أخر الاخبار

حول البرنامج النووي المغربي



عبد الحميد العوني “الأسبوع”

رفعت المخابرات الأمريكية السرية عن وثائق حساسة للغاية تحت الرقم “نيسا 85ـ10023 ـ سين” مؤرخة في 1985 تخص دورة الوقود النووي التي توصل إليها العراق، وكيف شارك المغرب في تمرير تكنولوجيا دقيقة عبر أراضيه وتسهيل مخابراته لهذه المهمة، لأن الرئيس صدام حسين تأكد أن جده الصقلي الفاسي، الحسيني النسب، زار المراقد في العراق، وانقطعت الطرق عنه نتيجة حملة نابليون على مصر، فاستقر في تكريت.

وساعد المرحوم الحسن الثاني في تأكيده والعلويين المغاربة على النسب الحسيني للرئيس العراقي الراحل، فازداد تعلق الطرفين ببعضهما البعض وتشاركا هذا السر عبر مخابرات البلدين، للاستفادة من التكنولوجيا النووية الغربية عبر قنوات سرية عملت عليها بغداد والرباط معا في فريقين مختصين، وكادت أن تودي بحياة الحسن الثاني وصدام حسين في 18 يناير 1983.

وجاءت البرقية “السرية جدا” واضحة بالقول: إن البرنامج النووي العراقي هو برنامج نووي مغربي، وأن الرسوم ووسائل الصيانة العالية على أرض مجهزة في وجدة والمعمورة قبل الشحن الجوي الذي كشفه عملاؤنا في العاصمة طرابلس.

وقامت المخابرات الأمريكية بعملية خاصة ومزدوجة بوجدة وغابة المعمورة دمرت خلالها قدرات نووية حساسة في 11 يناير 1983، وهو ما دفع الحسن الثاني إلى أبعاد الدليمي لفشله في حماية “الأمن القومي المغربي”، أو تورطه في الانقلاب الذي أعدته أمريكا في وقت متزامن ضد الحسن الثاني وصدام حسين في نفس الشهر من سنة 1983، ورغم هذه الضربة، وفي أقل من 18 شهرا من هذا الحادث، أعلنت مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية عن وصول العراق إلى دورة الوقود النووي بشراكة المغرب، لأن الملك الحسن الثاني رفع من تورطه في هذا المشروع بعد المساعدة الفرنسية للجانبين العراقي والمغربي، وانكشاف رغبة “السي. آي. إي” للمرة الثانية في التخلص من الملك الراحل.

المعلومات التي استقتها إسرائيل عن المفاعل النووي العراقي من عناصر مزدوجة في المغرب، عملت لصالح تل أبيب
كان مهما في سنة 1981، بعد تدمير تل أبيب للمفاعل النووي الرئيسي في العراق، معرفة كل التسهيلات إلى جانب القدرات والمهارات، وقد خطت تل أبيب تقريرا من 25 صفحة عن التسهيلات المغربية التي قدمها الحسن الثاني الذي أشرف شخصيا على تفاصيل هذه المهمة، لكن “الموساد” وصلت إلى كل المعلومات عن طريق عناصر مزدوجة في المغرب عملت لصالح المخابرات الإسرائيلية.

ورأت “السي. آي. إي” الخلاصات التالية:

1) أن تمدد المصالح الأمنية العراقية، عبر البرنامج النووي إلى المغرب، أمر غير مقبول، وغطى الحسن الثاني، أمير المؤمنين من السنة، الحرب على الشيعة، بتكفير قائد الثورةالإيرانية الخميني.

واجتمعت بغداد والرباط حول هذه النقطة امتدادا للمغرب عبر العراق إلى الخليج استفادة من النفط وتكريره، إذ ساهم صدام حسين من ماله الخاص في بناء “لاسامير”.

2) أن المغرب والعراق أنشئا نطاقا عربيا بعيد المدى وشاركا في حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، بما يؤهل لحرب عربية جديدة ضدها.

3) أن الحسن الثاني أراد ملء الفراغ الذي تركه شاه إيران بالنسبة لمصالح أمريكا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن إسرائيل اعترضت، لأن الملك المغربي حاربها في 1973.

4) أن الحسن الثاني متورط شخصيا في مجهود الوصول إلى دورة الوقود النووي في العراق، وحرص أن تكون القنبلة النووية العراقية قنبلة نووية عربية تشمل الردع الشامل في المنطقة، كما تشمل سحب البساط من تحت تحالف بين دمشق والجزائر العاصمة، ساهم في تصنيع قنابل كيميائية وبرنامج متقدم لم تتخلص منه إسرائيل إلا بعمليات من “الموساد” في الحرب الأهلية السورية انتهت بالإشراف الدولي، والروسي تحديدا، على تفكيكه بشكل كامل.

وساعد المغرب صدام حسين في 64 في المائة من شراءاته في السوق السوداء، خصوصا في صفقة 14 يونيو 1980، واستطاعت المخابرات المغربية الوصول إلى تكنولوجيات فرنسية وأوروبية متقدمة وتمريرها خارج مراقبة الجمارك بطريقة دقيقة، ومرات واسعة النطاق، وبنسبة تصل 78 في المائة على كل التقنيات ذات الاستعمال المزدوج الموجه نحو مركز “تويتة” النووي.

وفور هذه العملية المركبة، قررت الولايات المتحدة وضع الدول العربية المعتدلة تحت نفس معايير المراقبة المشددة الموجهة ضد المحور المنافس (الصمود والتصدي)، ووحدت واشنطن عمل مخابراتها في مطاري بغداد والدار البيضاء، لأن المخاطر العشرة التي جدولتها “السي. آي. إي” تعود إلى:

1) أن المغرب قد يحصل من السوق السوداء على كل التكنولوجيا النووية العراقية في 60 يوما فقط، ويمكنه أن يشغلها، غير أن الحسن الثاني لم تكن لديه أي ثقة في أجهزته لتعاون أغلب قادتها مع مخابرات دولية، وفضل دعم برنامج متكامل في العراق يستفيد منه المغرب “في كل وقت مناسب”، كما يشكل تحديا للمخابرات الجزائرية، وأي مخطط غير تقليدي في حرب ثنائية بين الرباط والجزائر العاصمة.

2) أن 78 في المائة من تكنولوجيا الوقود النووي في السوق السوداء تحت معرفة المخابرات المغربية.

3) أن 82 في المائة من الوسطاء الأوروبيين في البرنامج النووي العراقي تحت معرفة العاصمة الرباط.

4) أن 92 في المائة من الوسطاء الأوروبيين، ممن لديهم ارتباطات ومصالح على الأرض الأمريكية، قدموا تكنولوجيات إلى البرنامج النووي العراقي، تحت نظر ورصد جهاز واحد من أجهزة المخابرات المغربية.

5) تحول القدرات النووية الثانوية، منذ نونبر 1981، إلى قدرة رئيسية محملةعلى الصواريخ تحت أنظار الغرب، ولذلك قررت واشنطن منع المملكة من التسلح بالصواريخ البعيدة المدى، خوفا من نقل هذه التكنولوجيا إلى المغرب وتدمير التوازن في المنطقة، خصوصا مع الجزائر، ووافقت الرباط عن مضض على هذا الشرط الواضح وغير الرسمي من الجانب الأمريكي، وعوضه الحسن الثاني على الفور، ببناء جدار دفاعي في الصحراء يكون مقابلا لهذا التنازل، وساعدت إسرائيل في إنشائه، وضمنت واشنطن منع استهدافه من القوات الجزائرية التي كانت متهيئة لهذا الأمر، وجاءت مذكرات الجنرال الجزائري خالد نزار معززة للمعلومات الأمريكية ذات الصلة.

6) أن المخابرات الأمريكية عرقلت إرسال وفد مغربي من الخبراء إلى مركز “تويتة”، وأراد الحسن الثاني زيارة لائحة من 6 خبراء مغاربة، منهم اثنان خارج تراب المملكة، لهذا المفاعل، ووصلت “الموساد” إليهم جميعا.

وحققت إسرائيل أهدافها بالإغراء والقتل، وحسب التقرير السري لـ”السي. آي. إي”، فإن القدرات النووية تؤكد أن المغرب تحرك تحت السقف الفرنسي، لأن باريس هي المقاول النووي الأول في العراق من جهة، ولأنها تدرك، من جهة أخرى، أن القوة النووية في العراق قادرة على صد الثورة الإيرانية.

وتبعا لتقرير سفارة أمريكا في العاصمة الفرنسية، فإن الاتفاق الفرنسي العراقي في 1976 لبناء مفاعل “تويتة” رفضت بعده باريس بناء هذا المفاعل العراقي على شاكلة المفاعل الفرنسي المستخدم في البرنامج العسكري.

وجرت تجارب محلية لاستخراج البلوتونيوم من الوقود المستهلك، ونجحت أجهزة المغرب في التزويد ونقل وتطوير هذه التقنية من خلال معرفة العاصمة الرباط بمهندسين نوويين فرنسيين.

وكانت الأمور أكثر سهولة في نقل التقديرات التقنية إلى صدام حسين عن طريق ديوان الملك الحسن الثاني، وهو ما جعل محيط الرجلين تحت مراقبة شديدة من “السي. آي. إي”.

لقد لعبت المملكة بشكل جيد، تحت سقف باريس، دورها في دعم الملف النووي العراقي، والوصول مع تحدياته إلى تعريض العلاقات المغربية الفرنسية للخطر في عهد ميتران، وأوقفت “السي. آي. إي” مهام مكتبها بمدينة الدار البيضاء.

وتبعا لتفاصيل هذه الخلفية، فالمسألة النووية جعلت العلاقات الفرنسية المغربية تدخل مرحلة جديدة، انتهت بإبعاد خلية من 4 ضباط مغاربة من التنسيق بين باريس والرباط وبين العواصم الثلاثة: واشنطن، باريس والرباط.

7) المغرب من قدم استفسارا لموسكو عن المساعدة التقنية للبرنامج النووي العراقي، وحاول الحسن الثاني حمل تطمينات صدام حسين للاتحاد السوفياتي، لكن المحاولة باءت بالفشل، للقول أن المشروع غربي، والغرب يرغب في تسقيف الطموح النووي العراقي، ولا يمكن بناء نموذج عراقي عن نموذجين، وقد خاطب الملك الراحل نظيره السوفياتي بالقول: “إنه مشروع مغربي نقلناه إلى العراق كي لا تدخل الجارة الجزائر معنا في حرب، أو ندخل في سباق نووي قد ينتهي بمواجهة عسكرية، والمغرب يريد قدرات، ويعرف كيف يستثمرها في الزمان والمكان المناسبين”.

وتذكر الوثيقة، أن الطريق السريع إلى البلوتونيوم بدأ منذ سنة 1960 مع الاتحاد السوفياتي، وقد عقدت الأحداث مواصلته في 1974، بعد التفجير النووي في الهند في ماي من نفس السنة، وأيضا تقديم المساعدة الأمريكية الواسعة لشاه إيران بإنشاء قدرة نووية جديدة في بلاده عبر مجموعة مفاعلات، وضاعف العراق أربع مرات التمويل في مقابل طهران للحصول على نفس التقنية.

ومن المهم، الإشارة إلى مهمة المغرب الذي ساهم في دعم الشاه في هذه القدرة تحديدا، وبعد الثورة عليه، حول تجربته إلى دعم العراق، وقد استوطنت الدار البيضاء أربعة مكاتب لـ”الوساطة النووية”، إذ حافظ الحسن الثاني على تعدد هذه الشبكات للوصول إلى “تجزيء مفاعل عسكري وحمله وإطلاقه من تكنولوجيا كاملة عبر السوق السوداء”، قبل أن يوافق ملك المغرب على “استضافة بواخر الناتو وكل غواصاته النووية” في وجدة مقابل قاعدة “وهران” البحرية.

وتدخل صدام حسين لدى الحسن الثاني مرتين لتأجيل هذا القرار، وفعلا ألغى الملك الراحل نواة نووية في وجدة، وقام الرئيس العراقي بتمويل احتفاظ المغرب بنسخة من كل ما يشتريه العراق من التكنولوجيا النووية، وبعد ضربة إسرائيل لمفاعله النووي، نقل النسخة من المغرب بنسبة وصلت 87 في المائة، واستعاد المفاعل عمله كاملا في 6 شهور و4 أيام فقط، وهذا بفضل وديعة الحسن الثاني، رغم الضربة الأمريكية لـ 11 يناير.

لم يكن في نظر المخابرات الأمريكية أن المشروع النووي العراقي، مشروع خالص للعراقيين، إذ شاركهم المغرب في كل تفاصيله، فهل الأمر يتعلق بعمل للمناورة قام به الفرنسيون لأنهم العرابون الحقيقيون للنووي العراقي، أم أن القرار قاده الحسن الثاني؟

طرفا المعادلة: الشهود والوثائق، يؤكدان، على حد سواء، أن دعم الحسن الثاني لم يكن مناورة الفرنسيين في بيع تكنولوجيتهم للعراق عبر بلده المغرب كي لا تقلق واشنطن، ولا يصطدم الحليفان الغربيان، وهو ما نجده بشكل ملتبس من قول “السي. آي. إي” أن الفرنسيين كانوا سادة المشروع العراقي، وأن المغرب ساهم بتكنولوجيا ثانية لدعم تجارب ميدانية بخصوص دورة الوقود النووي.

ولم يكن ممكنا للسعوديين القول بأن قنبلة العراق قنبلة إسلامية، لكن الحسن الثاني أعلن هذا التوصيف، ونقلته “السي. آي. إي”، إذ منح للطرفين غطاء لتكفير الخميني لم يتجرأ عليه أي عراقي أو سعودي لوجود شيعة في البلدين.

ومن خلال التسهيلات التي مرت من كل مطارات المملكة، وفي 90 في المائة مطار الرباط سلا، ساد الثأر في علاقة الجميع، تقول وثيقة “السي. آي. إي” الرئيسية حول البرنامج النووي العراقي والمنشورة في سنة 2010 بعد مرور 7 سنوات من إعدام صدام حسين وعقد كامل من وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، ومن المهم أن نعرف أن العراق دفع 4 مرات أعلى من أثمنة السوق لاكتساب تكنولوجيا الوقود النووي، وبهذا التفصيل، أي 50 في المائة إضافية لكل معاملة تحت الإشراف الفرنسي و50 في المائة أخرى إن كانت عبر المغرب أو بمشاركة مغاربة:

ـ 100 في المائة على النسخة المحفوظة في المغرب.

ـ 50 في المائة على التخزين وباقي الشروط التي توفرها المملكة لهذه التكنولوجيا.

ـ 200 في المائة إن كان مصدرها أمريكي.

واستفادت فرنسا في استخراج البلوتونيوم من صفقة جرت بوساطة الحسن الثاني بزيادة 300 إلى 350 في المائة، خلال البنود الثانوية المرافقة للمشروع.

8) اختلف الحسن الثاني وفرانسوا ميتران، بعد قيادة باريس محادثات ثنائية مع العراق عبر الجزائر التي أشرفت في وقت سابق على اتفاق بين الأكراد وبغداد، فغضب ملك المغرب، لأن هذه الخطوة تستهدف عرشه وموقعه الشخصي في المعادلة.

ووصل خلاف الحسن الثاني والرئيس الفرنسي، بسبب نشر كتاب جيل بيرو حول “أسرار القصر العلوي”، إلى انحياز باريس، عبر زوجة ميتران، إلى استقلال الصحراء، “إن واصل المغرب خروجه من الصندوق”.

وتوصل الجانبان إلى تفاهم جزئي جعل مخزن النسخة الثانية من التكنولوجيا النووية المسلمة للعراق، تحت أنظار المخابرات الخارجية الفرنسية، وعادت الأمور إلى مجاريها بوصول “الموساد” إلى كل التفاصيل داخل المغرب عن طريق المخابرات الخارجية الفرنسية دون تمتيعها بتسليم مباشر للمعلومات من باريس.

وتحمل الفرنسيون مسؤوليتهم بسبب اختراق أنظمتهم النووية لمرتين من طرف “الموساد” قصد تدقيقات محددة في البرنامج النووي العراقي، ووافقوا على معالجة محدودة للمركز النووي الرئيسي، واشتعل الخلاف مجددا بين الأطراف، بسبب عدم تمكن باريس من بيع العراق نفس الأشياء المدمرة، لوجود نسخة الاحتياطي في المغرب.

وفعلا، خسرت فرنسا توقعاتها بسبب الحسن الثاني الذي هدد، كرد فعل، بإطلاق مشروعه النووي، فتدخلت واشنطن لتجاوز الأزمة الكبيرة مع ميتران.

ولم يعرف الجميع إلى الآن سر الخلاف بين الحسن الثاني وميتران، و”الأسبوع” تنشره لأول مرة بكل تفاصيله الحذرة، لأن خسارة باريس لملياري دولار، كانت شديدة على قيادة ونخبة فرنسا.

ولرفع الغلاف المالي، اقترحت باريس بناء مركب مختبري على أراضيها للعمل وتسليم نتائجه إلى العراق.

ودافع صدام حسين على بناء هذا المختبر ضواحي بغداد، وفعلا، وقع الرئيس العراقي مع شركة “سنيا” الإيطالية اتفاقا على إطلاق هذا المشروع في فبراير 1983، بعد شهر واحد من المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين بقيادة “السي. آي. إي” ضد صدام حسين والحسن الثاني.

ولم تستطع المخابرات الأمريكية فهم لعب الحسن الثاني أو على الأقل فهم مربعات تحركه، لقد كان مناورا قد يخطئ في الحركة مرتين، لكن تجاه هدف صحيح.

وكانت فواتير الشركة الإيطالية في الشحن البحري المتعلق بأي تكنولوجيا مزدوجة، للاستعمال العسكري والمدني، أو التكنولوجيا النووية من منشأ مغربي، وهي عملية مركبة لإنجاح المشاريع الحقيقية والمبرمجة على الأراضي العراقية، وقد اعتمدت الشركة على الشركة المتعاقدة معها، وهي شركة مغربية، قبل أن تنقل عمليات الشركة الإيطالية إلى وسيط مباشر من خلال فرع في المغرب (دون أن تكون له وثائق رسمية).

وتشهد “السي. آي. إي” بأن التسهيلات التي قدمت للبرنامج النووي العراقي سمحت باكتمال دورة الوقود النووي في زمن قياسي قبل أي ضربة إسرائيلية، لأن الهدف هو الوصول إلى قدرة رادعة في المجال النووي تمنع المساس بالأمن الجوي والبحري والترابي للعراق.

وشملت هذه التقنيات إعادة تدوير نفايات الوقود النووي وتغطية معدل البلوتونيوم، وخوفا من المزيد من التعاون الإيطالي العراقي، قررت واشنطن نسف هذه الجسور بين روما وبغداد عبر مكتب “السي. آي. إي” في الدار البيضاء وعبر عناصر تابعة لمخابرات المملكة.

ولاحظ العراقيون تلاعبا في أثمنة المشتريات ساهم فيه إيطاليون، فتزعزعت الثقة في “القناة المغربية” القوية في هذا الملف، لأن “الموساد” أرادت تجاوز “عقبة المغرب”، فالمهم لديها هو تمرير التشويش عبر العاصمة الرباط للوصول إلى المشروع النووي العراقي، وواقعا، ضعفت التحفيزات، وأصبحت المسألة صفقات تجارية بدون روح، لأن العراقيين اتخذوا هذه القفزة مع الإيطاليين بعيدا عن استشارة الحسن الثاني، وقد تأكد لصدام حسين أن نائب رئيس الشركة الإيطالية قريب من “الموساد” الإسرائيلي، وأن الشركة ليست لديها القدرات التي تعد بها القذافي، لأن القذافي نفخ في قدرات الإيطاليين، ورد صدام حسين المسألة إلى الحساسية حول مشكل الصحراء بين الراحلين الحسن الثاني والقذافي، لكن رؤية ملك المغرب كانت صائبة، وتأثرت جراء هذه التطورات تفاصيل كثيرة في هذا الملف السري للغاية، إذ الضربات الموجهة كانت تحت القيادة المباشرة من “السي. آي. إي” ضد علاقة صدام حسين والملك الحسن الثاني.

لعبة الملك الحسن الثاني في الخارطة النووية

عندما زار رسميون إيطاليون العراق ومركزه النووي الرئيسي، لم يكن هناك بد من مهاتفة الحسن الثاني لصدام حسين، وأصبح النقاش عميقا حول من يتقدم على فرنسا في العراق.

وفي هذه الأثناء، توصل المغرب بأجهزة لقياس “الإشعاع النووي” من باريس، فكانت فرصة للعاصمة الرباط من أجل إعادة ترتيب الأوراق بين بغداد وفرنسا، وفي جلسات متكررة، تأكد الجميع أن وساطة القذافي “النووية” بين إيطاليا والعراق تتجاوز الخطوط المرسومة.

وعملت طرابلس على العراب الروسي لتمكين وساطتها من النجاح، وتبعا لهذه الحيثيات، كانت الاتصالات مقطوعة، واقترح القذافي تعاونا ليبيا ـ عراقيا- إيطاليا بدعم من موسكو، وهو ما رد عليه الحسن الثاني باتصال هاتفي غير مسبوق مع رئيس المخابرات السوفياتية قالت عنه المخابرات الفرنسية إنه فرصة لرسم الأفق الاستراتيجي، وما يجب على البلدين الحفاظ عليه، وهذه الخطاطة معتمدة إلى الآن مع فيدرالية روسيا.

من المهم، يقول القذافي، “أن ينجح المغرب في صنع قنبلة نووية، لأننا نريد قنبلة تمنع الاستعمار من العودة إلى هذه الدول ـ المغاربية ـ وحماية المنطقة من الخليج إلى المحيط، ما يحمينا هو حجم تصنيعنا لقنبلتنا النووية”، وتبعا لخلاصات “السي. آي. إي” فإن:

1) المغرب نافس القذافي كي يفصل البرنامج العراقي عن الليبي، وأيضا كي لا تكون طرابلس القوة الأولى في شمال إفريقيا راسمة للعبة الإقليمية ومؤثرة على قضية الصحراء، خصوصا بعد الدعم الإيطالي لجزء واسع من البرنامج الليبي والعراقي، والسعي الحثيث لروما من أجل دور معين في الخليج العربي.

2) أن المغرب أراد في مواجهة القذافي، إطلاق برنامج نووي مغربي.

وهكذا تشكلت لعبة الحسن الثاني في الخارطة النووية، وقد تنازل عن هذا المشروع الاستراتيجي مقابل ضمانة أمريكية بإدخال المغرب تحت مظلة “الناتو” النووية لحمايته من الشيوعية السوفياتية، وقد هددت واشنطن الجزائر في حال مساس جيشها بالجدار الدفاعي في الصحراء.

إن معادلة الجدار الدفاعي مقابل “المشروع النووي المغربي”، مسألة دقيقة في ترتيب الأولويات الأمنية في المنطقة المغاربية.

وفي عمق الحسابات التقنية، فإن العراق:

1) توصل إلى دورة الوقود النووي وإلى آلة متقدمة وعالية الأداء تعمل على قطع عناصر الوقود في أول مرحلة من التحويل، وانتقلت هذه الآلية بتجزئتها، إلى ثلاث مراحل، من المغرب.

2) أن العاصمة الرباط طلبت مختبرين إضافيين إلى جانب طلبات الإيطاليين.

3) أن المغرب اعتمد على التكنولوجيا المناهضة للإشعاع في تقديره لأي خطوة لبناء مفاعل نووي باستخدام مزدوج (مدني ـ عسكري).

4) أن خبراء عراقيين قدموا إلى المغرب لمناقشة الحدود التي يمكن الاعتماد فيها على مختبرات “سينا”، وتسلم المغرب 30 مليون دولار لأجل الصيغة الكيميائية لتخصيب اليورانيوم كما في المختبرات الفرنسية، وبقي الأمر حرجا لـ31 يوما، لأن روما رفضت الأسلوب المغربي المعتمد في الملف النووي العراقي، وحافظ صدام حسين على الدور الذي قاده المغرب إلى حين شن الضربة الإسرائيلية على المفاعل النووي العراقي.

وقرر الخبراء العراقيون الخمسة في لقاء الدار البيضاء، مطالبة إيطاليا بإنجاح مفاعلها لوقود النووي وصناعة اليورانيوم الطبيعي وتحديد الآليات لمفاعل يصنع البلوتونيوم.

وذهبت الورقة أبعد في عدم تركيز كل المفاعلات في العراق، ووافق صدام حسين على تمويل كامل لمفاعل صنع البلوتونيوم في المغرب، بشرط عدم إنشائه في وجدة.

وفعلا، قدمت الشركة الإيطالية خارطتين للمشروع في المعمورة، لكن البناية خلقت جدلا غير بريء أراد تأجيل الشق المغربي في الاتفاق مع إيطاليا.

لقد نزلت آلة التمويل الليبية التي قادها القذافي بصفة شخصية لمنع نواة المشروع النووي المغربي، وتحقق للأمريكيين ما يرغبون، لأن لقاء إيطاليا – أمريكيا حدث في سفارة الولايات المتحدة في روما، وجاء بنده الثالث: عدم توسيع المشروع النووي العراقي إلى مشروع عربي إسلامي يشمل دولا أخرى، ولم يكن المقصود، سوى المغرب الذي اقترحه صدام حسين لإنشاء مشروع نووي إقليمي.

لا أحد يعلم مستوى الثقة المعتبر بين الحسن الثاني وصدام حسين، ولا أحد طعن الآخر، واختار أحدهما التضحية في صمت من أجل مشاريع الآخر، فبغداد حمت مصالح المغرب مع الاتحاد السوفياتي، وحمت الرباط مصالح العراق في باريس تحديدا وفي واشنطن أيضا.

الولايات المتحدة تجهض المشروع النووي المغربي

في السفارة الأمريكية في روما، تقرر بشكل نهائي التخلص من توسيع المشروع النووي العربي، وخصوصا عمل المختبرات في المغرب، وتقرر في هذا الصدد:

1) ضرب كل المخزون النووي فوق أراضي الدولة المغربية التابع لها أو لدول أخرى، ومن خلال عمليات خاصة.

2) صنع انقسام بين أجهزة التقدير والاستعلام حول أولوية المشروع النووي بالنسبة للشعب المغربي خصوصا، وأن الجزائر متهيئة لتطوير سلام نووي، إن بدأ المغرب في أي سياق نحو امتلاك الأسلحة غير التقليدية.

3) إطلاق فحص إشعاعي في 7 نقط بالمغرب وبشكل سري، وقد كشفت المخابرات الفرنسية الخارجية التعاقد الذي قام به الدليمي لإنجاز هذا الفحص دون إعلام أي مسؤول آخر مدني أو عسكري، وكان هذا القرار حاسما في إبعاد الدليمي بشكل مباشر وقسري.

وبقرار واشنطن إجهاض البرنامج النووي المغربي، الممول أساسا من العراق ضمن نواة في شمال إفريقيا تؤسس لقنبلة إسلامية، رأى الحسن الثاني الاستفادة من الولايات المتحدة وإسرائيل، لدعمهما المالي واللوجستيكي وللحماية الذرية لجداره الدفاعي في الصحراء.

وحسب البرقية الأمريكية، فإن الرسميين الإيطاليين قبلوا بيع أسلحة ورادارات وأجهزة متطورة إلى الحسن الثاني، لتعزيز دفاعاته في مقابل هجمات البوليساريو، وتبعا لشروط إضافية فرضها الأمريكيون على حلفائهم الإيطاليين، تردد الفرنسيون أكثر في إنشاءاتهم النووية.

تقول الوثيقة الأمريكية: لقد قرر اللقاء في سفارة الولايات المتحدة:

1) تسليم العراقيين نماذج غير مكتملة، لن تفيد المدى المتوسط المعتمد في إنشاء مخطط نووي متكامل، وهكذا خرج الإيطاليون من المأزق مع الأمريكيين والعراقيين، بتسليم بغداد كل النماذج الناقصة عن طريق المغرب.

2) إعادة تقسيم دورة العمل النووي العربي، وإعادة بنائه عبر إيطاليا بين القذافي وصدام حسين، عوض هذا التحالف بين ملك ورئيس في المنطقة.

ولا يمكن في نظر “السي. آي. إي” بناء مشروع يوحد الملكيات والجمهوريات في المنطقة العربية، لأن أهم التقديرات تذهب إلى تخصيص نفس الأرقام المالية في العراق لصالح المغرب، غير أن قدرة العاصمة الرباط يئست سريعا.


إسرائيل راقبت الوضع من خليتها في المغرب

بشكل واسع، تابعت خلية تل أبيب تفاصيل المشروع المغربي الممول من العراق والذي ألغي فيما بعد، بقرار سياسي، وتحولت الرباط إلى مراقبة مائة خبير عراقي تحت التكوين في تكنولوجيا الوقود الحيوي، لأن صدام حسين قرر في 1 إلى عشر تدريبات، أن تكون خارج العراق فيما يخص تجريب القطع الموجهة للبناء، ضمن تسهيلات دورة الوقود النووي.

وكان لدى العراق، حسب الشركة الإيطالية، عالم واحد يراقب الأساسات في بناء المفاعل النووي إلى جانب 4 مهندسين و6 تقنيين بدون عمال لهم “مهارة” في التحويل، أما في الإنشاءات، فهناك فريق من 32 شخصا في التدريب على الآليات وبدون مهندس صيانة أو في النظائر، ولذلك، قام العراق بتمويل فرنسيين عبر المغرب في 7 مهام من أصل 15 مهمة في مفاعل “تويتة”، ولم ينطلق أي خبير من باريس إلى بغداد مباشرة، إذ وصلت العمليات النووية الفرنسية في العراق إلى 250 عملية، ولم تصل مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية “السي. آي. إي” إلى تحديدها كاملة.

ورغم صرف “الموساد” لـ 3 ملايين دولار في المراقبة، لم تتمكن سوى من تفكيك خمس العمليات من أصل 250 عملية فرنسية، لتعقيدات قامت بها باريس عبر المغرب لا غير.

ودخل السوفيات على الخط لعرقلة تمدد المشروع النووي العراقي إلى المغرب أو بقاء الرباط حديقة خلفية للمخابرات الفرنسية لبناء قدة نووية عراقية.

وقررت موسكو في مارس 1984 التوقيع على اتفاق مع العراقيين، لدراسة جدوى لبناء مفاعل نووي، بشرط عدم نقل هذه التكنولوجيا خارج العراق، وفي الشطر الثالث عشر، جاء تدقيق اسم المغرب المؤهل لبناء برنامج نووي لرغبة الملك في هذا الأمر، وقد وجد التمويل العراقي والتكنولوجيا الفرنسية للوصول إلى ذلك.

وراهن الأمريكيون على النزوع التجاري للملك المغربي، بتحويل هذه البنية إلى مصلحة في الصحراء، ومواصلة بعض الأرباح بعد فتح المخابرات الأمريكية العراق على الاستيراد المباشر لمواد نووية من اليابان وهولندا وألمانيا الغربية (قبل توحيدها)، بالإضافة إلى تعايش الفرنسيين والإيطاليين في مركز “تويتة”.

لقد صارت الأمور متقطعة، بعد وصول أول كمبيوتر مرتبط بتخصيب اليورانيوم إلى المغرب ومنه إلى العراق، حسب اللائحة الثانية لوثيقة “السي. آي. إي”، لأن المغرب نجح في صفقة استيراد اليورانيوم الطبيعي للعراقيين في شحنتين من النيجر ومن البرتغال، وسهلت المخابرات الأمريكية شحنتين مشابهتين من البرازيل وإسبانيا بمبالغ مضاعفة، ووصلت الشحنتين الأخيرتين إلى العراق قبل الشحنتين من النيجر والبرتغال، لتبقيا في المغرب 95 يوما إضافية.

وقصدت المخابرات الأمريكية التعطيل التكتيكي وارتفاع الأثمان، لزيادة التكلفة على العراقيين بما يعقد مشروعهم، تقول الصفحة 7 من الوثيقة المفرج عنها في السابع من أكتوبر 2010، وفاوض عملاء العراق انضمام تونس إلى مغامرتهم حول اليورانيوم(1)، خصوصا بين سنوات 1981 و1984.

ولعب الفرنسيون على توسيع تمويل المشروع العربي النووي إلى تونس بعد المغرب، لاستنزاف الأموال العراقية، إذ بيعت المواد النووية بـ 500 في المائة وفي بعض المرات ألف في المائة، وحافظ الحسن الثاني على أن يكون المشروع ثنائيا كي لا يثير في تونس الرئيس الليبي معمر القذافي، وكان لباريس منطق آخر، إذ تدعم توسيع المشروع لإفشاله عبر يد عربية، حيث لا يحتاج الغرب للتدخل.

وبتعبير “السي. آي. إي”، فهذه المغامرة العراقية انتهت بصفقات عسكرية بين الرباط وتونس العاصمة بعد تزويد العراق بـ”ديو كسيد اليورانيوم” من البرازيل في شحنات استمر شحنها سنتين.

وتبعا لهذه الاستراتيجية الجديدة التي أتت في وسط السبعينات، عقب الفشل في الحصول على تسهيلات(2)، فقد اعتمدت على المغرب بنسبة 90 في المائة و10 في المائة على تونس في أمر التسهيلات المباشرة، وانتهت بإفشال فرنسي من خلال صناعة الظروف غير المساعدة، وبعمليات أمريكية خاصة انتهت بصفقات عسكرية تجاه المغرب وتونس، وأخيرا العراق في الحرب العراقية الإيرانية.

ومن وجوه الخطإ في عدم إطلاق مشروع نووي مغربي بتمويل عراقي:

1) إشراف المخابرات المغربية والعراقية على كل تفاصيل المشروع النووي.

2) معارضة الأجهزة المغربية للحسن الثاني في مسعاه الشخصي والاستراتيجي لبناء مشروع عسكري نووي يثير الحليف الغربي في مشكل الصحراء، فيما رأى الملك الراحل أن البرنامج النووي المغربي سينهي ويقبر مشكل الصحراء وإلى الأبد.

ولم يتمكن العراق من تمويل حربين، في الصحراء وضد إيران، لإنجاح المشروع النووي العربي، في ظل تزايد الهجمات النوعية والتكتيكية للبوليساريو كلما وصل الحسن الثاني أو صدام حسين إلى تسهيلات جديدة في المشروع النووي، وقد كان مشروعا للرجلين، واستنزف الغرب البلدين في حربين لم تتوقفا إلا بشرط وقف البرنامج النووي، سلميا أو عسكريا، بشكل كامل في تونس والمغرب والعراق قبل حرب ضروس مع ايران انتهت باستقلالية القرار العراقي، وقبرت نهائيا في حرب الكويت.

وعبر السوقين الرمادي والأسود، بتعبير “السي. آي. إي”، تبضع العراق تقنيته النووية عبر اختراقات نفس السوق والمخابرات الصديقة، وانتهت أنوية المشروع في تونس والمغرب والعراق.

وفي ظل هذه التطورات، تحولت المخابرات العراقية إلى سمسار في السوقين الرمادي والأسود للتقنية النووية، فيما تواصلت مع “السي. آي. إي” عبر عملاء يستطيعون الوصول إلى خرق الشحنات للخطوط الحمراء التي سطرتها واشنطن.

وفعلا، تدخلت “السي. آي. إي” في تفاصيل الصفقات، ونجح العراق في استعمال الوسطاء الأوروبيين(3)، وشجعت واشنطن ذلك كي يلتزم المصدرون المباشرون إلى العراق بالقواعد الجمركية، والهدف: قتل جنين المشروع النووي في المغرب، وربما في تونس إن واصلت التعاطي مع تكنولوجيا اليورانيوم، لكن الحسن الثاني وقع اتفاقا لاستمرار المغامرة بلغة “السي. آي. إي”.

الحسن الثاني بدأ باستخراج اليورانيوم من الفوسفاط عبر الشركة التعدينية “أرميكو” التي كان مقرها في الأردن، وضغط العراق على الشركة وعلى نائب رئيسها عبد الرزاق القاسم الهاشمي، لعقد اتفاق نووي مع البرازيل يغطي على استخراج اليورانيوم في المغرب

تقول “السي. آي. إي”: إن المغرب بدأ في مغامرة استخراج اليورانيوم من الفوسفاط عام 1983 عبر شركة “أرميكو”(4) التي ضغط العراق بقوة على نائب رئيسها عبد الرزاق القاسم الهاشمي، لعقد اتفاق نووي مع البرازيل يغطي على نشاط استخراج نفس الشركة لليورانيوم من الفوسفاط المغربي.

وفي هذه الخطوة الجريئة للغاية، تدخلت إسرائيل بقتل خبراء المغرب دون متابعة لدفن المشروع الرائد، ولم تستطع العاصمة الرباط وأجهزة الاستخبارات في المغرب تأمين المشروع، لأن تحالف “السي. آي. إي” و”الموساد” في المملكة، أعطى للحسن الثاني إشارة أكدت أن نظامه في خطر جدا إن واصل هذا المسار.

ونجح الغرب في محاصرة هذا الأفق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال تملك الأوروبيين لكل مفاتيح الاستراتيجية النووية الجديدة قصد كبحها، وبالتالي، إقبار مشاريعها، وخصوصا الطويلة الأمد، فبغداد التي خدمت مصالحها بعيدا عن قطبية الحرب الباردة، زودتها البرتغال بـ 60 في المائة من الزيت المحرك لإدارة خامة اليورانيوم، واحتكرت فرنسا عمليات الصيانة، وإيطاليا باقي العمليات، بما جعل صدام حسين لدى موسكو، مجرد حليف لفرنسا وإيطاليا، وهو ما دعم نظرة الحسن الثاني “الغربية” حول المتوسط والحوار العربي الأوروبي.

وحسب السفارة الأمريكية في باريس، فإن نظام البعث الحاكم في بغداد، سلم التجارة إلى روسيا، وسلم الغرب بناء مشروعه النووي، وهذا غير موفق لوجود حماية الدولة العراقية  للتجارة والمقاولين المحليين، ودعت روما، في ظل رغبة إسرائيل وأمريكا في تدمير أنوية هذه المشاريع النووية المتقدمة في العراق والمتوسطة الفعالية في المغرب والقائمة على مشاريع مرتقبة في تونس، إلى اجتماع لحسم نقط الخلاف، لكن واشنطن أرادت المراوغة عبر دول غرب أوروبا، كي لا يذهب العراقيون إلى الاتحاد السوفياتي، وبعدها يمكن تدمير ما توصلت إليه بغداد في ضربة جوية واحدة.

أما بالنسبة للمغرب، فإن عملية خاصة من 45 دقيقة، كانت كفيلة بإنهاء المخزون النووي الأولي الذي لدى الحسن الثاني، وكتب الإيطاليون تقريرا عن حجم الرشاوى في البرنامج، مما عقد تقدمه، وساهم الإعلام القريب من إسرائيل على هذه النقطة، لكن المخابرات العسكرية قررت المتابعة في الدول الثلاثة ونجحت في اغتيالات داخل الدول الثلاثة (العراق والمغرب وتونس)، لذلك، لا يمكن في نظر “السي. آي. إي” الحديث عن تقدم أمام هذه التبعية الشديدة لتكنولوجيا الغرب.

وفكر الحسن الثاني في تقنية مغربية لاستخراج اليورانيوم، اضطرت معها “الموساد” إلى اغتيال كل المهندسين المشرفين، وحاولت قتل الملك الراحل، وخلص الأمريكيون إلى:

1) قطع التحويل غير المباشر للتكنولوجيا النووية الغربية إلى المغرب كليا، وتصفية مشروع استخراج اليورانيوم من الفوسفاط.

2) تهديد نظام الحسن الثاني مباشرة إن واصل سعيه لقدرات نووية، مع تسليمه كل الامتيازات الجيواستراتيجية التي يمكن أن يوفرها الامتياز النووي لصالح المغرب في قضية الصحراء، ولذلك، حمت الولايات المتحدة بناء الجدار الدفاعي.

3) منع المخابرات المغربية من أي خلية نووية وتحت أي مسمى.

4) حرمان الجيش المغربي من الصحراء أو من البرنامج النووي، ومنع التدريس أو المتابعة في مشروع نووي قادم بعد الحسن الثاني، ولا يزال هذا الحظر قائما إلى هذه اللحظة.

هوامش:

  • (Iraqi agents joint ventures in uranium mining during the same period with Tunisia and Morocco) Iraq’s nuclear program: acquiring a nuclear fuel cycle, directorate of intelligence, sanitized copy approved for release 7/10/2010. CIA.86T00587R00010002-6 top secret, NISA 85-10023C, copy 268? February 1985.
  • Working the nuclear market place: Iraq’s procurement strategy (judging from our review of past procurement actions, Iraq adopted a new strategy in the mid – 1970 it had failed to acquire sensitive facilities directly).
  • (Iraq has been most successful when it has used European firms as intermediaries) p: 7 in NESA 85-10023C, copy 268.
  • (we believe the IAEC’s main achievement through the armico cover is a joint venture with morocco for extracting uranium from phosphates witch began operation in 1983).


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -