أخر الاخبار

اليهود في الأمثال الشعبية المغربية

اليهود في الأمثال الشعبية المغربية

ما يثير الدهشة  - عندما ننظر إلى التراث الحضاري والثقافي الذي احتل جزءًا كبيرًا من الخزان العامل للغة وثقافة وحضارة الأمة - هو هذا العدد الكبير من الأمثال الشعبية التي تشير إلى تمثيل واعي ومكثف للتجارب من الأجيال السابقة ، وتصرفها من خلال مواقف ومحطات معروفة ومجربة. ولكن عندما يتحول هذا التقليد الشفهي الشعبي إلى الكتابة المكتوبة ، فإنه يتبعه رقابة من المدون الفكري ، ويتم سحب العديد من الأمثال دون وعي من الرقابة ، إما لأنها تقوض الحياء أو لأنها تحط من قيمة جماعة اجتماعية أو قبلية أو دينية. وكأن المدون يعيد كتابة الأمثال (الفعل الشعبي) تحت هوس بالحجم والتكرير (الفعل المثقف). على هذا الأساس ، نجمع جانبًا مهمًا من التراث الثقافي الموجود بالفعل من خلال التجارب وأشكال التعبير التي يتم تعايشها ونشرها.

اليهود في الأمثال الشعبية المغربية

إن للأقليات اليهودية المغربية جذورا راسخة في النسيج الاجتماعي وعلى مسار كل الحقب التاريخية. ذلك لأن اليهود شغلوا حرفا ومهنا كانت في أغلبها حكرا عليهم، كالحياكة وخياطة ملابس النساء والأفرشة وتجارة التوابل والصرافة والحلي والعطارة، كما شغلوا مهنا أقل مستوى تهتم في أغلبها بمهام البيت وحاجاته. كما انصهر العنصر اليهودي في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية بصور وأشكال تتسع وتنشط وتختفي حسب الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي عرفها المغرب وتميزت بها طبيعة الحكم فيه. وما يهمنا بهذا الصدد هو أن العنصر اليهودي لم يكن أبدا بالنسبة للمغرب والمغاربة عنصرا دخيلا وغريبا بمثل ما كان عليه الترك مثلا أو النصارى. ولهذا نعتبر أن اليهود قد شكلوا –حتى قبل بروز الدولة الإسلامية بالمغرب- عنصرا مكونا من ضمن العناصر المكونة لساكنة هذا البلد، يدخلون في الشكل العام والمتناسق لفسيفسائه الدينية والثقافية والاجتماعية، على الرغم مما يمكن أن يقال عن تهميشه أو التنكيل به أو إهانته.. لأنه عانى منها في فترات معينة بنفس الشكل والصورة اللتين يمكن أن يعاني منها مكون آخر في ظروف وملابسات أخرى. فعلى هذا الاعتبار سيكون النظر إلى اليهود في هذا العمل. وقد تميز اليهود داخل هذه الوحدة الثقافية المتسمة بالتنوع بمزايا وخصائص وأوصاف عبرت عنها ودونتها الآداب الشعبية بكل جلاء، مثل المكر والدهاء والذلة والجبن والتمسك بالمعتقد.. وهي خصائص وأوصاف يمكن أن توجد مجتمعة أو متفرقة عند أقلية أو مجموعة مغربية أخرى.

يمكن تصنيف هذه الأمثال حسب المواضيع التي عبرت عنها على الشكل التالي:

أ – من يذهب جهده سدى ولا يرجى من عمله طائل، الرجوع بخفي حنين، مثل:

  • ـ بحال اللي كايحسن لولاد اليهود لا أجر لا منفعة.
  • ـ بحال مزلوط اليهود، لا دنيا لا آخرة.
  • ـ جا لوسط الملاح، وقال ألعاشقين في النبي صلوا عليه.

ب – الحث على الخلق الصالح وحسن السلوك، مثل:

  • ـ سير مع اليهود، وخلي الجيران شهود.
  • ـ مات يهودي في الملاح.
  • ـ كل طعام اليهودي، ونعس فـ فراش النصراني.

ج – المكر والخديعة، مثل:

ـ الثقل والعقبة والحمار يهودي.
ـ الربعة د اليهود.

د – الأنانية والاحتقار، مثل:

ـ خسارة فاليهودي عينيه.
ـ بحال مقابر اليهود، البيوضا وقلة الرحمة.

هـ – التشبيه، مثل:

ـ عندها ساق عجمية، وسالف يهودية.

و – الإقبال والتآلف، مثل:

ـ طاحت البصلة في الملاح.

ز – المساومة والعناد، مثل:

ـ بحال عاتق اليهود، زوجوني ولا نسلم.
ـ بحال اللي دافع اليهودي للجامع.

أمثال متنوعة

ـ بحال مزلوط اليهود، لا دنيا لا آخرة.
ـ جا لوسط الملاح، وقال ألعاشقين في النبي صلوا عليه.
ـ سير مع اليهود، وخلي الجيران شهود.
ـ الثقل والعقبة والحمار يهودي.
ـ الرباعة د اليهود.
ـ بحال عاتق اليهود، زوجوني ولا نسلم.
ـ بحال اللي دافع اليهودي للجامع..
ـ على من كتقرا زابورك أداود.
“تقول مربي فلملاح”، للمكر، 
“بحال إلى كتجر اليهودي يسلم”، للعناد، 
“ها هو الملاح ماشي لهيه”، للخديعة، 
“ما تيقش بلهودي إلى سلم، وخا بعد ربعين جد”، عدم الثقة، 
“بحال جنان اليهودي، كولو ولعن مولاه”، للجحود، 
“صرف اليهود معقول لعنهم الله”، للاعتراف بقدرات اليهود التجارية، 
“اليهود، كول مكلتهم ولا تنعس في فراشهم“، لازدواجية التعامل معهم.

يتضح من خلال كل هذه الأمثال أن المقصود من إثارة اليهود فيها ليس سوى من باب التشبيه بهم أو إعطائهم نماذج وأمثلة انطلاقا من خصائص معروفة وسمهم المجتمع بها، وهو الشيء الذي فعله على نفس النمط وبنفس الشكل من الحدة والسخرية مع غيرهم من مكوناته، ولم نلمس أنه قصد التوجه المباشر إليهم ليخصهم بالتجريح أو الإهانة.

ولا نريد من هذه الأمثال أن تفضي إلى أن اليهود –من خلال الأمثال الشعبية- قد قضوا في المغرب ولا يزالون شهر عسل دائم، ولا نريد أيضا أن نسم هذه العشرة بطابع الإقصاء والرفض والاحتقار. لأنه بالإمكان إيراد ما يكفي من الأمثلة والشواهد والشهادات على صحة الوضعين والحكمين معا، وهما –من الأكيد- بعيدين أشد ما يكون البعد عن الحقيقة والصواب. والحال أن النظرة والموقف يختلفان حسب موقع التعامل، تجاريا كان أو اجتماعيا أو دينيا. وما البحث عن هذه الحال إلا عبر مثل هذا الغوص في الذاكرة الشعبية، والاستعانة بما يفيد من علوم ومناهج أخرى ويعين على نبش الذاكرة والاقتراب من حقيقة هذا التعايش الذي تتناقض فيه الآراء والمواقف حسب منطلقاتها السياسية والدينية والثقافية.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -