أخر الاخبار

مهنة الصفارين في فاس تتحدى الانقراض والاندثار

 

مهنة الصفارين في فاس
فاس ، باب مكينة ، سوق النحاس حوالي عام 1930

في قلب مدينة فاس المغربية العتيقة، ووسط عدد كبير من زملائه الصفارين الذين يستخدمون مدقاتهم، يجلس العم طه الإدريسي، ممسكاً بمدقته الحديدية ضارباً آنية من النحاس أمامه، مُعيداً إحياءها وتلميعها، لتصبح براقة.

يجلس العم طه في مقدمة ساحة الصفارين، تلك الساحة العتيقة التي بناها حكام الدولة المرينية في القرن الثالث عشر ميلادياً، والتي تمتلئ بصناع النحاس، الذين يصهرون قطع النحاس القديمة وبجاورهم اؤلئك الذين يُعيدون تشكيل تلك القطع، وغيرهم الذين يلمعون الأواني والمشغولات النحاسية القديمة حتى نصل إلى أولئك الذين ينقشون الرسومات والأشكال المبهجة على تلك الأواني والمشغولات.

يقول طه إن "هذه المهنة العتيقة التي يبلغ عمرها قرابة الثمانية قرون، لا تزال من أعرق المهن في مدينة فاس، حيث يتوارثها الأجيال"، لافتاً إلى أنه ورثها عن أبيه، الذي ورثها بدوره، عن جدّه، وهي تشبه الفن الجميل الذي يصنع من قطع المعدن، تحف في غاية في الجمال، تجذب مئات الآلاف من السياح حول العالم.

أما العمراني الظريفي محمد، وهو نقاش النحاس بأحد أزقة الساحة، فيقول "يأتي العديد من الناس إليه، لتذويق قطعهم النحاسية والرسم عليها"، لافتاً إلى أنّ عمال المقاهي يأتون إليه بغلايات الماء للرسم عليها، وأخرين يأتون لنقش صورهم الشخصية وذكرياتهم فوق بعض القطع.

وقد بلغت شهرة صفاري النحاس بمدينة فاس العتيقة كافة أرجاء العالم، ويعود السبب في ذلك إلى دقة مهارتهم واتساع خيالهم وإبداعهم وإتقانهم لتلك المهنة العريقة التي اتخذت من لون النحاس الأصفر اسماً لها.

مهد "البراد" المغربي يرفض الاندثار

على وقع أصواتِ المطارق في سوق “الصفارين”، بمدينةِ فاس العتيقة، يتلمّسُ الزائر تفاصيل المهنة التي ترفض الاندثار، ضجيج المطارق وهي تضرب بخفة ودقة على آنية من نحاس، أو فضة مزركشة، محدثة سمفونية فريدة يصعب تأليفها أو عزفها من طرف أمهر الموسيقيين.


وبإحدى البيوت الضيقة بقلب المدينة العتيقة، شباب وكهول كل في عمله، أصوات ضجيج المطارق والآلات لا تتوقف، قبل تعريضها للنار من أجل معالجتها.


ما إن تحدثنا إلى محمد الشاب الذي أتم عقده الثاني، بعدما استأذناه في أخذ دقيقة للدردشة معه حول عمله، حتى أجابنا بعفوية تنم عن رحابة صدر أهل فاس “عملنا بسيط للغاية، ولا يستغرق أكثر من ربع ساعة لصناعة قالب البراد (أبريق شاي)، ليس لدينا رقم محدد لعدد القوالب التي نصنعها في اليوم، نشتغل منذ الصباح إلى المساء وهكذا دواليك”.


في نفس الزقاق وبإحدى البيوت المجاورة يتكرر المشهد، يتوزع شباب ونسوة على ثلاث غرف ضيقة، كل مجموعة منشغلة بعملها كخلية نحل، بعضهم يصبغ البراد بمادة سوداء، والبعض الآخر يقوم بغطس الأواني النحاسية داخل أحواض ماء بها مواد كيماوية، ونساء في الجانب الآخر من الغرفة يمررن نشارة الخشب على الأواني النحاسية بعدما يقوم بتنشيفها شاب في العشرين من عمره بواسطة أنبوب هواء.


يقول “لشهب محمد”، شاب في الثلاثينيات من عمره وهو المسؤول عن الورشة في حديث مع وكالة الأناضول: “هنا في الورشة عمالي مكلفون بـ التشلال (أي منح الأواني لونا فضيا). نشتغل اليوم كله في تشلال الأواني النحاسية، نستقبلها من زبنائنا لنقوم نحن بمنحها اللون الفضي”.


ويضيف عارضا تفاصيل عمله: “المواد التي نستعملها في التشلال كيماوية، نعلم بخطورة الأمر لكن ما باليد حيلة، هي مهنة ورثناها عن أجدادنا ولا محيص عنها”.


ومن مدينة فاس تتوزع الأباريق الفضية على مختلف متاجر المدن المغربية، التي تستقطب زبناء يفضلون صب الشاي المنعنع يوم العيد من برادمغربي تقليدي، يحمل بصمة صناع فاس.


 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -