أصبح المغرب والأندلس في عهد المرابطين يشكلان مملكة واحدة، ولكن الظروف الاجتماعية والسياسية كانت تختلف في الأندلس عنها في المغرب. فإذا كان الجزء الجنوبي من المملكة يعيش في أمن وهدوء والحالة السياسية في أحسن ما يكون من الاستقرار فإن الحالة في الأندلس كانت تقتضي اتخاذ سياسة تختلف باختلاف العناصر التي تضمها الأندلس. فقد كان على المرابطين أن يسلكوا سياسة الحذر نحو النصارى المحاربين، وسياسة حماية مصالح المعاهدين، بالإضافة إلى الدفاع عن الأراضي الإسلامية. وإذن فقد كان للمغرب سياسة خارجية خاصة بالأندلس التي لم يكن في الواقع مجرد بلد تابع للدولة بل كانت تشكل نقطة الارتكاز التي تلتقي عندها سياستان عالميتان، إحداهما إسلامية مبنية على نشر الإسلام والحضارة والتسامح، والثانية صليبية تعمل على استعادة المسيحية إلى بلد كان يعتنقها قبل الإسلام.
وقد كانت غاية المرابطين من التدخل في الأندلس من البداية ضد النصارى بعد أن أدى بهم الحال إلى أن يضربوا الجزية على ملوك الطوائف ويغتصبوا طليطلة ويهددوا سرقسطة ويحتلوا عدة حصون وقرى. ثم أن هذا التدخل وقع بعد مساع كثيرة من ملوك الطوائف وبضغط من الفقهاء وتدخلهم الشخصي. فلم تكن للمرابطين رغبة في احتلال الأندلس التي لم يطئوا أرضها إلا بعد أن تولى يوسف بن تاشفين بربع قرن، وبعد أن سيطر على المغرب كله تقريبا بنحو عشر سنوات، حتى إذا كانت سنة 479هـ لم يشترط يوسف أي شرط مقابل تدخله، باستثناء تسليم الجزيرة الخضراء إليه ليجعل منها خط الرجعة وينسحب إذا لم يوفق في جهاده، كما يتخذ منها مركزا للتجمع. وقد انسحبت جيوش المرابطين بمجرد انتصارها على النصارى في معركة الزلاقة.
وقد ضل وضع ملوك الطوائف كما وجده يوسف بن تاشفين. ولكن هؤلاء الملوك لم يحاولوا الاندماج في مملكة واحدة. ولم تطب أنفسهم بهذه التضحية حتى أصبحوا يتقربون إلى الأعداء ويكيد بعضهم لبعض مما اضطر ابن تاشفين إلى الضرب على أيديهم جميعا سنة 483 و484 هـ بعد تحريض مستمر من الفقهاء أنفسهم.
ومنذ سنة 484هـ أصبحت الأندلس تابعة مباشرة للمرابطين الذين كانوا يعينون في وظائف ولاة أكفاء، وفي مقابل ذلك استوزر المرابطون شخصيات أندلسية وأشركوها في وظائف الحكومة. وأرجح أن هذا العمل كان يهدف إلى القضاء على كل فكرة عنصرية حتى لا تقتصر الدولة على الاعتماد على المرابطين وحدهم في شؤون الحكم، كما كان يهدف أيضا، إلى الاسترشاد بآراء وخبرة هذه الشخصيات فيما يتعلق بسياسة الأندلس، وإلا فإن المرابطين لم يكونوا عاجزين عن اتخاذ وزراء منهم. أما المبادئ التي قامت عليها سياسة المرابطين بالأندلس، فهي فيما يخص علاقاتهم بالنصارى:
- العمل على إنقاذه من الأراضي المغتصبة، وقد تمكنوا بالفعل من إنقاذ معظم الأندلس التي فشل علي في استردادها سنة 503هـ كما فشل في استرداد سرقسطة سنة 512هـ، وهكذا فقد كانت سياسة المرابطين سياسة دفاعية إنقاذية لا تهدف إلى الاغتصاب بعكس السياسة النصرانية.
- المحافظة على العهود سواء مع النصارى المحاربين أو النصارى المعاهدين.
- الاستفادة من خبرتهم الحربية بضم عناصر كثيرة منهم إلى الجيش الإسلامي. أما بالنسبة إلى المسلمين، فقد كانت سياسة المرابطين ترمي إلى:
- حماية مصالحهم والقضاء على الفتن الداخلية فيما بينهم.
- الاستفادة من حضارتهم التي كانت تتمثل في طريقة البناء والحياة الاجتماعية والحركة الفكرية. ومنذ عهد المرابطين بدأ تأثير الأندلس في المغرب يتجلى في كل هذه الميادين.
- احترام سلطة الفقهاء الروحية التي كانت ذات أثر عظيم في توجيه سياسة المرابطين. والواقع أن فقهاء الأندلس تمتعوا لدى المرابطين بنفوذ عظيم لم يتمتع به زملائهم في المغرب.
المغرب عبر التاريخ، إبراهيم حركات، الجزء الأول، نشر وتوزيع دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 1993.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.