كل ما يتعلق بالملك,سواء من قريب أو بعيد,عادة ما يكون محاطا بهالة من السرية والغموض والكتمان,لهذا فالديوان الملكي يغذي الكثير من الأقاويل والاشاعات,ويطلق الألسنة ويؤجج التخمينات.وبقدر ما يتسع فريق محمد السادس وتتقوى شوكته,خاطفا الأضواء من الحكومة بقدر ما يضاعف من حوله أعداد الغاضبين والحساد.والواقع أن غالبية المغاربة يضعون في نفس الخانة فؤاد عالي الهمة بصفته مبعوثا ملكيا الى الساحة السياسية والمستشارين الملكيين اللذين ساهما في تكوين الحكومة الحالية.وتبقى النتيجة هي نفسها,فأذن الملك هي التي تحكم.هكذا يمتلك المقربون من محمد السادس سلطة هائلة,سلطة صنع المسارات المهنية والقضاء عليها,ثم سلطة اطلاق الاصلاحات وتعطيلها,حسب حجم تأثيرهم,لكن خلف هؤلاء المستشارين المعدودين على رؤوس الأصابع,هناك فريق متكامل يعمل في الظل بعدما اختبرت عناصره بدقة.
أسرار الحاشية الملكية
في أبريل 2007,بدات واحد الاشاعة كتروج وكتقوى في ردهات مدارس المهندسين الكبرى في فرنسا.كان وسط الطلبة المغاربة في حالة غليان,غير أن قلة قليلة منهم هي التي كانت تتناقل كلمة السر"هل تعرف بأن الديوان الملكي يوظف؟هل يهمك الأمر؟ الصفة المثالية,شاب حاصل على ديبلومات كثيرة,شديد التكتم في الحياة العملية,وملكي على قناعة واقتناع,بطبيعة الحال في النهاية كانت السعيدة التي ابتسم لها الحظ شابة ذات 25 سنة,حاصلة على دبلوم احدى مدارس التجارة الباريسية الشهيرة وغنية بتجربة بضعة أشهر في أحد أبناك الأعمال المحلية,هكذا التحقت زينب بأول عمل لها بالديوان الملكي,رفقة فريق دائم مكون من 25 مكلفا بمهمة,نجد حولها بروفيلات تقليدية بعض الشيء,كثير من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 40و50 سنة,والذين جالوا كثيرا قبل أن يحطوا الرحال في قلب القصر الملكي.
كان ياسين ذو الخمسين سنة مكلفا بايجاد هذه الطيور النادرة.وهو لا يخفي ارتياحه"كنت ملزما بدفتر تحملات واضح ,في الديوان الملكي,نحن في حاجة الة الكفاءات والى شباب قادر على التضحية لمدة معينة بحياته العائلية".عندما نسمع هذا الكلام, نعتقد أن العمل في الديوان الملكي مهمة مقدسة."العديد منا يمكن أن يربح الأموال الطائلة في القطاع الخاص.لكن أهمية العمل في الديوان تكمن في الشعور بلاشتغال على ملفات أساسية بالنسبة للوطن".وهو لا يعد الساعات الطويلة التي قضاها في مكتبه,المكالمات المتأخرة والأسفار المقررة في آىخر لحظة....بعد عدة سنوات من العمل المتفاني,قضاها صاحبنا في خدمة الديوان الملكي,أصبح وجها لا يمكن الاستغناء عنه في المملكة.وكسب ثقة أكبر في نفسه راه حاس براسو فبلاصتو نيت.لهذا تراه يوزع السلام والابتسامات حوله.في محيط الملك,كما يشرح لنا"ليس هناك مكان للرضى الزائف عن النفس,فنحن لا نبحث الا عن الأشخاص الكتومين,هم في الغالب من الرباط أو افس,ونادرا ما يأتون من الدار البيضاء".سيارة"برلين" صغيرة(يفضل أن تكون ذات لون أسود) سترة غامقة اللون ومظهر رصين,فأعضاء الديوان يجب عليهم تجنب الاستعراض.يؤكد لنا أحدهم حقيقة الأمر"حنا كنتجنبو الأشخاص المثيرين للانتباه.وفي الحقيقة نخضع لقاعدتين بسيطتين الكتمان والبساطة.وبطبيعة الحال,فالديوان الملكي يجعلنا نحلم لأنه محاط بالكثير من الغموض,لكن في الداخل,الأمور عادية تماما".كل هذا لا يمنع الانسان العادي الذي يربط دائما الديوان الملكي بالقصر والبلاط,من البقاء مسحورا بأسراره وخباياه.نجد أيضا الكثير من الوصوليين الصغار يشيعون أن لهم علاقات نافذة مع محيط مستشاري الملك.يبتسم ياسين مؤكدا"في الحقيقة هاد الافتتان كيضحكني,أييه كنعترف بيها".
في عرين الأسد
لائحة أعضاء الديوان الملكي علنية ومعروفة,لأن هؤلاء يعنيهم الملك بظهير شريف.لكن بالاضافة الى المستشارين الستة المرتبطين مباشرة بمحمد السادس,نقدرو نحسبو واحد النسبة كبيرة من المستشارين المكلفين بمهمات يتجاوزون العشرين,يحدد رتبهم الملك نفسه.ثم يأتي دور المتعاونين بشكل جزئي,وهم ملحقون في الغالب من بعض وزرات بالديوان الملكي,وعددهم يتراوح بين 100و150 متعاونا.ويوجد على رأسهم محمد رشدي الشرايبي,صديق طفولة الملك,باعتباره مديرا غير رسمي.لكن في الواقع كل مستشار يتوفر على فريق متكامل,يكبر أو يصغر عدد أفراده,يعمل معه على مدار اليوم.يعتبر مزيان بلفقيه وزليخة نصري من أكثر المستشارين حظا,ربما لأنهما الأكثر حضورا من الناحية الميدانية,أو على الأقل الأكثر ظهورا على المستوى الاعلامي.يتكلف الأول بأكثر الملفات حساسية بدرجات متفاوتة من النجاح.فهو مثلا فخور جدا بكونه كان وراء انجاز مشروع ميناء طنجة المتوسطي.لكن في ما يخص المسألة الأمازيغية واصلاح التعليم,فمزيان بلفقيه لم يتقدم كثيرا في الموضوع.أما زليخة نصري القادمة من عالم التأمينات للسهر على الشؤون الاجتماعية,فترأس لحساب الملك"مؤسسة محمد الخامس للتضامن".كما يتمتع محمد معتصم,بدرجة أقل بتأثيره في الملفات المرتبطة بالمجال السياسي.ونظرا لقربه من فؤاد عالي الهمة,فقد ساهم في تشكيل الحكومة الأخيرة قبل أن يلتحق به مزيان بلفقيه.أما أندريه أزولاي فيتمتع بوضع خاص,حيث عين مستشارا منذ 1991,وقد كان يحظى بثقة الحسن الثاني وولي عهده,قبل أن يتقلص دوره بشكل تدريجي في عهد محمد السادس, لكنه مازال سيد مهرجان كناوة بمدينة الصويرة,مسقط رأسه ويبقى محتفظا بحجم لا بأس به من التأثير,بحكم شبكة علاقاته الدولية وصداقاته الأمريكية.انه اليوم سفير النظام,وهو مسافر باستمرار رغم أننا قلما نشاهده الى جانب الملك.أما المستشارون الآخرون,عباس الجيراري وعمر القباج,فهما لا يتمتعان سوى بمكانة هامشية في المحيط الملكي.
في عرين الأسد يرتفع ثمن المناصب."كل شيء لع علاقة بالموقع.يجب تناول الملف بطريقة فعالة,لأن لا شيء يصل بين أيدينا بالصدفة.وقبل أن يتحمل مستشار مسؤولية ملف من الملفات,عليه أن يعد له عدته من قبل".يقول لنا صاحبنا المقرب من دار المخزن.كل شيء يتعلق اذن بالشكل وليس المحتوى,بالمنهجية والحساب وليس بالشجاعة أو الصدق.كان الحسن الثاني في وقته قد قال"ان المستشارين متعاونون مخلصون مقربون مني وكيونسوني.ويمكن ليا نستقبلهم بلا حرج في بين النعاس ديالي".يجب على المستشار أن يتمتع اذن بكل خصال النديم(حسن الكلام والقدرة على الترفيه على الملك)دون أن تكون له كفاءات معينة بالضرورة في مجال من المجالات. تحت حكم محمد السادس تطور دور المستشارين في البلاط بلا شك ويعود ذلك الى كون معظمهم دخلوا الديوان الملكي. وهكذا غير الملك الشاب بعضا من تقاليد الديوان,فبينما كان الحسن الثاني يقرأ خطبه في صيغتها العربية,نجد معاوني محمد الاسادس يعدون له صيغة بالفرنسية تتم ترجمتها لاحقا الى العربية.وأهم الخطوط العريضة في الخطب الملكية تتمثل في ايجاد أفكار قوية وشعارات موحدة مثل(الملكية التنفيذية"و"الملكية المواطنة"."ان معربي الديوان الملكي لا يمكن لمثل هذه المفاهيم أن تخطر على بالهم",يقول متهكما أحد المكلفين بمهمة في الديوان
حكومة الظل
"لم يصبح الديوان الملكي فريق ظل يراقب عمل الحكومة الا في عهد الحسن الثاني,لكن في البداية,لم يكن له الا دور هامشي وشكلي,كان ينحصر في النصائح والمعلومات التي تقدمها حفنة من المستشارين الكتومين الى ملك مازال حديث العهد برئاسة الدولة",كتب جون واتربوري في كتابه الشهير"أمير المؤمنين,الملكية المغربية ونخبتها"(منشورات"يوف",1975).من الناحية التاريخية,أنشىء"ديوان الظل" سنة 1950,تحت اسم"الديوان الامبراطوري".وفي 7 دجنبر,حدد ظهير ملكي تشكيلته بدقة,مدير عام,مدير رئيس الديوان,مستشار وثمانية ملحقين,أي 12 شخصا,وهو رقم يبقى أقل بكثير من الثلاثين مستشارا الدائمين الذين نجدهم اليوم.كما كان هرم المسؤوليات محددا بشكل عقلاني.هذا بالاضافة الى تقليد أساسي يتمثل في الوجود الدائم لمنشط رئيسي وقائد مقتدر يتحكم فيه.ففي الستينات جمع المستشار الملكي محمد رضا كديرة في شخصه كل أحقاد الطبقة السياسية,خصوصا وأنه كان حاضرا على الدوام على الساحتين السياسية والاعلامية.وهذا لم يمنع زملاءه في الديوان الملكي كعبد الهادي بوطالب من انتقاد(بعد موته)ميولاته التحكمية في الآخرين.لكن في عهد الحسن الثاني لم يكن الديوان الملكي بالصورة التي هو عليها اليوم."كان الرباطيون يطلقون عليه اسم"الكراج"أو"المزرعة",لأنه يشكل محطة عبور بين وزارتين بالنسبة لشخصيات النظام".كتب كوبرتافون سنة 1975.لكن منذ التسعينات لم يعد الديوان مجرد محطة عبور بل على العكس تماما,أصبح يشكل نهاية المسار الوزاري,أي أنه صار نوعا من الاستقطاب المخزني للنخب التقنوقراطية.فقد فتحت المجال حكومتا عبد الكريم العمراني وعبد اللطيف الفيلاني لوزاء تميزوا بأدائهم المهني أمام الحسن الثاني,مما جعل المخزن يستقطبهم ويضمهم لاحقا للديوان مثل مزيان بلفقيه أو عمر القباج.هذا الاتجاه نحو توظيف شخصيات تقنوقراطية داخل الديوان الملكي أثار رعب الطبقة السياسية,لأنه بمثابة شهادة ملكية على ضعف الأحزاب السياسية وعدم جاذبيتها وقلة التقدير الذي تتمتع به شخصياتها في أوساط دار المخزن. ورغم أن مجموعة من التقنوقراط أصبحوا مستشارين فانهم مع ذلك لا يشكلون المحيط الأول المقرب من الملك. فمحمد السادس له حلقة مصغرة من الأصدقاء لا تضم بالضرورة المستشارين,حيث نجد بينهم محمد ياسين المنصوري,رئيس المخابرات العسكرية,وفؤاد عالي الهمة ومنير الماجيدي,كاتب الملك الخاص.ويمكن اعتبار رشدي الشرايبي رأس جسر بين"مجموعة الأصدقاء"والديوان الملكي.
ان الخلط بين المظاهر الخاصة للملكية(صداقات الملك ومعاملات ه المالية) وما له علاقة بالمصلحة العامة يعتبران من الثوابت التاريخية.فالحركة مستمرة بين الكتابة الخاصة(التي تشرف على ثروة محمد السادس) وبين الديوان(الذي يسهر على ملفات الملك),اضافة الى السيولة النقدية.ومن وجه النظر هاته,تظهر أهمية ميزانية الديوان الملكي التي لا تقع في دائرة المجال العمومي,بل هي غارقة في غلاف 2.5 مليار درهم,الذي تبتلعه سنويا الملكية.ان من يتحدثون عن تفتيت الدولة من طرف الملك تحضرهم خصوصا أمثلة"الهاكا","المعهد الملكي للثقافة الامازيغية","المجلس الأعلى للتعليم"و"المجلس الاستشاري لحقوق الانسان".كل هذه الادارات يمكن أن نضيف اليها ثلاث مؤسسات تابعة للملك بواسطة مستشاريه ولا تخضع لمراقبة الحكومة بأي شكل من الأشكال.في سنة 2008,هناك قرار جدير بالتنويه,وهو مصادقة الوزارة الأولى لأول مرة على ميزانيتي"الهاكا"و"المجلس الاستشاري لحقوق الانسان".ثم جاءت بعد ذلك براهين أخرى تثبت حسن نية الدولة,حيث كلف المستشار هشام الشبيهي الى حدود سنة 2004 بمهمة اعادة هيكلة الديوان الملكي.وحسب أحد المصادر المقربة من هذا الملف,فان الافتحاصات التي أنجزت بهذه المناسبة لم تكشف عن خلل كبير في هذه البنية.ان علامات الشفافية اذن موجودة بقوة اليوم,رغم أن أذن الملك لا يمكن اقتسامها أبدا
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.