أخر الاخبار

التاريخ المحاصر ـ 4 ـ عبد الكريم يتجاوز زمن "ليس في الإمكان"

التاريخ المحاصر ـ 4 ـ عبد الكريم يتجاوز زمن "ليس في الإمكان"

التاريخ المحاصر ـ 4 ـ عبد الكريم يتجاوز زمن "ليس في الإمكان"

د.علي الإدريسي

تقدم جريدة هسبريس لقرائها الأوفياء، داخل المغرب وخارجه، كتاب “عبد الكريم الخطابي، التاريخ المحاصر” لمؤلفه الدكتور علي الإدريسي، في حلقات، خلال شهر رمضان الكريم.

هذا الكتاب، الذي تنشره هسبريس بترخيص من مؤلفه الدكتور علي الإدريسي منجما على حلقات، لقي ترحابا واسعا من قبل القراء المغاربة ولا يزال، إلى درجة أن الطبعتين الأولى والثانية نفدتا من المكتبات والأكشاك؛ بالنظر إلى شجاعة المؤلف في عرض الأحداث، وجرأته في تحليل الوقائع بنزاهة وموضوعية.

الكتاب من أوله إلى آخره اعتمد الوثائق النادرة في التأريخ للزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي بأفق وطني يتسع لجميع المواطنين المغاربة، على عكس الطريقة التي “اعتاد عليها أولئك الذين حاولوا احتكار الوطنية وتأميم مستقبل المغرب، والتحكم في مصير أبنائه قرونا أخرى”، يضيف على الإدريسي في تقديم الكتاب.

الحلقة الرابعة

عبد الكريم .. والعمل على تجاوز زمن “ليس في الإمكان”

مما لا شك فيه أن الخطابي كان يتساءل عن إمكان وجود أزمنة أخرى غير زمن تطوان وفاس، الخاضعتين لمنطق: «ليس في الإمكان أبدع مما كان». أهو منطق واقع المغرب المعيش والمعشش؟ حكمة، أم عقيدة كل المتواكلين العاجزين عن تغيير أنفسهم في هذا الوجود؟

ما يدلنا على مثل هذه التساؤلات والانشغالات، هو قرار محمد بن عبد الكريم بإذن من والده التوجهه إلى مدينة مليلة، بصفتها نافذة على زمن حضاري آخر، بدل أن يستقر في بلدته ويتزوج ليؤسس أسرة كباقي أقرانه؛ خاصة وأن سنه كان قد تجاوز 24 سنة.

في مدينة مليلة مارس مهنة تدريس اللغة العربية واللغة الريفية للضباط الإسبان، وقام بمهام المترجم في مصلحة الاستخبارات الإسبانية، كما كان محررا في جريدة «تلغرامة الريف»، ومشرفا على القسم العربي، ومعلما مشرفا على المدرسة العربية – الإسبانية المخصصة لأبناء المسلمين في المدينة، قبل أن يصبح قاضيا، ثم قاضي قضاة لشؤون المسلمين، وهي مهام، كما نعتقد، تخول للمرء تكوين رؤية جديدة مغايرة لما تكوّن في زمن تطوان وفاس، حفزته أن ينتقل في الاتجاه المعاكس لانتقال ذلك الديبلوماسي الأمريكي من جبل طارق إلى طنجة، المشار إليه أعلاه؛ كما ساعده زمنه الجديد على معرفة الأهداف الاستعمارية الحقيقية التي كانت ولا تزال، تحاول الاختفاء وراء شعارات التمدن والتقدم الحضاريين.

وبعد تفحص وتمعن مرحلة مليلة، نستطيع القول: إن الخطابي بقدر ما كان مناهضا ومعاديا للاستعمار وإيديولوجيته القائمة على احتقار الآخر، وإلغاء دوره في التاريخ، بقدر ما كان متشبثا بمزايا التعاون بين الشعوب في ظل الكرامة والحرية، متمسكا بطلب أسباب الحضارة حيثما كانت، بصفتها قيما إنسانية مشتركة. وهذا ما لم يخفه عن الإسبان عندما كان يعبر عن ذلك في دروسه، أو في مقالاته الصحفية التي نشرها ما بين 1907 و 1915 في جريدة ” تلغرامة الريف”، أو عندما بقي ثابتا على مواقفه وقناعاته، حتى بعد انهيار العلاقة مع إسبانيا وإعلان القطيعة النهائية معها؛ فقد أشارت إحدى رسائله الموجهة للمسؤولين الإسبان في فبراير سنة 1919، ردا على طلب إسبانيا التراجع عن مواقفه نحوها إلى الأمرين السابقين بوضوح. ففي موضوع الانتصار للقيم الحضارية، بغض النظر عن مرجعيتها، قالت الرسالة: « سنكون دائما من أنصار الرسالة الحضارية التي تضطلع بها إسبانيا، وهذا ما تعرفونه حق المعرفة.» وفي موضوع النزعة الاستعمارية المنافية للتحضر والحضارة، التي أدت إلى إحداث القطيعة بعودة محمد من مليلة وامحمد من إسبانيا، حيث كان يدرس الهندسة، بصفة نهائية، ركزت الرسالة على ما يلي: «إن مبادرتنا ليست نزوة من النزوات، بل هي مرتبطة بمشكلة درسناها بعناية بالغة، اللهم إلا إذا قامت إسبانيا بتصحيح سياستها في هذه المنطقة.»

مما لا شك فيه أن تنشئة محمد بن عبد الكريم الخطابي تضافرت فيها أزمنة ثقافية وبيئات متباينة: زمن وبيئة بني ورياغل المتحفزين على الدوام، والمستعدين للجهاد؛ باعتبارهما جزءا من ثقافة شاطئ المتوسط المغربي المقاوِمة للغزاة القادمين من الضفة الأخرى، والمتجذرة في أعماق التاريخ حماية لبيضة الإسلام وذودا عن الوطن، ولكنها في الوقت نفسه بيئة اجتماعية- ثقافية تنزع إلى الطابع الانقسامي، الذي أشبعه الأنثروبولوجيون والمستشرقون درسا وتحليلا وتقييما، وإن لم يتفقوا حول الأسباب الكامنة وراء ذلك، فإنهم اعتقدوا أن الخروج من الوضعية التي كانت تسمى«الريفوبليك» (التناحر والحروب الثأرية بين سكان منطقة الريف) كان صعب المنال إن لم يكن مستحيلا، وبيئة تطوان وفاس التي كانت تمثل الصورة القصوى للمرحلة الثالثة من الدورة الخلدونية، أو ما سيسميه مالك بن نبي لاحقا بالمرحلة الغريزية المؤسسة لمرحلة «قابلية الاستعمار»، التي تتميز، حسب أحد المؤرخين المختصين في تاريخ المغرب المعاصر بـ « فترة إسراف لا حد له، واستدانة وطيش، فترة كانت أقرب إلى مسرحية هزلية(…) وقد كان ثمة سيل مستمر من الباعة والمغامرين والمحتالين.»

وإذا كانت هذه البيئة وهذه الحالة تعنيان شيئا محددا فإنهما تعنيان بالتأكيد أن كل شيء كان مدفوعا لكي تنجز الخطوة المؤدية إلى الهاوية، وأن المسؤولين المخزنيين والمدنيين وجل علماء الدين كان سعيهم الأكبر هو اللهث وراء الاحتفاظ بامتيازاتهم ومواقعهم في السلطة القادمة مع المحتلين، مهما يكن ثمن ذلك، والتملص بكل الوسائل من المسؤولية الملقاة على عاتقهم نحو وطنهم وشعبهم ودينهم. وفي المقابل كانت بيئة وثقافة مليلة تقدم في جانبها الإيجابي والحضاري الصورة المغايرة للزمن التطواني – الفاسي. أما جانبها السلبي فكان يكشر عن أنياب ثقافة الاستعلاء وأساليب المكر. أو كما قال الشاعر:

« يبدي لك من طرف اللسان حلاوة ✹ ويروغ منك كما يروغ الثعلب»

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا، والحال هذه، هو كيف استطاع الخطابي أن يتعامل مع تلك البيئات والثقافات، ويفارق بعضها في غير أسف أو أسى. ويتمثل بعضها الآخر متخذا منها الوسائل المساعدة على إحداث القطيعة مع الزمن التطواني- الفاسي؟

في الواقع يمكن رصد ثلاثة مناهج ومسالك للإجابة والتعامل مع هذا التساؤل:

أولها: رفض وإبعاد منهج الدفع من الوراء، الذي لا يتضمن لا فعل الاستجابة ولا قدرة الانجذاب إلى الأمام، ذلك المنهج الخالي من كل إرادة لصاحبها الذي يتحول إلى كائن غريزي تسيره رغباته كيفما اتفق.

ثانيها: محاولة التعايش مع المنهج المساير للوقائع، من أجل معرفة الأسباب والمسببات، ومعرفة تأثيراتها الإيجابية والسلبية على التحولات السياسية والاقتصادية وعلى العلاقات الدولية.

وثالثها: الانخراط في منهج الاستيعاب والفهم والتجاوز، وهو منهج يوفر القدرة على التجاوب مع زمن صناعة المجد، والانجذاب نحو المستقبل، مستلهما الروح الإنسانية المبدعة الخلاقة الرافضة لثقافة الانحناء والاستسلام أو انتظار الحلول السحرية، أو حدوث المعجزات، ملبيا نداء التاريخ ومنخرطا في روحه الحيوية وفقا لقوله تعالى: « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.» ( الرعد، 13)

هذا هو المناخ، وهذه هي الظروف التي نشأ فيها الخطابي وتكونت فيه شخصيته. فكيف تحول الخطابي من شخص باحث عن معرفة أسباب الانتكاس والانهيار إلى قائد رافض للمصير بتجديد المسير والوقوف ضد التيار؟

في مواجهة الأحداث

أشرنا أعلاه إلى العودة النهائية لمحمد بن عبد الكريم الخطابي من مليلة وأخيه امحمد من إسبانيا حيث كان يدرس هندسة المناجم، إلى أجدير أوائل سنة 1919، لأن والدهما اقتنع، بما لا يدع مجالا للشك، أن إسبانيا الجريحة والمحطمة نفسيا بفقدان آخر مستعمراتها في أمريكا الجنوبية سنة 1899، وفي الفيليبين قبل ذلك سنة 1898، والأسيرة لوصية إيزابيلا الكاثوليكية، لم تكن تستطيع أن تحذو حذو سياسة التعاون بين الشعوب وتبادل المنافع والمساعدة على التقدم الحضاري، ليس بسبب افتقارها إلى ذلك فقط، كما قال المؤرخ الإسباني ميكل مارتين، بل كانت تسعى بكل ما أوتيت من بقايا النزعة الاستعمارية لديها، إلى تجاوز هزائمها ورد الاعتبار لهيبتها المفقودة، مدعمة بالاتفاقية الفرنسية الإسبانية لسنة 1904 والمؤيدة بمعاهدة الحماية لسنة 1912، والمدفوعة من بريطانيا بقصد تحويلها إلى «كلب حراسة للإمبريالية البريطانية»، على حد تعبير هذا المؤرخ الإسباني.

ولم تكن ألمانيا لتتخلف عن تقديم كل أنواع المساعدة لإسبانيا، على عكس ما روجت له الدعاية الفرنسية، والتي رددها بعض الساسة المغاربة في أقوالهم وطروحاتهم الحديثة. والأمر لا يتعلق بمنح إسبانيا سلاح الغازات السامة الذي سنتناوله لاحقا، بل نسجل ما ذكره مؤلف كتاب ” الغازات السامة بالمغرب “، من أن « مشاعر الحقد الدفين تجاه كل ما يمت للمغاربة بصلة… تعود إلى نهاية الحرب العالمية الأولى على الأقل، عندما نقلت باريس وحدات عسكرية من المغرب… إلى بلاد الراين المحتلة… وارتبطت شرور الاحتلال في الوعي الألماني بوجود المغاربة هناك»؛ فقد حصلت إسبانيا على كل ما رغبت فيه من ألمانيا، وكذّبت رسميا ما أشيع عن مساعدة محتملة من ألمانيا إلى الخطابي. ولذلك كانت ألمانيا إلى جانب إسبانيا. ومن ثم فإن قناعة عبد الكريم، الوالد، بأن إسبانيا لا تريد السلام ولا تريد التعاون، خاصة وهي مسندة بالقوى الاستعمارية، اقتضت أن يسند القيادة إلى ابنه محمد الذي اكتمل وعيه بحقيقة الاستعمار وخطره على المغرب، وتوافرت فيه شروط القيادة بأبعادها الشخصية والتكوينية والإستراتيجية؛ ومنذ أن حل بأجدير، في عودته النهائية من مليلة، نراه برفقة والده حيثما حل وارتحل إلـى الأسواق والقبائل داعيا إلى الوئام بين القبائل والتخلي عن قانون الثأر، والاستمساك بشريعة الإسلام، طالبا إسبانيا بالسلام بين الشعبين، ومحرضا المواطنين للدفاع عن حريتهم وكرامتهم عند اللزوم. وبعد وفاة والده الغامضة في ” تَفَرسيت” في شهر غشت 1920 عند خطوط التماس مع العدو، كان من البديهي أن يتولى القيادة، وأن ينتقل من مرحلة الإعداد إلى مرحلة العمل؛ فهو الخبير بالعقلية الاستعمارية الإسبانية، والمطلع على الأساليب المستعملة في ذلك، وبالجموح المتغطرس للقيادة العسكرية نحو استعمال القوة؛ لكنه كان يعرف أن جنود الإسبان الفقراء البؤساء كانت دوافعهم إلى الحرب لا تستجيب لجموح قادتهم؛ وبخاصة الجنرال “سلفستري”، قائد الجيش في الجبهة الشرقية.

ومع ذلك، فإن الخطابي أصبح، منذئذ، في سباق مع الزمن على ثلاث جبهات:

جبهة التآخي بين القبائل وإيجاد التحالفات الضرورية، ليس فقط بين فخذات قبيلة بني ورياغل، وإنما بين مجموع القبائل في الريف. ولم يكن الأمر هينا بالنظر إلى البيئة الاجتماعية والثقافية للمنطقة، وبالنظر أيضا إلى سياسة الاستمالات والإغراءات المختلفة التي مارستها إسبانيا، وفقا للقاعدة الاستعمارية الشهيرة «فرق تسد». لكن الإصرار على الوصول إلى الهدف والمثابرة والصبر والإلحاح الدائم من أجل تجاوز الخلافات؛ كل ذلك أدى إلى تحقيق النجاح الأول بعقد مؤتمر فخذات قبائل بني ورياغل في إمزورن بتاريخ 20 شتنبر 1920 الذي نتجت عنه معاهدة الصلح والعهد بالتصدي للإسبان.

جبهة نبذ شريعة الثأر التي جعلت سكان الريف يمارسون الانتحار الجماعي بدون تردد، كما جعلت حياتهم تغوص في فوضى، وفي انعدام الأمن والاطمئنان، مما جعل القوى الاستعماريـة تجد مبررات لاحتلال المنطقة. وكان ربح هذا السباق لا يقل أهمية من معركة توحيد القبائل؛ إذ لا معنى لذلك التوحيد والتآخي بدون نظام قضائي يضمن حقوق الإنسان ويطمئن إليه الجميع. وهذا ما تم فعلا بتأسيس محكمة الشعب، التي ستعرف بمحكمة «المزمة»، والتي اهتمت في الأساس بتمتيع المتهم بكامل حقوق المحاكمة العادلة، واعتبرت الثأر الشخصي أو القبلي عملا إجراميا يعرض صاحبه للمتابعة القضائية، وتم تطبيق ذلك فعلا على أرض الواقع على كل من ثبت ضده أنه لم يلتزم بقوانين المحكمة.

جبهة إيقاف الزحف الإسباني من مليلة نحو الريف الأوسط؛ خاصة بعد أن تم احتلال مدينة “الشاون”، الواقعة في الريف الغربي، سنة 1920، بدون أي مقاومة تذكر. ولذلك كان لابد من العمل والإسراع في تحقيق التحالف مع قبيلتي “تمسامان” و”بني توزين” المتميزتين بموقعهما الإستراتيجي على مشارف بني ورياغل من الناحية الشرقية. ولم يكن شغف الجنرال سلفستري قائد القوات الإسبانية الشرقية أقل من شغف قائد جيش بوحمارة قبل ذلك بـ 13 سنة لاحتلال بني ورياغل، لكي تتلاقى مع القوات الأخرى التي وصلت مدينة الشاون. وكان الخطابي يستلهم خطة والده ورفاقه، التي ألحقت الهزيمة النهائية بجيش الروغي بوحمارة سنة 1908، وحيث إن الظروف اختلفت باختلاف الخصم وعدده وعتاده، فإن الخطابي قرر نقل مركز القيادة إلى ” القامث” بجبال تمسامان المقابلة للمراكز المحتلة من قبل العدو، على الرغم من وجود بعض الأعيان الموالين للإسبان هناك.

وحققت تلك السباقات نجاحا كاملا في بعضها، كالتخلي عن العادات الثأرية، والقبول بالأحكام الشرعية، وحققت نجاحا جزئيا في المجالات الأخرى؛ لأن تراكم المشكلات وتوجس الناس خيفة من بعضهم البعض، وحاجتهم إلى الاقتناع بصدق النوايا، والانتقال من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل، ومن حالة التطرف في الآراء والتشرذم إلى حالة ممارسة ثقافة التعاقد، لم يكن أمرا يسيرا على النفوس، ولا هينا على الجماعات والأفراد، الذين ألفوا عدم الانصياع للقانون.

القرار الاستعماري لغزو الريف

الهجــوم الإسباني

النصر منبعه الإيمان وحسن التدبير

وتشاء أحداث التاريخ أن تستجيب لإرادة الشعب نحو وطنه، وإرادة الشعب من إرادة الله؛ ففي خلال شهر واحد وعشرين يوما يتم تحطيم الرقم القياسي في كسب كل السباقات بإتمام البرهنة على أن النية صادقة، وأن الهدف واضح، وأن العمل ميزان الأقوال. فما بين 1 يونيو و21 يوليوز 1921، حدث أمر لم يصدقه لا العدو ولا الصديق، لكنه وقع فعلا فوق أرض الريف في جبال تمسامان، ألا وهو انهيار جيش إسباني ضخم يتجاوز تعداده 20 ألف جندي بكامل عدته الحديثة بين مثلث لم يكن أحد يذكره لا في الجغرافيا ولا في التاريخ؛ إنه مثلث «إغريبن وادهار أوبران وأنوال»، الذي أصبح أشهر من نار على علم، بل أصبح رمزا لعزة المغرب وشرفا للمغاربة. وقد حدث ذلك الانهيار الذي فقدت فيه إسبانيا 950 ضابطا و20300 جندي، بين قتيل وجريح ومفقود وأسير، بمجموعة من المجاهدين تقدر في أبلغ المبالغات بـ 5000 شخص. وتقول تقديرات محمد سلام أمزيان بـ 125 مجاهدا. أما البوعياشي فيقدر عدد المجاهدين بحوالي 700 مجاهد. في حين أكد فورنو أن الريفيين قاتلوا الغزاة «بنسبة رجل واحد لكل ثلاثين رجلا»، ثم يوضح لاحقا أن عدد قوات عبد الكريم عند بداية معركة أنوال كانت تتراوح بين 500 و600 رجل.

عبد الكريم وانتصار أنوال

إن الأمر المؤكد هو أن انتصار المجاهدين، بقيادة الخطابي، اعتبر في الريف يوم عيد عظيم ليس له مثيل في تاريخهم، جسّد وحدتهم وتآخيهم بالتحاق جميع القبائل بصفوف الجاهدين؛ فقد تأكدت النية وصدقت العزيمة وتبين الرشد من الغي، وأصبح ادهار أوبران وإغريبن وأنوال معلمة ثقافية شعبية تغنت بها الفتيات، وخُلّدت في الأشعار المتداولة إلى اليوم. أما في أوروبا فلم يكن تصديق ما حدث أمرا هينا على النفوس أو يسيرا على العقول، ولم يستطع أحد تقديم تفسير ما حدث، أو تعليل الكارثة التي حلت، ولأول مرة، بالجيوش الاستعمارية الغازية لإفريقيا وآسيا في العصر الحديث. ولم يكن بوسع القوى الاستعمارية إلا أن تدرك أبعاد الرسالة التي كتبت في أنوال؛ فنراها تحاول عبثا الحد من آثارها والتقليل من انعكاساتها على الرأي العام العالمي حول السياسة الاستعمارية. ولتجنب ذلك أسرعت فرنسا إلى اتهام ألمانيا بتقديم الأسلحة للريفيين وتدريبهم على استعمالها. إلا أن إسبانيا نفسها كذبت تلك الادعاءات بسبب ما كان يربطها من علاقات وطيدة مع ألمانيا، واعتبرت أن «باريس كانت تهدف إلى التواري خلف تلك الشائعات، وأن فرنسا كانت تريد التمويه وتحويل الأنظار عن مساعداتها هي بالذات للمتمردين وتزويدهم بالأسلحة.»

Ramadan1439
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -