الكرة الرودانية نسبة لمدينة تارودانت المغربية التي اخترعها العلامة محمد بن سليمان الروداني قبل ثلاثة قرون لمعرفة المواقيت و الأهلة و الجهات يظهر لأول مرة نموذج منها معروض الأن في المزايدة بقاعة كريستي بلندن و قد قارب ثمنها المليار دولار و لم ترس بعد المزايدة على أحد قطعة اخرى من تراثنا المغربي الخالد تتنافس عليها المتاحف العالمية
دار كريستي بلندن التي أسسها جيمس كريستي عام 1766م تقيم سنويا أكثر من ستمائة مزادا يهم أكثر من ثمانين فئة.
مفاجأتنا كانت كبيرة لًما علمنا أن الإسطرلاب الدائري الذي صنعه محمد بن سليمان الروداني بدار القضاء بالمدينة المنورة عام 1662م عُرض للمزايدة هناك داخل الدار سنة 2015م ضمن فئة (فنون العالمين الإسلامي والهندي) وقد قُدر ثمنه بملايين الدراهم.
والواقع أن الشوق يحدونا منذ زمن لرؤية هذه التحفة النادرة المعروفة في المشرق بالكرة الرودانية، نسبة إلى الروداني، العالم اللغوي والفقيه الرباني والرياضي الفلكي الذي برع في العلوم الشرعية والعلوم الكونية، وكان له فيهما صيت ذائع، شهد به تلامذته ومعاصروه وكل من وقف على إنتاجاته العلمية، وصنائعه الدقيقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في سياق هذا الحدث الكبير الذي اهتزت له مشاعرنا ونحن نرى تحفة فنية من صنع عالم مغربي روداني، تباع في كبريات دور المزاد العلني خارج الوطن : ما قصة هذه الكرة العجيبة التي تبوأت مكانة عالية ودرجة رفيعة في مصاف الاختراعات العلمية التاريخية، حيث كان لها وقع خاص في تطور علم الفلك، ولا زالت تحصد اهتماما متزايدا من طرف العلماء والباحثين لأزيد من ثلاثة قرون ونصف؟
هي كرة فلكية دقيقة تسمح بتحديد الجهات، وتقدير الارتفاعات، ومعرفة التوقيت في سائر البلدان، تغني عن كثير من الحسابات والآلات الهندسية، وقد ألف الروداني رسالة يشرح فيها استعمال هذه الآلة سماها (الناقعة على الآلة الجامعة) توجد نسخة منها ضمن مجموع بالزاوية الحمزاوية، جاء في مقدمتها:
(أما بعد فإن من فيض سنن الله التي لا تحصى، و إغداق أوابل مواهبه التي لا تستقصى، أن ألهمني لوضع آلة يستفيد بها - إن شاء الله في علمي الهيئة والتوقيت - من القاصرين أمثالي، و يجمع بها ما تفرق في جميع الآلات من أعمال الأيام و الليالي، ومن أحاط بها علما أغنته عن المجسطي في التعليل و البرهان، لأنه غيب و هي شهادة و ليس الخبر كالعيان)
كما أشار تلميذه أبو سالم العياشي الذي لازمه سنة كاملة بالمدينة المنورة في كتابه ماء الموائد، أوصافا عديدة لها .. منها قوله (ومن ألطف ما أبدعه وأدق ما صنعه وأجل ما اخترعه، الآلة الجامعة النافعة في علمي التوقيت والهيئة، ولم يُسبق إلى مثلها، ولا حاذى أحدا على شكلها، ابتكرها بفكره الفائق وصنعه الرائق).
إلى أن قال (وحاصل القول فيها، أن الوصف لا يكاد يحيط بها، ولا يعلم قدرها ومزيتها إلا من شاهدها وكانت له معرفة بالعِلمين، فيرى ما يذهل الفكر ويحير النظر)
ولما شاع ذكر هذه الآلة عند الناس - يقول العياشي – تنافسوا في اقتنائها، ولا يقدر أحد على إتقانها إلا هو، فكان يبيع الآلة منها بثمن غال، وطلبت منه بيع واحدة فأبى البيع ووهبها لي جزاه الله خيرا.
إنه مهما قيل عن الكرة الرودانية، فإنها تبقى شاهدة على حضارة ولت، كرمز للعطاء الحضاري الذي ينبغي أن يبقى متجددا في أذهاننا وواقعنا .. ولن يتأتى ذلك إذا لم نتحمل مسؤوليتنا الجسيمة تجاه أجيالنا الصاعدة فهما للتاريخ الذي يلقي بظلاله على حاضرنا ومستقبلنا .. وكم وددنا لو صنع مجسم لهذه الكرة بباحة ثانوية ابن سليمان الروداني العتيدة أو بإحدى ساحات مدينة تارودانت الخالدة.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.