واهتمت دراسات حديثة برصد آثار التحولات الطبيعية والكوارث الطبيعية على المجتمع المغربي خلال الفترة المدروسةومن أبرز المراجع المعتمدة لاستجلاء جوانب من الموضوع أعمال الأستاذ الباحث محمد الأمين البزاز وخاصة منها كتابه :المجاعات والأوبئة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومقالته:" عمليات الإغاثة المخزنية خلال مجاعات النصف الثاني من القرن التاسع عشر" من كتاب دراسات مهداة للفقيد جرمان عياش ,ط1 ,منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط , 1994, مطبعة النجاح , ص 132 .
بعض الإشارات التاريخية المتناقضة حول طريقة تعامل المخزن مع هذه المآسي الطبيعية، ونورد هذه النصوص للفت الانتباه إلى بعض الذرائع التي استغلها مهندسو الحركة الاستعمارية لتبرير دخولهم إلى المغرب واستعمارهم له.
فقد ورد في تقرير للطبيب الفرنسي كيول مؤرخ ب15 دجنبر 1868 (إن المخزن لا يقوم بأي عمل لمكافحة المجاعة، لأنه يعتبرها أنجع وسيلة لتشديده قبضته على القبائل.) محمد الأمين البزاز (عمليات الإغاثة المخزنية خلال مجاعات النصف الثاني من القرن التاسع عشر) من كتاب دراسات مهداة للفقيد جرمان عياش ,ط1 ,منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط , 1994, مطبعة النجاح , ص 132 .
وفي مراسلة أخرى للقنصل الفرنسي بالدار البيضاء في سياق حديثه عن مجاعة 1878م يقول:(إن سلاطين المغرب ينظرون إلى بؤس السكان كأفضل وسيلة للمحافظة على عرشهم, ولا يعرفون مبدأ آخر للحكم غير الجشع والعنف لأنهم يخشون أن يؤدي رغد العيش إلى انتفاضة شعبهم.)نفس المرجع السابق
لكن المصادر تزخر بمراسلات تفصح عن ردود فعل مخزنية للحد من آثار الأزمات الاقتصادية ومنها ما ورد في رسالة سلطانيةيقول فيها السلطان محمد الرابع:" خديمنا... عبد القادر أشعاع ..إنا أدنا للحاج محمد الصفار في وسق مركب من القمح بقصد تطوان على أن يكتفي فيه بقليل من الربح ...لأن المقصود بتوجيه هدا القمح نفع الناسً"
وفي رسالة سلطانية ثانية يقول:"خديمنا ...اشعاع..وصلنا كتابك بينت فيه ماهم عليه ناحيتكم من الضعف ...وطلبت أن نأمر بوسق نحو مراكب ستة من القمح الجيد لأهل بلدكم ونواحيها "محمد داود (تاريخ تطوان) المجلد السادس , ص 35
ويزكي ذلك أيضا الرسالة السلطانية التي بعثها المولى عبد الرحمان إلى عبد الرحمان اشعاع بتطوان في 22شعبان سنة1244 وهذا نصها: "وبعد :فقد طلب منا جميع القنصوات أن لا يدخل لمراسينا السعيدة ما كان من ثياب اللباس قديمة ...وحوائج الفراش ...وغير ذلك مما يمكن أن يكون مكمونا فيه رائحة المرض ويعود بالضرر ويكون مظنة ذلك, فأجبناهم لما طلبوا ,لأنهم اعرف بأمور دنياهم, وعليه فكل ماورد من ذلك لا تقبلوه ". محمد داود .م.س .ص 175 .
3 الوضعية الاجتماعية بمغرب النصف الأول من القرن 19م
يبدو الحديث عن الوضعية الاجتماعية بمغرب النصف الأول من القرن صعبا.فالكتابات التاريخية التقليدية وأعني بها هنا المصادر التاريخية المذكورة أنفا ، لا تهتم اهتماما مباشرا بهذا الموضوع بحكم ارتباطها المباشر بالأمور السياسية .لكن القراءة المتأنية في هذه المصادر نفسها وتعزيز هذه القراءة بما تحتويه كتب الرحلات الأوربية قد يساعد على إلقاء نظرة عامة على هذا الجانب المهم من تاريخ المغرب والذي ما يزال يحتاج إلى الكثير من البحث والتمحيص.
تناولت الدراسات الحديثة و المونوغرافيات المجتمع المغربي بكل مكوناته ،وإن كانت هذه الدراسات تصطدم بقلة اهتمام المصادر الرسمية و الإخباريين بجزئيات هذا المجتمع فإن تطور وسائل البحث وانفتاح البحث التاريخي على العلوم المساعدة كالانتروبولوجيا والسوسيولوجيا مكنها من استقراء المصادر الدفينة و انجاز دراسات يكمل بعضها البعض وتبحث في مواضيع كان البحث فيها مغامرة غير آمنة النتائج ومنها البحث في الأدوار الاجتماعية للمرأة"فاطمة العيسوي، المرأة والمجتمع في المغرب 1822- 1912، دكتوراه الدولة في التاريخ، إشراف عبد العروي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2009.
ولابد من التأكيد هنا أن تاريخ المجتمع المغربي خلال النصف الأول من القرن19م ما هو إلا تأريخ للبادية المغربية التي يبرز الحديث عنها في المصادر المغربية إبان الأزمات و الثورات والحركات في حين شكلت فيه البادية نفسها الجانب المستهدف بالدراسة من طرف الكتاب الجانب وسنشير هنا للاستدلال لا الحصر إلى مؤلفات كل من :سالمون SALMONوميشوبيلير و كايي
SALMON ,Une tribus marocaines,la Fahciya,in Archives Marocaines ;1904
M BELLAIRS ,Les tribus arabes de la vallée de loukhous ,in Archives Marocaines 1905
M BELLAIR ,le Gharb ;in Archives Marocaines 1913
الحديث عن المجتمع إذن هو حديث عن البادية ،فكيف كانت البادية المغربية في النصف الأول من القرن 19؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب الإشارة أولا إلى الصعوبة المنهجية والتاريخية في وضع الحدود البارزة المعالم بين البادية والمدينة المغربية.وللخروج من هذا الأشكال المنهجي سنتبنى الطرح الاقتصادي الذي يفترض في البادية والبدوي الاهتمام بأمور الأرض والفلاحة.لنشير إلى أن البادية المغربية خلال النصف الأول من القرن عرفت امتدادا واسعا على حساب المدن التي كانت معدودة كما وكيفا.وقد عانت هذه البادية ، حسب المصادر التاريخية،من الأزمات التي اتخذت أشكالا متنوعة .ففضلا عن الظروف المناخية الصعبة فإن البادية عانت إلى جانب ذلك من آثار الثورات والتحولات التي عرفها القرن 19م:إذ أنها شكلت موردا أساسيا من موارد بيت المال " الزكوات و الأعشار"وممولا بشريا للجيش المغربي القائم في جانب مهم منه على الاستنفار . ويبقى الوضع في البادية المغربية خلال النصف الأول من القرن أكثر انتعاشا مما هو عليه خلال النصف الثاني من القرن الذي سيعرف إضافة إلى المشاكل المعروفة سلفا ،اختلالا في التوازن بين البوادي الساحلية و البوادي الداخلية .كما سيتخذ هذا الإحتلال وجها آخر يتمثل هذه المرة في هيمنة المدن وبداية الهجرات الداخلية وإفراغ البوادي من سكانها.
خلاصة:
ستعيد من خلال هذه الخلاصة ما سجله أكنسوس صاحب الجيش العرمرم بخصوص وضعية المغرب خلال النصف الأول من القرن حيث قال:" وحاصل الأمر أن هذا السلطان رحمه الله :أي عبد الرحمان بن هشام وجد الذولة قد ترادفت عليها الهزاهز و صارت بعد حسن الشبيبة إلى قبح العجائز قد تفانت رجالها وضاق مجالها (...)" وقد استطاع السلطان الجديد وكما يؤكد ذلك العديد من الباحثين ومن بينهم ذ عبد العروي Histoire du Marghreb، أن يعيد الأمن إلى بلاده بعد النهاية المأساوية لحكم المولى سليمان ، فأعاد تنظيم الجيش، وأجبر شيخ الأطلس محمد بن الغازي على الخضوع
1822م وعين حكاما وعمالا جدد متحمسين وبسلطات غير محدودة وفي الجهات الحساسة ، كمراكش و وجدة .واتبع سياسة امتحان الزوايا في الداخل (حصار الزاوية الشرادية)وجدد العلاقات مع الدول الأوربية وقد مكنته هذه الجهود من اختبار قوة دولته و التفطن إلى مكامن الضعف بها وهذا ما يفسر موقفه من احتلال
الجزائر ، ورفضه بيعة التلمسانيين ، والاكتفاء بتدعيم مقاومة عبد القادر الجزائري، لكن المستجدات السياسية المحلية والدولية جعلت هذا السلطان يخوض غمار تجربة حربية أفقدت المغرب هيبته التي كان قد اكتسبها منذ معركة واد المخازن 1578م.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.