أخر الاخبار

البربر والعروبة

  حول عروبة البربر" كتاب يثبت عروبة الأمازيغ من خلال اللسان - اليوم ...

لم يلبث الرومان أن استولوا على الشمال الإفريقي، وقهروا الحضارة الفنيقية واستبدلوها بالحضارة الرومانية، فحولوا  المعابد (من معابد بعل إلى معبد (أبلون) وحطموا قرطاجنة وأقاموا على أنقاضها مدينة رومانية جديدة، ومن الحق أن نعترف أن أجدادنا البرابرة ضعفت شخصيتهم الأدبية طيلة عصر الرومان فتأثروا بآدابهم وثقافتهم إلى حد كبير، بل كان البرابرة من عظماء المفكرين الرومانيين، سواء في ميدان الأدب والسياسة أو في ميدان الدين، ومن الحق أن نعترف أن البربر في هذه الحقبة التي تقمصوا فيها مظاهر الشخصية الرومانية كانوا أقرب إلى الطبيعة والفطرة في النظام الاجتماعي، ونحن نعرف أن العرب فقدوا شخصيتهم بعد خروجهم من الجزيرة العربية، وإقامتهم بحوض دجلة حيث استولت عليهم الحضارة الفارسية وكذلك وقع لهم مثل هذا في بلاد الشام حيث تأثروا بالحضارة الرومانية، وقل ذلك بالنسبة لحياتهم في مصر وفي الأندلس أيضا : فلا يجوز والحالة هذه أن نلوم البرابرة على هذا الانسلاخ لأنه انسلاخ يكاد أن يكون عاما لدى الشعوب التي تفارق موطنها القديم وتترك عطنها الأول.

فالواقع التاريخي أن البربر تأثروا بالحضارة الرومانية بعد أن ظلت مسيطرة عليهم زهاء ثمانية قرون بواسطة الدين الكنسي والإدارة المحلية وأصبح البربر رجال هذه الحضارة سواء في الناحية الأدبية أو الناحية الأدبية أو الناحية السياسية أو الناحية الدينية. ونذكر من مظاهر هذا التأثر في مضمار الأدباء (تور توربان) وهو كاتب بربري مبدع ولد بقرطاج سنة (160-245) واهتم بالدراسات الأدبية، وله حملات ضد المسرح الروماني (وسيبريان)، وهو كاتب ديني تولى منصب أسقف بقرطاج، وعرف بإنتاجه الأدبي ومن مؤلفاته كتاب (الصبر) الذائع الصيت في الأدب الروماني حيث أن مؤلفه كان زعيما من الطائفة الدومينية وبت فيه أفكاره الفلسفية، (والقديس أوغسان) المولد بتا كست القريبة من سوق الأحراش مؤلف كتاب الاعترافات، والمؤرخ الكبير (فلو روس).
وفي ميدان السياسة يذكر التاريخ الروماني اسم كثير من القواد والرؤساء نخص منهم بالذكر سبنيون الإفريقي وغيره من القياصرة الرومانيين من ذوي السلالة البربرية.

على أن العهد الروماني ولى وخلفه عهد أشد حلكة منه وهو عصر الو ندال تحت قيادة جنصرين ثم عصر البيزنطيين الذين قاومهم العرب والبربر معا بعد الفتح الإسلامي...
وما كاد الإسلام يشع في الجزيرة العربية حتى خرجت جحافل العرب تبشر بالدين الجديد في مختلف الأمصار.
ففي خلافة عثمان بن عفان استأذن الوالي على مصر عبد الله بن أبي سرح الخليفة في فتح بلاد البربر سنة ست وعشرين فأذن له الخليفة في هذا الغزو وبذلك وقع الاتصال من جديد بين العرب والبربر.. وكان البربر متعاونين مع البزنطيين ولكنهم لم يكادوا ينهزمون أمام جحافل العرب وأن يعرفوا مغازي الفتح العربي حتى انقلبوا ضد البزنطيين وتعاون قليل منهم مع العرب، ومع ذلك قد استمر العراك بين العربي والبربري طيلة ولاية معاوية بن حديج وعقبة بن نافع والمهاجرين أبي دينار وحسان بن النعمان، ومن الملاحظ أن كثيرا من القبائل اعتنقت الإسلام ثم ارتدت عنه، وأن كثيرا من القبائل ثارت ضد الفتح الإسلامي ونقضت العهود ولكن هذا لا يدل على خلاف جنسي فقد ارتدت معظم القبائل بقيادة مسلمة بعد موت النبي، وإنما يدل على أن الإيمان لم تخالط بعد بشاشته القلوب.. وإن الإسلام ثورة اجتماعية وفكرية لا يتأتى لها أن تسيطر بسهولة ويسر سيما وآراؤه الاجتماعية تصطدم مع كثير من الأنظمة العتيقة لما تتسم به من تحرر وانعتاق، والمهم من هذا السرد هو الانتباه إلى مشكلة يسردها بعض المغرضين ذلك أن البربر قاوموا الغزو العربي، ومعنى هذا أنهم قاوموا العرب لصفتهم الجنسية ولأنهم غرباء عن فصيلتهم ولغتهم ويستنتجون من هذا أن هذه المقاومة لم تخفت في يوم من الأيام لأن العرب شرق والبربر غرب، ولن يلتقيا ولست أدري كيف يفسرون الحروب الداخلية التي اشتعلت في مختلف البلدان كحروب الثورة الفرنسية والحرب الأهلية الاسبانية فهل تعتمد على سبب جنسي أيضا ؟ فإذا كانوا يرون أن هذه الحروب هي نتيجة الصراع بين فكرتين متناقضتين فلا مانع لهم أن يفسروا سبب الحرب بين البربر والعرب بنفس التفسير، ما داموا باحثين منصفين بل إن بعض المغرضين –يتخذون من أدب العرب حجة على هذا الصراع الجنسي ذلك لأن الشعراء وهم المعبرون عن النزعة العربية هجوا البربر فقال خلف بن فرح :
رأيـت آدم فـي نومـي فقلـت لـه
                  أبـا البريـة إن النـاس قـد عملـوا
ولكنهم لم يذكروا إلا هاجي العنيفة التي استمرت طيلة العصر الأموي بين اليمنية والقحطانية ولم يعرجوا على قصائد جرير في قوم الفرزدق والأخطل... وغير ذلك كثير لا يمكن حصره، بل لم يذكروا قول يزيد بن خالد يمدح البربر :
إن قيســا قيــس عبــلان هـــم
                  معــدن الخيــر علـى الخيــر دلـل
حسبــي البربــر قومــي  أنهــم
                  ملكــوا الأرض بأطـــراف  الأمــل
والواقع أن النزاع العربي البربري هو نزاع أسروي يقع بين العربي وأخيه البربري وأن الشعر الهجائي لا يدل على شيء في هذا المضمار لأنه أقرب إلى الهزل منه إلى الحجة التاريخية والاستشهاد به في هذا الموقف بالذات سخافة ما بعدها سخافة.
لقد استطاع البربر في سهولة ويسر أن يتقنوا العربية إتقانا وأن يكون من بينهم طارق بن زياد الذي خطب أمام جحافل العرب والبربر قبل الانطلاقة الكبرى عبر البلاد الاسبانية وكان من بينهم سابق المطاطي شاعر الوعظ والإرشاد في دولة بني أمية في الشام، كما كان يحيى بن يحيى الليثي المصمودي أحد أئمة المذهب المالكي وراوي الموطأ عن الإمام مالك، ولقد أنس عقبة ابن نافع نواة الثقافة الإسلامية التي دامت في بلاد البربر وذلك يوم بنى (القيروان)، ومن المفيد أن أذكر أن هذه الكلمة من أصل فارسي تفيد معنى (المعسكر) وتطور المعسكر (الرباط) في عهد الوالي هرثمة بن أعين وأصبح عبارة عن مدرسة التكوين الإسلامي، حتى إذا وصل القرن الرابع الهجري كان الإسلام عم البلاد ولم يبق هناك أثر للنصرانية في بلاد البربر كلها (ومن الإنصاف أن نشير إلى حادثتين مهمتين وقعتا في هذه الفترة الأولى من تاريخ الإسلام بالمغرب العربي (أولهما) انتفاضة كسيلة البربري على عقبة بن نافع الفهري (وثانيتهما) ثورة ميسرة المضغ ري الخارجي، أما الأولى فلها تفسير بمسكلوجي ذكره المؤرخون العرب، فقد بالغ عقبة في إذلال القائد البربري كسيلة ولاحظ ذلك أصحاب عقبة فنصحوه ولكنه لن ينتصح، فكانت ثورة كسيلة انتقاما شخصيا من قائد يبالغ في الاستهانة به وليست ثورة عنصرية أو جنسية (أما ثانيتهما) وأعني ثورة ميسرة المضغ ري فقد كانت الخارجية قد انتشرت في بلاد المغرب بل أسست دولة خارجية هي دولة بني رستم في سلجماسة، وانضوى بعض البربر تحت لوائها ليحققوا آمالها في الحكم ويسترجعوا مكانتهم كقيادات، وصادف ذلك سوء تصرف الوالي عبيد الله ابن الحباب، فانتفض البربر تحت زعامة ميسرة، ولا يمكن أن نفسر هذه الانتفاضة بأنها انتفاضة عنصرية بقدر ما نرى المذهب الخارجي كان متنفسا لكثير من الناس الذين لم يقروا الخلافة في قريش سواء من العرب أو من العجم أو من البربر، كما يدل على ذلك تاريخ الحركة الخارجية، ويدل على بطلان هذه الدعوى تفشي الحركة الشيعية في المغرب تلك الحركة التي أمدت الفاطميين بعنصر قومي من الرجال والأفكار حتى تسنى لدولتهم أن تقيم خلافة كبرى تحل محل خلافة بغداد، فوجود الحركة الخارجية والحركة الشعبية في المغرب دليل قومي على تمركز الإسلام والعربية فيه، بحيث تأتي لهذه المذاهب الكلامية والسياسية والقانونية المنبثقة عن التفكير الإسلامي المحض أن تعمل عملها في بلاد البربر التي أصبحت بعد الفتح بلادا مسلمة العقيدة (سامية) (نسبة إلى العنصر المتساكن) والكلام على الحركة الشيعية في المغرب يدفعنا للتكلم على دولة الأدارسة التي كان بطلها من آل البيت، وهو المولى إدريس الأكبر الذي يمم جهة المغرب لإقامة دولة عربية فآوته القبائل البربرية، وبالأخص قبيلة عبد المجيد (يخطئ بعض المؤرخين فيقول عبد الحميد) (والغالب عبد المجيد بدليل وجود هذه القبيلة إلى يومنا هذا) حيث لعبت البربر دورا هاما في تأسيس هذه المملكة وكانت المرأة البربرية صاحبة الحظ الأسد في تأسيس هذه الدولة ككنزة أم المولى إدريس الأصغر والأميرة الحسنى زوجته التي كان لها ضلع في قيادة دولته كما في كتاب (الدرر النسبية)، ولم تكن الدولة الإدريسية في الواقع إلا محاولة موفقة لتركيز الإسلام والعربية والتهيئ لقيام إمبراطورية بربرية إسلامية لتلقيح هذا الشعب بمصل جديد حمله إليه عظيم من أعرق الناس عروبة وإسلاما، ويسوقنا الحديث عن الإمبراطورية البربرية لإلقاء نظرة على القبيلة البربرية العظمى التي اضطلعت بهذه المهمة الكبرى.  
فقد كانت تسيطر على أجزاء المغرب في بداية الحكم الإسلامي قبيلة عظيمة هي قبيلة صنهاجة، وكانت هذه القبيلة تنقسم إلى قسمين (صنهاجة شرقية) (وصنهاجة غربية) كما كان التنافس على أشده بينهما وكلاهما شعرا بدوره في توحيد المغرب تحت شعار امبراطورية إسلامية مغربية حيث تم انصهار العنصر العربي والبربري في بوتقة المغربية الإسلامية، وقد شاهد العصر الإدريسي هذا الصراع في أعنف صوره حيث تجرع أمراء هذه الدولة مرارة انهزام على يد العاهل الصنهاجي باديس الزيري الذي بنى مدينة (أشير) واحتل مدينة فاس غير أن انقسام الزيرين عاجل دولتهم كما هو مشهور في كتب التاريخ ولذلك لم يكن لهم في المغرب الأقصى بينما كان عبد الله بن ياسين يكون في تخوم الصحراء نواة الإمبراطورية الجديدة، ولا ينكر المؤرخون عروبة بني زيري الذين كان فيهم الكتاب والشعراء، وقد كتبت بحثا طويلا عن (تميم بن المعز) أحد ملوكهم الشعراء بلغة الضاد، أما صنهاجة الشرقية فإن تمسكها بالإسلام لا يحتاج إلى دليل وأن دولة كان مؤسسها عبد الله بن ياسين لا يمكن الشك في عروبتها وإسلامها فقد كان عبد الله بن ياسين زعيما روحيا وسياسيا لدولة الملثمين، وكانت نظريته الدينية دستورا لدولة المرابطين التي أسست في عصر الفوضى والانحلال لتقوم بإصلاح كبير وانقلاب حقيقي على أساس متين دينيا وأخلاقيا، لذلك كانوا نموذجا لسلامة الأخلاق والنزعة الدينية المستقيمة.
ودولة المرابطين هي أول دولة بربرية إسلامية أسست في المغرب، وأن إخلاصها العميق للإسلام والعروبة ليتجلى في موقف الخليفة يوسف بن تاشفين من الخلافة فقد لقب نفسه بأمير المسلمين بدلا من أمير المؤمنين تأدبا مع خليفة بغداد، واعترافا بدولته الكبرى وانطواء تحت شعار الخلافة الإسلامية بيد أن احتكاك هذه الدولة بالأندلس وحضارتها عقب انهيارها سياسيا واجتماعيا عجل دولة المرابطين بالانهيار لمخالفتها للدعوة الخلقية السامية التي أسست على مبادئها دعوتها.
وجاء الموحدين تحت قيادة المهدي بن تومرت ليواصلوا السير نحو توحيد المغرب عروبة وإسلاما مع سائر القطار الإسلامية الأخرى، ولكن المهدي بن تومرت جعل حدا فاصلا بين اللغة والدين.
فقد ذكر مؤلف الاستقصا أن المهدي بن تومرت أمر أن يكون النداء في الصلاة باللغة البربرية كما ذكر المراكشي في المعجب أن من التقاليد المتبعة لدى الموحدين أنهم يقرؤون عند ركوب الخليفة في المحافل توا ليف ابن تومرت باللسان البربري والعربي، وفي الحلل الموشية أن المهدي ألف للموحدين كتابا بالبربرية في التوحيد وفي القواعد، ويروي لنا صاحب القرطاس أن الموحدين تعصبوا للغة البربرية فكانوا لا يقدمون للخطبة والإمامة إلا من يحفظ التوحيد باللسان البربري. غير أن هذه المواقف التي اتخذتها الموحدين كانت للهيمنة على المشاعر الشيعية ونشر الإسلام الصحيح بين ظهرانيها، وبالفعل فقد مهدوا لانتشار العربية في المغرب بعد أن استأصلوا جرثومة العصبية، وطهروا قلوب المواطنين بتعاليم صافية خالصة، ومن سطحيات النقد التاريخي أن يعتبر الموحدون أعداء العربية بهذه اللفتات إلى الاعتناء بلغة التعبير، وإلا فكيف ينكر أحد من الناس تلك المحافل الأدبية أولائك الأعلام البرابرة في الأدب العربي، وتلك الحركة الفكرية المزدهرة في بلاطات الخلفاء والتي لم تكن وسيلة التعبير فيها إلا باللغة العربية الفصحى.
إن المهدي ابن تومرت وعبد المومن، والمنصور ألموحدي لم يكونوا خلفاء فحسب، بل كانوا علماء مفكرين بلغة الضاد، وأن الجراوي وابن حبوس وأبو الربيع سليمان وأبو حفص كانوا من عيون الشعراء وفطاحل الشعر العربي، ولم تكن دولة المرابطين ولا دولة الموحدين ولا دولة المرينيين بدول بربرية العنصر بل كانت دولا عربية تتكلم اللغة العربية وتحس إحساسا عربيا وكان كبار الموظفين من الوزراء والقضاة والقواد من أسر عربية ولم يكونوا يقيمون لهذه الاعتبارات الجنسية أي وزن بل كان المرابطون مطهرين للأندلس من عبث الإفرنج، ونهج طريقهم الموحدون والحفصيون فوحدوا البلاد ضد غارات الإفرنج كذلك ولم يكن بنو مرين أقل حماسا منهم في الدفاع عن حوزة الإسلام والعروبة يوم تحالفوا مع بني الأحمر أواخر القرن التاسع لصد هجمات الإسبان، بل إن أمراء البربر سواء كانوا مصامدة أو صنهاجيين أو زناتيين حاولوا أن يربطوا أصولهم بالعدنانية والقرشية وأسعفهم النسابون بكثير من ذلك وكفى أن يقول الشاعر الصنهاجي :
قــوم لهــم شــرف العــلا مــن حميــر
                  وإذا انتصبــوا صنهاجــة فهــم هــم
ويقول الشاعر المريني :
أيهـــا السائــــل عنـــــا أصلنــــا
                  قيــس عيــلان بنـــو العـــز الأول
 ولنــــا الفخـــــر بقيــــس  أنـــه
                  جدنـــا الأكبـــر  فكـــاك الكبــول
وكفى البلاط الموحدي اعتزاز بالعروبة ولغتها أن يطرق باب الخلافة طبيب غماري وشاعر جراوي وكلاهما من البربر فينكثا الخليفة على هذه المصادفة بقوله طبيب من غماره وشاعر من جراوة ويجيبه الشاعر الحاضر البديهة، وضرب لنا مثلا ونسي خلقه نعم نسى أنه خليفة بربري، ونسى الجميع أن البربر هم فصيلة عربية، وتعشقهم لهذا العنصر ليس إمارة من إمارات (مركب النقص) بل هو من شوق الحبيب إلى الحبيب.
ولكن الإمبراطورية الإسلامية الموحدية والمرابطية صكت آذان بعض المستشرقين قسماها بعضهم بالجماعة البربرية le Pana Berbérisme وتخليها إحياء الإمبراطورية ماسنيسا وغيره، ولكن زعما كهذا لا يحتاج للنقد والرد إذ من المعروف لدى من له أدنى إلمامة بالتاريخ مدى تمسك الموحدين والمرابطين بالعربية والإسلام، حيث وصلوا نسبهم بعرب الجزيرة وكانوا حماة الإسلام وتعاليمه يجلدون من يتناول الخمر أو من يحاول مس كرامة الإسلام، ويتناول خليفتهم عن لقبه كأمير المؤمنين لخليفة بغداد حفاظا على الجماعة الإسلامية المقدسة، ويطول بنا الحديث لو أخذنا نعدد الشواهد الدالة على عروبتهم وإسلامهم فليراجع كتاب مفاخر البربر الحافل بذكر إعلامهم في العروبة والإسلام، واستمرت الإمبراطورية الإسلامية المغربية طيلة عصر المرينيين والوطاسيين من بعدهم، وهم برابرة أقحاح يعتزون بالعروبة ويناصرونها ويتسابقون إلى قرض الشعر والتأليف بلغة الضاد، فمن منع هؤلاء وقد استتب لهم الأمر وضعفت سيطرة الخلافة بل انعدمت أن ينادوا بلغتهم البربرية كلغة رسمية كما فعل الفارسيون ببلاد الفرس ؟ والواقع أن البرابرة لم يعتقدوا قط أنهم عنصر غير عربي ولم يعتقدوا أن العرب دخلاء بل كانوا مؤمنين إن فتح العرب لبلادهم لم يكن استعمارا، ولم يكن غزوا وإنما كان تبشيرا وفتحا، ولذلك تآخوا مع العرب وتقاسموا الحكم وقادوا البلاد معززين اللغة مقيمين شعائر الإسلام، وقد تفتقت العبقرية البربرية طيلة عصر بني وطاس عن عباقرة البربر في اللغة العربية والثقافية الإسلامية حيث كان منهم الشاعر الملزوزي من قبيلة ملزوزة البربرية، والشاعر الكبير مالك بن المرحل المصمودي والأديب الكبير أبو شعيب الجزنائي والنحوي الكبير ابن آجروم الصنهاجي، والرحالة ابن بطوطة اللواتي وغيرهم من فطاحل الأدب وفرسان الشعر ويطول الموضوع لو أخذنا نعدد أسماء هؤلاء الإعلام.
وأعقبت عصر السعديين انتفاضات تلافاها المولى اسماعيل بكثير من الحزم حيث أنشأ نظام (اللف) كما في رحلة الزهو ني وأخذ يخلل القبائل البربرية ليتم الاتحاد والاندماج وقد وفق إلى ما أراد وأتم الله نعمته غير أن السلام لم يطل فقد هاجم الاستعمار بلادنا المسالمة الآمنة وكانت سياسة إحياء العنصرية البربرية أساسا للاستعمار الفرنسي الذي رمى بذلك إلى تكوين خلاف جوهري سلالي بين السكان المتجانسين ثم فصل المغاربة أجمعين عن الحركات الإسلامية في الشرق العربي، ولكن رد الفعل كان اعنف من الفعل إذ ثار العرب في المغرب وغيره، وثار البربر المغاربة ضد هذه السياسة وكانت هذه الثورة النفسانية عميقة شملت سائر الطبقات البربرية. وعما الظهير البربري على تقوية نظام (أزرق) ومقاومة الشريعة الإسلامية، فكان كثير من البربر يتجشمون المشاق ليتصلوا برجال الإسلام يلتمسون الفتيا فيما عن لهم من شؤون الدنيا والدين وشعارهم قول الشاعر القديم :  
عبيدة بن قيس العقي لي المتمسك بالوحدة العربية.
 ألا أيهــا الساعــي لفرقــة بيننــا
                  توقــف هــداك الله سبــل  الأطايــب
فاقســم أنــا والبرابــر أخــوة
                  نمانــا وهــم جــد كبيــر المناصـب
فنحــن وهم ركن منيـع  وأخــوة
                  علــى رغــم أعـداء لئــام المناقــب
كما كلف بعض المستشرقين أنفسهم مشقة اختراع حروف لاتينية لتؤدي الصوت البربري الذي لم تسعفهم به الحروف اللاتينية الغربية، وألفوا كتبا وقصصا بربرية، وتطوعوا ليعملوا البرابرة لغتهم. ولكن هذه الحركة باءت بالخسران، فإن البربر ازدادوا إيمانا بعروبتهم ووحدتهم، وحملوا السلاح في الجبال والأدغال والغابات، وعرضوا صدورهم لرشاشات المستعمرين يستعذبون الشهادة في سبيل الله، ويؤثرون الموت مسلمين على الحياة تحت سياط الاستعمار.. وكان أن حقق الله الأماني الغالية بتحرير المغرب وأعلن وزير العدل في حفل رسمي نهاية الظهير البربري وبذلك عاد السلام إلى بلادنا الوديعة بلاد العرب والبربر... وستظل هذه الأمة بلاد هاتين الكلمتين المتجانستين لفظا ومعنى. وستظل أرض افريقيا وفية للعروبة محبة للعرب متملية بقول الشاعر :
قالــوا لقــد بخلــوا عليــك أجبتهــم
                  يقضــي الجــوار علــى والأرحــام
قالــوا لقــد بخلــوا عليــك أجبتهــم
                  أهلــي وإن بخلــوا  علــى كـــرام
الأريحيـــة  والشهامــــة والنـــدى
                  فـي الأرض حيـث مضــارب وخيــام
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -