المقاوم البطل الأحمر بن منصور
في حوالي العقد السابع من القرن التاسع عشر، سيولد بالمذاكرة منطقة القوادرة/الأحلاف، طفل سيفتح بصره الواسع على فضاء الشاوية المشرع على كافة الاحتمالات الملحمية ووسط عائلة شجاعة، فيسميه والده السيد الحاج البشير، باسم الأحمر بن منصور.
بعد ذلك تربى وترعرع وسط عز عائلته وبطولات أهل المذاكرة وأهل الأعشاش وأولاد امحمد في صراعات عابرة وقوية دفاعا عن القبيلة...ومنذ طفولته المبكرة بزغ طموحه في أن يكون محاربا ومقاتلا، فحمل السلاح وركب الخيل ثم صار شابا بملامحه الحازمة ونظراته التي لا يمكن لنا إلا تخيلها، ملآى بعز الماضي والشوق إلى كل الحياة ،حيث الموت ركن أساسي فيها.
كان رجلا متوسط القامة، أحمر اللون، بسِمات الهيبة ولباس الأبطال، يحب الحياة، لا يحتمل أن يرى الناس تموت ظلما وقهرا، ولم يفهم لحظتها من كان وراء كل هذا، وخلف صراع القبائل.. لأنه ولسنوات كان يُبري قوته وشراسة مواجهاته بذراع أيمن مثل الطيف الرحيم، مسعود ولد رحيمو، الخارق في كل شيء، والذي بموته سيترك فراغا عميقا في حياة الأحمر، بل أثرا سيتلمس ضياعه كلما حن إلى سند قوي؛ومن عادته أن يختار من أصدقائه الأصفياء والأقوياء... بوشعيب بن الغزواني والعربي بن بوعزة هذا الأخير الذي أنقذه مرة من موت محقق فقال فيه قولا مازال الحفدة حتى الآن بتوارثونه بتقدير كبير :" العربي بن بوعزة والباقي الله".
آصبري آصبري يا بنتي / خيام الغدَّارا تْريبْ
آشْ هاذْ العشوية /تْخَلْطَتْ الخيل والرَّجْلِيَّة
ضُربوا ماكاين هروبْ / تخلط حجر وكركوبْ
يانا فين مسعود وفين عَوْدُو/ حتى من مراتو مجاهدة
آلميمة آلميمة /شكون هو ولدك من هاذو.
ومن أصدقائه الأصفياء بوعزة بن الشرقي ،الفقيه والعلامة الذي درس بالأزهر و صاحب فتاوى كثيرة ،لأنه" رجل العلم والقلم والدواية". كان قاضي القبيلة، تزوج أربع نساء وترك 12 ذكرا و12 بنتا. ويروى أنه كان ينسج للأحمر بن منصور لباسا يصلي عليه أربعين يوما في الثلث الأخير من كل ليلة... لباس لا يخترقه رصاص الفرنسيين، إنه بالتأكيد جزء من المتخيل الضروري الذي يلازم الأبطال والفقهاء.ومع بوعزة بن الشرقي أصبحت نساء المذاكرة يرثن حقوقهن كاملة، كما كان يسلك سبيل الزواج من القبائل المجاورة وتزويج بناته لها حتى يحد من التناحرات.
آفين الزَّرْكَة بنت محمد / اللابسة القفطان بِدمُّو
غَوْتَاتْ بنت العطيوي / الِّلي ترصص ها عَبُّوُني .
تزوج الأحمر بن منصور أول مرة وقد بلغ سن الشباب، من ابنة عمه " الكردة" ثم بعدها خديجة بنت المكناسي، والحمداوية واليسيفية، وجوهرة، والفاسية الحيانية والشْبَانية والرباطية والزبيرية...خلَّف منهن عددا من الأطفال ومات له أيضا عدد كبير، حتى إن ابنه الأصغر "أحمد" لما مات قال للمعزين : لو أطللتم على كبدي لوجدتموها قد تفتتت من شدة حزني على كل أولادي المفقودين...
في حروبه التي ستخلد ذكراه بالدم والغبار الأسود، كانت " المْجَدْمَه" والجواسيس، قبيل دخول الاستعمار يطوفون بالمذاكرة فلا يقربون خيام الأحمر بن منصور، وفي سنة 1907 من شهر غشت الصاهد، ومع دخول الفرنسيين إثر حادثة البابور، كما نحب التعبير عنها، ركب فرسه وخلفه أهل المذاكرة في اتجاه الدار البيضاء،فخاض حروبا مريرة في أراضي الدار البيضاء ابتداء من مديونة إلى مناطق تسمى الآن القريعة، العوينة، عين الشق.... مازالت تذكر الكر والفر وترى صوره كفارس رافعا يديه في اتجاه الموت أو الحياة.تغازله الرياح المنزوعة من سراب الصيف كأنما تلثم كل أطرافه بعشق وهو عنها منشغل في حركاته الأزلية.
وابتداء من سنة 1908 ومع مجيء الجنرال داماد، واصل الأحمر بن منصور جهاده إلى جانب باقي الفرسان في معارك ملحمية بجاقمة وسيدي مبارك وفخفاخة، وادي المالح.. وأخيرا في المعركة الحاسمة ببير الورد قرب الغابة وهي معركة قوية مات فيها من العدو العدد الكثير ومن جانب المذاكرة أبطال من رفاق الأحمر، منهم محمد الزيداني. كانت لحظات عصيبة... حفر فيها الأحمر ورفاقه الخنادق وقاموا لمدة خمسة عشر يوما .وأخيرا وبعد مشاورات مع موحا وحمو الزياني، حمل السلالة وتوجه عند بني خيران ( إقليم خريبكة) في ضيافة صديقه حمو الشرقي لمدة سنتين (1909/1910)، كان خلالها يستجمع قواه ويتأمل في المصاب الجلل. ثم سيتنقل إلى فاس لمدة خمس سنوات (1911/1915) محاربا الفرنسيين هناك بحنكته وخبراته العسكرية الفريدة، وسيذيع صيته كمجاهد رفيع المستوى.
وكان من شدة وفائه لأصدقائه وحبه لهم،أن زوجته الفاسية خلفت له ابنا وحيدا أسماه " حمو الشرقي" على الاسم الكامل لصديقه ببني خيران.
عاد إلى المذاكرة بجراح كثيرة ظلت عالقة في صوته وملامحه الحزينة... من دخول الفرنسيين، من موت أبنائه وأصدقائه ورفاق كفاحه،ومن الخيانات المتسربة مثل السم.
استقر بنزالة الأحمر وهو يلبس جلبابين وسلهامين، وبقي هناك يحمي كل من يتردد عليه أو يسكن بجواره دون أن يصله الفرنسيون، رافضا أن يراهم ،كانت له القدرة على الاحتفاظ بصورة الفرنسيين مهزومين أمامه في ساحة المعارك، إلى أن مات ذات يوم خميس من شهر أكتوبر سنة 1928... وهناك دفن ويده اليسرى تحمل سبع رصاصات، وأخرى أسفل بطنه.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.