أخر الاخبار

بين المشرق والمغرب: عناية العلماء في مواجهة الاستنكار والتهميش


تطرق ابن حزم الأندلسي في شعره إلى مسألة تهميش العلماء في الأندلس وعموم المغرب، معبراً عن أسفه لقلة الاهتمام بهم مقارنة بأقرانهم في المشرق. وقال في هذا السياق:

"أنا الشمس في جو العلوم منيرة ** ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ** لجد على ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو أكناف العراق صبابة ** ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ** فحينئذ يبدو التأسف والكرب"
       
"هنالك يدرى أن للبعد قصة     وأن كساد العلم آفته القرب"


في هذه الأبيات، يشبه ابن حزم نفسه بالشمس المضيئة في عالم العلوم، لكنه يرى أن انطلاقه من الغرب (المغرب والأندلس) كان عائقاً أمام تقدير علمه، ولو كان مطلعه من المشرق لحظي بتقدير أكبر. فهو يشير إلى الفارق في تعامل المشارقة مع علمائهم، إذ يولي المشارقة اهتماماً كبيراً بعلمائهم، بخلاف الأندلس التي غالباً ما تقلل من شأنهم وتستقبلهم بالانتقاد والتجاهل.

نقد ابن حزم للواقع الثقافي في الأندلس

في "رسالة فضائل الأندلس" نقل ابن حزم صورة سلبية عن تعامل المجتمع الأندلسي مع علمائه، مستدلاً بالمثل السائر "أزهد الناس في عالمٍ أهلُه". وعلّق قائلاً: "قرأنا في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: (لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده)". واستشهد بما لقيه النبي ﷺ من رفض من قبيلة قريش رغم حكمتهم، لكنّ الله وفق الأوس والخزرج لاستقباله.

ويضيف ابن حزم أن الأندلس تشتهر بظاهرة حسد علمائها، إذ يتصيدون عثراتهم ويقللون من إنجازاتهم. فحين يبدع عالم يقولون عنه "سارق"، وإن توسط اتهموه بالضعف، وإن تفوق سخروا من أصوله وشككوا في علمه. وعند تأليفه لكتاب يُعرض ويُنتقد حتى تُهمل فضائله ويبرز منها الزلات الصغيرة فقط، مما يؤدي إلى تثبيط همته.

محمد السنوسي وأثر المشرق

لفت محمد السنوسي إلى هذه الظاهرة أيضاً، مقارناً بين عناية المشارقة والمغاربة بعلمائهم، ووجد أن المشارقة يهتمون بطلاب العلم ويحرصون على الأدب معهم، على عكس أهل المغرب. قال السنوسي: "إن أهل المغرب أقل عناية بمشائخهم... ويستحي كثير منا أن ينسب بالتلمذة لمن كان خاملاً".

خاتمة: قلة التقدير آفة للعلم والمعرفة

يلخّص ابن حزم وآخرون معاناتهم من تهميش العلماء في بلادهم، فعدم التقدير والإقصاء كانا عائقاً أمام ازدهارهم وتطوير علومهم. وبهذا، ينبهون إلى أهمية تقدير العلماء واحترامهم، لضمان استمرار دورهم كمنارة للعلم والمعرفة.


المصادر:

["نفح الطّيب" (2/81)، و"المُغرب في حلى المَغرب" (1/356)، و" تاريخ الإسلام " (30/414)].
١
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -