * *
نعم كان السلطان قد فتح محادثات مع الحكومة الفرنسية لدراسة الوضعية المغربية، وحيث كان المغرب يحتاج إلى تنظيم عسكري عصري لإقرار الأمن الوطني وخاصة في مدينة فاس عاصمة المملكة التي كانت مقرا للبعثات الديبلوماسية الأجنبية، فقد أعربت فرنسا عن استعدادها لتقديم مساعداتها للسلطان في هذا المجال. ولم يعارض عبد الحفيظ هذا الاقتراح بعد تعهد فرنسا بالمحافظة على استقلال البلاد واحترام نفوذ السلطان. فجاءت فرقة من الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال موانيي إلى فاس، قادمة من الدار البيضاء التي سبق للجيش الفرنسي أن نزل فيها عن طريق البحر عام 1907 بحجة حماية الرعايا الأوربيين والقنصليات الأجنبية وفي المقدمة القنصلية الفرنسية. وتطبيقا السياسة التعاون الفرنسي الإسباني في قضية المغرب فإن بارجة حربية اسبانية جاءت من الجزر الخالدات (كنارياس) وأنجدت الفرقة الفرنسية بفرقة عسكرية اسبانية زيادة على تحطيم المدينة بقنابلها. وتقرر عدم جلاء القوات الفرنسية الاسبانية عن الدار البيضاء إلا بعد تكوين جيش مغربي منظم قادر على إقرار الأمن وحماية المصالح الأجنبية.
وقد اغتنمت الديبلوماسية الفرنسية وجود الجيش الفرنسي في فاس في إطار التعاون العسكري المغربي الفرنسي في فاس في إطار التعاون العسكري المغربي الفرنسي فأشاعت بأن السلطان طلب من فرنسا بسط حمايتها على المغرب. فبادر عبد الحفيظ بتكذيب الإشاعة على لسان وزير خارجيته الحاج محمد المقري، ونشرت وكالة الأخبار الفرنسية (هافاس) تصريح الوزير المغربي بأنه "يكذب تكذيبا قاطعا الإشاعة القائلة بأن السلطان عبد الحفيظ طلب من فرنسا بسط حمايتها على المغرب، وأن جلالته مغتبط بالمعونة التي قدمتها فرنسا إليه، لكنه يعلن في نفس الوقت عن استمرار العلاقات المغربية الفرنسية على أساس معاهدة الجزيرة الخضراء، (السلام عدد 4 يناير 1934) ومعلوم أن معاهدة الجزيرة تعترف للمغرب باستقلاله وسيادته ووحدة ترابه.
* * *
لكن الديبلوماسية الفرنسية استغلت ظروف تحول قيادة الجيش الفرنسي في فاس من وضعية التعاون العسكري إلى وضعية الإرهاب ومحاصرة السلطان، فأوفدت السفير (يوجين رينو) لمحاولة إقناع السلطان بفكرة معاهدة الحماية في محادثات طويلة كان يقوم بدور الترجمة فيها قدور بن غبريط الذي كان يحظى بثقة السلطان. غير أن جلالته لم يقتنع بنظيرة الحماية وعارض بشدة، بل هدد بالاستقالة أمام إصرار السفير الفرنسي على إقناعه بوجهة النظر الفرنسية. وأمام هذا الموقف ندرك قسوة الإكراه الذي مارسته الديبلوماسية الفرنسية على مولاي عبد الحفيظ معززة بالقوة العسكرية المرابطة في فاس.
كان السفير رينو يقدر أن استقالة السلطان إحباط لمهمته الاستعمارية، ولذلك مارس كل الضغوط لبقائه في الحكم مع مواصلة المحادثات في موضوع الحماية. ودامت جلسة يوم 29 مارس 1912 ست ساعات (من 6 مساء إلى 12 ليلا) بالقصر الملكي بفاس. وفي صباح 30 مارس تم توقيع معاهدة الحماية في ظروف غامضة وفي جو يشعر بالإكراه والابتزاز. وقد أعرب عن ذلك الكاتب الفرنسي (روبير رينار) فيما نقله عنه الكاتب الإنجليزي (روم لاندو) في كتابه (تاريخ المغرب في القرن العشرين – ط 2) قال: "إن السيد رينو قاد هذه المفاوضات المضنية باللجوء إلى الوعد مرة وإلى الوعيد أخرى، وبفضل أسلوبه هذا انتهت المفاوضات التي طال أمدها بالنجاح وتوجت بتوقيع المعاهدة" (ص 108)
* * *
وما أن علم الشعب بالخبر المشؤوم حتى انتفض انتفاضة عارمة وخاصة في فاس أثناء شهر أبريل عامه. فقوبل من طرف الجيش الفرنسي بمنتهى الوحشية والقمع والإرهاب. واحتج السلطان على ذلك في مناقشات طويلة مع (الجنرال ليوطي) أول مقيم عام فرنسي بالمغرب الذي أدرك أن السلطان غير مستعد للتعاون معه على تطبيق المعاهدة، مما جعله يهيئ الظروف لقبول استقالة مولاي عبد الحفيظ الذي لم تطاوعه نفسه على التعاون مع النظام الجديد. فغادر السلطان مدينة فاس يوم 6 يوليوز متوجها إلى الرباط تمهيدا لتنازله الاختياري عن العرش لأخيه الأمير مولاي يوسف بن الحسن الأول يوم 12 غشت 1912 وهو اليوم الذي بويع فيه جلالة السلطان مولاي يوسف رحمه الله بيعة شرعية في مدينة الرباط التي صارت عاصمة إدارية للمملكة المغربية بدلا من مدينة فاس التي احتفظت بشهرتها كعاصمة علمية.
* * *
وانتقل مولاي عبد الحفيظ إلى مدينة طنجة ثم إلى فرنسا، وأدى فريضة الحج سنة 1913، ولما أعلنت الحرب العالمية الأولى استقر في اسبانيا إلى سنة 1925 ولم تسمح له فرنسا بالعودة إلى طنجة، فأقام في فرنسا إلى وفاته رحمه الله سنة 1937 فنقل جثمانه في باخرة (جنة) إلى الدار البيضاء ومنها إلى فاس في قطار حديدي خاص، حيث أقيمت له جنازة رسمية رهيبة حضرها المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، ودفن بضريح جده مولاي عبد الله بن إسماعيل بفاس.
* * *
وقد استنتجنا من سلوك الرصين ومواقفه الجريئة أنه أكره على إمضاء معاهدة الحماية إكراها، ولم يبق له اختيار أمام الحصار والإكراه إلا الإمضاء. وعلينا أن نتفهم المعنى الشرعي للإكراه، يقول القاضي ابن العربي: "المكره هو الذي لم يخل بينه وبين إرادته، ويكون الإكراه بالقول أو بالفعل أو بالتهديد. والمكره معذور في الدنيا، مغفور له في الآخرة" (أحكام القرآن ج 3 ص 1177 بتحقيق علي محمد البجاوي) وفي الحديث الشريف: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (رواه ابن ماجة عن أبي ذر الغفاري. والطبراني والحاكم عن ابن عباس، والطبراني أيضا عن ثوبان الهاشمي. وأخرجه ابن حجر في بلوغ المرام. والسيوطي في الجامع الصغير وقال صحيح) ولا حجة لمن وسمه بضعف الإرادة، وقد كان متصفا بالحزم والنباهة وتوقد الذهن، ولكن لا حيلة له ولا لغيره أمام المد الاستعماري في أوائل القرن العشرين.
* * *
وقد أمعنت الحكومة الفرنسية في مضايقة واضطهاد مولاي عبد الحفيظ بعد تنازله عن الحكم انتقاما منه فيما سلف من مواقفه الجريئة في معاضرة نظام الحماية المفروض، ومحاولة إقناع الساسة الفرنسيين بالعدول عن فكرة الحماية إلى معاهدة تعاون بين الدولتين المغربية والفرنسية في إطار استقلال المغرب وسيادته، وذلك هو الذنب في نظر فرنسا التي آخذته به بعد تمكنها من بسط نفوذها على البلاد، فكان موقفها المتوتر نحوه عقابا سياسيا مارسته بأساليب توحي بالكراهية والحقد نترك وصفها للأمير في رسالة شخصية بخطه إلى صديقه بتطوان المرحوم أحمد الرهوني وزير العدل بتطوان سابقا. وفيما يلي نص الرسالة التاريخية:
"الحمد لله وحده صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه "محبنا الأعز الأرضي الفقيه العلامة الأحضى وزير العدلية بالثغر التطواني السيد أحمد الرهوني، سلام عليكم ورحمة الله.
"وبعد فقد تعين إعلامك بأن موجب مفارقتنا ثغر طنجة عندما ظهرت الحرب الأرباوية (1) القساوة التي عوملت بها، والإهانات التي تجرعت غصصها، ولم أزل مدة الانتقال من ذلك الثغر أتجرع ألم الهجرة، لأن شأنها عظيم، وانتظر انفراج الأزمة بانتهاء الحرب الأورباوية، ولما انتهت وخلصت قابت من قوب، وظن كل مبتل أن الفرج مرقوب، بادرنا بالكتب لرجال الدولة الجمهورية (2) أسألهم السلم والصفح عن الذنب الذي ما اقترفناه، بتركهم سبيل أهلنا يمكن لنا نقلهم للشام أو مصر لقربهما من الحرمين الشريفين، والتخلي عن أموالنا وحقوقنا، فلم يفتح الله بشيء. فجددنا الطلب مرارا فأجبنا شفاهيا لا كتابة بقبول العفو على شرط سكناي بباريز، فأجبناهم باستحالته شرعا، ومنافاته لقصدنا الأول من التخلية عن الملك، لا نالم نحد عنه إلا للتمتع بكمال الحرية، فلم يلق جوابنا آذانا مصغية. فطلبنا منهم رفع المسألة للشرع، فرفض قبول حكم الرفع. ومن ذلك تبين لي أنني أنفخ في غير ضرم، وإن سعيي لا يأتي إلا بما هو أطم.
"ثم وجهنا على أبنائنا بقصد صلة الرحم معهم، فأجبنا بالمنع، فظهر من ذلك أنهم أسارى وإن كانو في غير حرب، وبموجبه قطعت المسنونة التي أوجهها التي لكم حتى يتبين هل هم أهلي أم لا. ونفدت لهم من الدراهم التي استحقها بكوني من العائلة الملوكية وبالواجب الشرعية النصف ليكن لهم معه المعيشة.
"وأشهدكم وليبلغ الشاهد الغائب، لأن الله جعلكم "أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" (3) إنني ما أتيت بجريمة شرعية توجب استحلال مالي، ومفارقة أهلين وتزكي عرضة للضياع، لأني أقر لله بالوحدانية، ولرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة وكمال التبليغ، وفي الحديث "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" (4) وإني أحفظ حق القيام بالطلب فيما أخذ مني قبل وبعد، لأن سيادتكم كانت تسمع في التصريح بعدم القبول عند إلا شهادة على البيع وأبرأ من كل دعوى تجعل سلما لمنعي ما ذكر.
"وسأكتب لسائر المسلمين بالأنحاء بشرح هذه القضية، والقصد بيانها لا النكاية أوجب الانتقام، لا أنا أهل البيت وكل بنا البلا، كما علمتم. لأن الجامعة الإسلامية والأخوة الدينية تلزمني بالتصريح دون التلويح، وتبيح لي إظهار ما كان السبب في مفارقتي الأهل من غير ذنب يبيح. وأعلمناكم لئلا يبلغكم الخبر على غير وجهه ممن لهم الغرض في تحريف الكلم عن مواضعه وعليكم السلام ورحمة الله. في 27 ذو الحجة 1338 – عبد الحفيظ".
تلك هي الرسالة الحفيظة التاريخية البليغة، الغنية عن كل تعليق أو تعقيب. وللمتأمل فيها أن يرى كيف عامل الاستعمار الفرنسي شخصية سياسية سامية المقام بمنتهى الغلظة والفظاظة وعدم احترام شخصيته وحقوقه الإنسانية، بعد فرض معاهدة الحماية بطريقة تعسفية جبرية. فالمعاهدة كانت مفروضة فرضا كما قال المحامي الفرنسي الكاتب (بول بوتان) في كتابه (مأساة المغرب) قال: "لقد فرضنا المعاهدة على السلطان فرضا" وأكد كذلك روم لاندو في كتابه (تاريخ المغرب) فقال: "إن المعاهدة التي جعلت من المغرب حماية إنما فرضت على السلطان" (ص 97) وإذن فلو كان السلطان قد رضي بالحماية وركن إلى فرنسا واطمئنان إليها لنال منها خيرا كثيرا خاصة بعد انسحابه من الحكم.
* * *
والجدير بالذكر أن المولى عبد الحفيظ كان على جانب كبير من الثقافة. وبالرغم من انهيار الأوضاع السياسية فإنه ساهم في تنشيط الحركة العلمية وحركة التأليف والنشر خاصة. وفي هذا المجال طبع مؤلفاته الخاصة وهي:
- نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح
- كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع
- العذب السلسبيل في حل ألفاظ الشيخ خليل
- منظومة في مصطلح الحديث
- منظومة في الأصول: الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع
- منظومة في القضاء: ياقوتة الحكام في مسائل القضاء والأحكام
كما أمر بطبع مؤلفات هامة تعتبر من أمهات مصادر الثقافة الإسلامية تذكرها فيما يلي:
- شرح الخطاب على مختصر خليل، وبهامشه شرح المواق.
- أحكام القرآن للقاضي ابن العربي
- الإصابة لابن حجر، وبهامشه الاستيعاب لابن عبد البر
- شرح الأبي على صحيح مسلم
- المنتقى في شرح موطأ مالك لأبي الوليد الباجي
- بداية المجتهد لابن رشد الحفيد
- مشارق الأنوار للقاضي عياض
- الروض الأنف في السيرة النبوية للسهيلي
والملاحظ أن أغلبية المؤلفين المذكورين من المغاربة والأندلسيين. والملاحظ أيضا أن المولى عبد الحفيظ استعمل في رسالته السابقة الذكر عبارة "الجامعة الإسلامية" وهو تعبير لم يسبقه إليه في عصره أحد فيما نعلم إلا ما كان من دعوة جمال الدين الأفغاني إلى فكرة الجامعة الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر، وما كان من الجملة الواردة في وثيقة البيعة الحفيظة ونصها: "وإذا دعت الضرورة إلى اتحاد أو تعاضد، فليكن مع إخواننا المسلمين كما قال عثمان (أي الخلافة العثمانية) وأمثالهم من بقية الممالك الإسلامية المستقلة" وهي صيغة تشعر بإيمان الشعب المغربي مبكرا بنظرية الجامعة الإسلامية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحرب العالمية الأولى 1914-1918
(2) يقصد الجمهورية الفرنسية
(3) الآية 143 سورة البقرة
(4) حديث متواتر رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا نصه "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.