أخر الاخبار

بوجلود : هالوين مغربي ضارب في القدم


قد تعتقد عزيزي القارئ للوهلة الأولى أن الصورة أعلاه تشير إلى مشهد من مشاهد عيد الهالوين الذي يتنكّر فيه المحتفلون بأزياء الساحرات و الأشباح و الوحوش المخيفة ، لكن الحقيقة تقول أنه مشهد من تقليد مغربي سنوي يشبه إلى حد ما عيد الهالوين لكنه يختلف عنه في كثير من الأشياء ..

بوجلود : هالوين مغربي ضارب في القدم

أولها أن الهالوين المغربي سبق الهالوين الأمريكي بمئات السنين ، فهي عادة أمازيغية محضة كان يحتفل بها سكان شمال أفريقيا منذ القدم و مع مجيء الإسلام أصبح الاحتفال به مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بعيد الأضحى المبارك .. ناهيك طبعاً عن الاختلاف في التسمية ، ففي المغرب نسميه "بوجلود" أو "بيلماون" بالأمازيغية أو "بولبطاين" باللهجة الشمالية المغربية ، في حين يسمى في منطقة دكالة و الشاوية بوسط البلاد بـ «هرمة بولحلايس» و على ساحل الأطلسي يقال له «ميمون» أو «أمعشار» ، كما يدعى «بوهو» في مناطق عدة من غرب البلاد ، و بـ«سونة» في شرقها ، أما في المناطق الصحراوية فيعرف بـ«سبع بطاين» لأن بطل الكرنفال يلبس سبعة جلود أو بطاين الأولى في اليد اليسرى و الثانية باليد اليمنى و الثالثة بالظهر و الرابعة على الصدر و الخامسة و السادسة على الرجلين اليمنى و اليسرى أما السابعة فتوضع على الرأس بقناعها و قرنيها .

بوجلود شخصية عيد الأضحى الأكثر شهرة

شباب في اوج حماستهم يرتدون جلود الاغنام والماعز

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

عيد الأضحى بالنسبة للمغاربة ليس فقط في ذبح الأضاحي و زيارة الأقارب بل هناك طقوس خاصة تزيد من خصوصية هذا العيد و تعطيه طابعاً مغربياً بامتياز .

فثاني يوم من أيام العيد ترى شباباً في أوج حماستهم يرتدون جلود الأغنام و الماعز و يخفون وجوههم وراء أقنعة مختلفة أو يصبغونها باللون الأسود و يقومون بتغيير نبرة الصوت و ذلك إمعاناً في إخفاء الهوية الشخصية و كل ذلك يتم في قوالب هزلية و مثيرة للمشاهدة ، و يتجولون في الأزقة على مرأى من السكان و على إيقاع الطبول و في أيديهم يحملون قوائم أضاحي العيد لـ (جلْد) من يصادفونهم في الطريق و هدفهم من هذا هو نشر الفرحة و السرور بين المغاربة في أجواء العيد السعيد .

قوائم من أجل البركة

تجوب خلالها مسيرات ملونة اهم احياء المدينة

تستمر هذه التظاهرة لمدة 5 أيام و هي بمثابة أيام احتفالية تجوب خلالها مسيرات ملونة أهم أحياء المدينة و شوارعها ، و خلال هذا الكرنفال تقدم لوحات راقصة شعبية بالإضافة إلى ترديد الأغاني باللهجة المحلية ، و من بين الأهازيج التي يرددها أولئك الذين يتحلقون حول من يرتدي الجلود ( أهرمة ليس ليس أهرمة بولحلايس ) و هي تعني ( لا لا دعه و شأنه ) أما "بولحلايس" فهي كلمة أمازيغية تعني الرجل الذي يرتدي جلود الخرفان أو الماعز .

يعتبر لابسي الجلود الرجال الأهم في أيام العيد ، إذ تتجه أنظار الجميع إليهم ، يخرجون بعصي يتم صنعها عادة من أرجل الأضاحي ثم يبدؤون في مطاردة المارة في الشوارع ، يقتضي المبدأ أن ينال المارة ضربات خفيفة تندرج في إطار ما يسمى في الأعراف المحلية ب "بركة " العيد في أجواء احتفالية مرحة ، و ينقسم سكان تلك المناطق إلى قسمين : متفرج يستمتع بفرحة العروض الحقيقية التي تكون أزقة القبيلة أو القرية مسرحاً لها و ضحية يتم رصده إما في الشارع أو أمام باب المنزل أو حتى أمام المحلات التجارية من أجل نيل نصيبه من الضرب .
الغاية هي ادخال الفرح والسرور لقلوب الناس بمناسبة العيد
يحمل مرافقوا "بوجلود" من الشباب و الأطفال دفوفاً كما يصنعون عصياً خاصة و يربطون في قمتها علم المغرب أو وشاحاً أبيض تعبيراً منهم عن الفرحة ، و اللافت للانتباه وسط كل مجموعة من مجموعات "بوجلود" التي تجوب أحياء الشوارع في المدن المغربية أن من الشباب من يتنكر في زي امرأة بعد ارتدائه لقفطان مغربي و وضعه الماكياج على وجهه بكثرة ليؤدي طوال اليوم رقصات مشابهة لرقص المرأة المغربية على أهازيج الأغاني الشعبية ، أو يتنكرون في أزياء أخرى كالأشباح و العفاريت و القطط و أزياء الفراعنة و كل ما يخطر لك على بال.. غايتهم في كل ذلك إدخال الفرحة على قلوب المحتفلين بأهم عيد ديني عند المسلمين .
يتجمع الناس من اجل المهرجان والجميع مسرور وفرحان
و يتطلب تحضير حفلة «بوجلود» مجموعة من الاستعدادات تبدأ بجمع جلود الأضاحي - و يكون ذلك مجاناً - ثم يقوم المشاركون بغسلها و تحضيرها لكي تكون صالحة للباس بعد خياطتها جيداً حتى يُضمن تماسكها أثناء الجري و المطاردة .

و يتطلب تحضير زي واحد من خمسة إلى سبعة جلود بحسب طول الشخص ، بالإضافة إلى حوافر الأضحية ، و بعد أن تنتهي تلك الاستعدادات يخرج المتنكرون إلى الأزقة لتبدأ الاحتفالات ..

جذور مهرجان بوجلود بين الحقيقة و الأسطورة

يرى كثير من الباحثين الأنتروبولوجيين أن ظاهرة "بيلماون" أو بوجلود طقس من طقوس ما قبل الإسلام ، حيث كان سائداً جداً في شمال إفريقيا تقديس الحيوان خاصة الكبش و بعد مجيء الإسلام احتضنها المسلمون و لم يتم إلغاؤها ، بل وجدوا لها صيغة تتماشى مع المعتقدات الإسلامية بأن جعلوا الاحتفال تقليداً مرتبطاً بعيد الأضحى .

و بحسب باحثين مغاربة أيضاً فتقليد بوجلود يعود إلى عهد الرومان الذين كانوا يحتفلون بما يسمى بـ "ديونيسيس" من خلال مرور موكب يضم ممثّلين يرتدون أقنعة بصحبة أطفال و يغنّون أناشيد دينية لتتحول إلى عادة مرتبطة بعيد الأضحى ، و يرتدي الشبان جلود الأضاحي ، البعض الآخر يربطها بالأسطورة الأكثر شهرةً و التي تتحدث عن وحش أفريقي ضخم كانت تتدلى منه الجلود و كان يزرع الرعب و الهلع في صفوف السكان .

ختاماً

السعي نحو التنكر و تقمص الأدوار طبيعة بشرية قديمة و ليست فقط في الهالوين ، فلكل بلد و ثقافة هالوينها و نصيبها من التنكر لساعات و ربما لأيام كما هو الحال بالنسبة للمغرب و يبقى القاسم المشترك بين جميع هذه الكرنفالات هو رسم البسمة و الأمل على محيا الإنسان مهما كانت ديانته و لونه و قبيلته و أصله في وقت كثرت فيه مهرجانات الكراهية و العنف و الطائفية في كل بقاع العالم لاسيما في عالمنا العربي .
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -