حرب سيدي إفني، أو "الحرب المنسية" كما تُعرف في إسبانيا (بالإسبانية: La guerra olvidada)، هي نزاع اندلع بين المغرب من جهة وإسبانيا وحليفتها فرنسا من جهة أخرى. بدأت الحرب في أكتوبر 1957 بعد عام من استقلال المغرب، واستمرت حتى أبريل 1958، حيث تمكن المغرب من استعادة منطقة طرفاية (رأس جوبي) شمال إقليم الصحراء.
خلفية تاريخية الحرب المغربية الإسبانية، حرب سيدي إفني 1957 - 1958
نشأ النزاع بسبب اتفاقية ود الراس التي وقّعها السلطان المغربي محمد الرابع عام 1860، والتي تنازل بموجبها عن منطقة إفني لصالح إسبانيا بعد الحملة الإسبانية. وعلى الرغم من أن منطقة إفني ظلت تحت السيطرة الإسبانية، إلا أن جيش التحرير المغربي سعى منذ استقلال المغرب عام 1956 لاستعادة الأراضي التي لا تزال تحت الاحتلال، وذلك بالتعاون مع سكان المنطقة الصحراوية.
بداية الصراع وأسبابه
في أكتوبر 1957، شنّ جيش التحرير المغربي هجمات ضد المواقع الإسبانية في المنطقة، مطالبًا بعودة الأراضي للمغرب. لم يقتصر الهجوم على إفني فحسب، بل امتد إلى مواقع أخرى في الصحراء. أدى هذا التصعيد إلى تدخل الجيش الفرنسي لدعم إسبانيا نظرًا لعلاقاته المتوترة مع المغرب، مما وسّع نطاق الحرب.
مسار الحرب
في خضم الصراع، قام الملك محمد الخامس بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية لحشد الدعم للقضية المغربية والثورة الجزائرية، بينما كان ولي العهد آنذاك، الأمير مولاي الحسن، يشرف على عمليات الدفاع في الجنوب المغربي. نفذ جيش التحرير المغربي، بالتعاون مع قبائل أيت باعمران، هجمات قوية على المراكز الإسبانية في المنطقة، مكبّدين إسبانيا خسائر مهمة. ردًا على ذلك، أرسلت إسبانيا تعزيزات عسكرية من جزر الكناري، وهددت بقصف مدينة أكادير.
حرب إفني. فيلا بنس، 10-1-1958.- القوات الاسبانية بالقرب من كيب جوبي. EFE.
كان الملك محمد الخامس رحمه الله في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية من أجل حشد الـتأييد والدعم للثورة الجزائرية عندما اندلعت حرب سيدي ايفني سنة 1957م.
حرب سيدي ايفني بين المغرب واسبانيا 1957م 1958م
قام جيش التحرير المغربي بتنسيق مع قبائل أيت باعمران بالهجوم على المراكز الاسبانية بالمنطقة ، واستولى المهاجمون المغاربة على 6 مراكز قرب سيدي ايفني وكبدوا الجيش الاسباني خسائر هامة منها كتيبة يرأسها الملازم أورتيز الذي سقط في ساحة القتال وأطلقت عليه اسبانيا لقب (شهيد الوطن). فنظمت حكومة اسبانيا خطة دفاعية مضادة ، ونقلت جيشا اضافيا من جزر الكناري ثم أرسلت باخرتين حربيتين هما كانارياس ونيبتون اقتحمتا المياه الاقليمية المغربية وهددتا بقصف مدينة أكادير . فتحمل ولي العهد آنذاك (الأمير مولاي الحسن) مسؤولية الدفاع عن المغرب ضد هجوم اسباني محتمل ، وأرسل الى الجنوب فيالق عسكرية من القوات المسلحة الملكية تمركزت على طول ساحل أكادير وفي ضواحي سيدي ايفني ، ثم أعطى ولي العهد أوامره باطلاق النار على كل .طائرة حربية اسبانية أو أجنبية تخترق الأجواء المغربية.
وبدأ الهجوم المضاد الاسباني ضد وحدات جيش التحرير المغربي والقبائل المساندة له بقصف جوي قام به الطيران الحربي الاسباني على خط ايبوزكارن وكولميم.
(( سنعاقب الثوار المغاربة بشدة)) هكذا كانت مدريد تهدد .، معتبرة أن سيدي ايفني اسبانية وستبقى اسبانية.
لم يوقف اتصال السقير الاسباني بوزير الخارجية المغربي (بلافريج) الحرب الدائرة. وبقي جيش التحرير المغربي متشبثا بشدة بمراكزه داخل منطقة سيدي ايفني ، وشن هجومات ضد المواقع الاسبانية في نواحي مدينة العيون ، كما نصب الكمائن لقوافل الامدادت الاسبانية.
بعد مرور ثلاثة أسابيع على الحرب كان الملك محمد الخامس مازال في واشنطن بينما وجه ولي العهد الذي كان يتابع معارك وانتصارات جيش التحرير تحذيرا عبر أمواج الاذاعة يقول فيه
(( اذا قرر فرانكو تسليم المغرب الجنوبي الينا فسأتدخل شخصيا لدى قبائل أيت باعمران لانهاء المعارك.)) وأضاف ((أعطونا بهدوء الصحراء حتى نعمل على ارجاع السلم في سيدي ايفني)).في هذه الأثناء كانت الصحافة الأمريكية تحث حكومتها على مساندة اسبانيا في هذه الحرب.
استمر القتال في سيدي ايفني ، وأرسلت اسبانيا المزيد من القوات والامدادات. ثم ظهرت في شواطئ أكادير 6 بوارج حربية أسبانية فوجهت القوات المسلحة الملكية مدافعها نحو المحيط استعدادا للرد على أي هجوم.
وفي 7 دجنبر 1957م عبرت اسبانيا عن رغبتها في فتح مفاوضات مع المغرب بعد أن كانت تؤكد سابقا عزمها على مواصلة الحرب حتى تحقق الحسم العسكري.
أعطى فرانكو أوامره للجيش الاسباني أن يجمع قواته في سيدي ايفني وأن يتخلى عن عن المراكز العسكرية الأخرى لفائدة المقاتلين المغاربة الذين سلموها في الحين للقوات المسلحة الملكية.
استقبل فرانكو وجيشه سنة 1958م بطعم الهزيمة ، و برز عبر الخطاب الذي ألقاه في عيد السنة الجديدة كثير من المرارة من جيش التحرير المغربي الذي قهر الجيش الاسباني في سيدي ايفني والصحراء المغربية حيث قال:(( ان التضحيات التي قدمها المكافحون الاسبان في سيدي ايفني سيستفيد منها بلدهم واوربا الغربية بكاملها ، وسوف لن يتراجع الشعب الاسباني أمام العدوان الخسيس الذي يقوم به الخارجون على القانون المغاربة...)).
أدى توغل جيش التحرير المغربي في مناطق الاحتلال الفرنسي ( شنقيظ او موريطانيا لاحقا) الى اتفاق الفرنسيين والاسبان على القيام بعملية عسكرية مشتركة عرفت باسم ( المكنسة ) استعمل فيها الطيران الحربي بكثافة مما اضطر المقاتلين المغاربة الى التراجع نحو الشمال.
رغم تراجع جيش التحرير الا أن سيدي ايفني بقيت محاصرة حتى سلمتها اسبانيا للمغرب سنة 1969م ، أما منطقة طرفاية فقد استرجعها المغرب قبل ذلك بحوالي 10 سنوات (1958م).
ورغم التفوق العسكري الإسباني، أبدى جيش التحرير المغربي مقاومة شرسة، مما دفع إسبانيا للتفاوض مع المغرب في ديسمبر 1957. وعقب اتفاق الطرفين، انسحب الجيش الإسباني من عدة مراكز خارج سيدي إفني، تاركًا إياها لجيش التحرير المغربي.
نتائج الحرب
رغم انسحاب جيش التحرير المغربي بعد الحملة المشتركة الفرنسية الإسبانية المعروفة بـ"المكنسة" في الصحراء الغربية، استطاع المغرب استعادة منطقة طرفاية في 1958، بينما بقيت سيدي إفني تحت السيطرة الإسبانية حتى عام 1969. وفي وقت لاحق، تمكّن المغرب من تحرير بقية الأراضي الصحراوية عبر تنظيم المسيرة الخضراء عام 1975.
الأهمية الاستراتيجية لسيدي إفني
كانت منطقة سيدي إفني ذات أهمية استراتيجية لإسبانيا، كونها تشرف على جزر الكناري وتتيح لإسبانيا السيطرة على المياه الإقليمية ومصايد الأسماك القريبة. لكن، بحلول أواخر الستينيات، تخلّت إسبانيا عنها نتيجةً للتكاليف الباهظة ولضعف الدعم الدولي لاستمرار الاستعمار.
هذه الحرب تُعدّ مثالًا على المقاومة المغربية لتحقيق استقلالها واستعادة أراضيها، وتشكّل فصلًا مهمًا في تاريخ النزاع المغربي الإسباني حول الأراضي الصحراوية.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.