ألغاز وحجايات بالدارجة المغربية

السقايات المغربية: فنّ العمارة المائية في المغرب

كانت العقيدة الإسلامية دافعًا قويًا للمسلمين لتشييد بنية تحتية متطورة لإدارة المياه، من أجل تعمير الأرض وتحقيق النفع العام، سعيًا للثواب الأخروي. من بين أهم المنشآت المعمارية في بلاد المغرب نجد "السقايات"، التي عُرفت في المشرق باسم "الأسبلة".

السقايات المغربية: عناية خاصة من الحكام والأمراء

حظيت السقايات في المغرب باهتمام خاص من حكّام المغرب وأمرائه، حيث حرصوا على تشييدها وتطويرها لتلبية احتياجات الناس المائية. ويعود السبب وراء هذه العناية إلى ندرة المياه واعتماد أهل المغرب على الأمطار والثلوج، مما جعلهم يسعون لتطوير وسائل فعالة لتخزين المياه وتوزيعها.

أهداف إنشاء السقايات

1. توفير مياه عذبة صالحة للشرب.
2. تأمين مياه طاهرة للمدارس والمساجد.
3. مد المنازل بالمياه اللازمة للاستخدامات اليومية.

مراحل توفير المياه عبر السقايات

1. المصدر: تحديد وتوفير مصدر للمياه يعتمد غالبًا على الأمطار أو الثلوج.
2. التسبيل: توزيع المياه إلى مختلف المناطق والأماكن العامة.
3. التصريف: التخلص من المياه المستعملة وإعادة استخدامها في أغراض أخرى مثل سقي الحيوانات والزراعة.

المرحلة الأولى: تخزين المياه

يتم تخزين المياه من خلال بناء خزانات وقنوات معلقة تجمع المياه من أماكن تواجدها، حيث تُنقل مياه الأمطار إلى الخزانات عبر قناطر خاصة.

المرحلة الثانية: التسبيل وتوزيع المياه

يتم توزيع المياه المخزنة إلى المدن والمساجد والمنازل باستخدام السقايات والصهاريج، بحيث تكون متاحة للاستخدام اليومي.

المرحلة الثالثة: تصريف المياه المستعملة

بعد استخدام المياه، يتم تصريفها إلى أماكن أخرى ليتم استخدامها في شرب الدواب وريّ الأراضي الزراعية، وأحيانًا تُستخدم لتنظيف الأماكن العامة مثل الحمامات.

أنواع السقايات

1. السقايات العميقة: تتميز بعمقها، وتكون بجوار الخزانات وتحتوي على حوض للمياه. كانت شائعة في العصر السعدي.
2. السقايات المسطحة: تحتوي على صدريات وأحواض، وكانت منتشرة أيضًا في العصر السعدي.

الفرق بين السقايات والصهاريج والأسبلة

• السقاية: الإناء أو المكان الذي يُسقى فيه الناس.
• السبيل: ممر أو طريق لتوزيع المياه.
• الصهريج: وعاء كبير لتخزين المياه، وينقسم إلى نوعين:
  • صهريج مكشوف: يوجد غالبًا في صحون المساجد والمدارس.
  • صهريج مغطى: مشابه للأسبلة المملوكية.

السقايات في عهد المرابطين والموحدين

كان المرابطون والموحدون من بين الحكام الذين اهتموا ببناء السقايات، حيث كانت منشآتهم المائية تتسم بالفخامة والتنوع. وقد انقسمت السقايات المغربية إلى نوعين:

• سقاية عميقة: مجاورة للخزانات وتتميز بعمق كبير.
• سقاية مسطحة: بعيدة عن مصدر المياه، وتحتوي على صدريات وأحواض.

مكونات السقايات

1. القصاب الخزفية: أنابيب مصنوعة من الخزف مخفية وراء صدريات، يُستخدم الماء الخارج منها للاستخدامات اليومية.
2. الصدرية: سطح مزخرف بالفسيفساء يُشكّل واجهة السقاية.
3. حوض السقاية: حوض مستطيل الشكل يستقبل الماء من القصاب ويقوم بتصريف الزائد منها.

أبرز السقايات في المغرب

• سقاية أشرب وشوف: شُيّدت في مدينة مراكش خلال العصر السعدي، وتتميز بزخارف خشبية رائعة وآيات شعرية.
• سقاية فندق النجارين بفاس: بُنيت خلال العصر العلوي، وتقع بجوار جامع القرويين. تتميز بتصميمها التقليدي وغطاء خشبي مزخرف.
• سقاية سيدي عباس بمراكش: تُعد من أعظم السقايات، وتتميز بارتفاعها وواجهتها المزخرفة بالأخشاب.

المواجل داخل المنازل

كانت المواجل، أو خزانات المياه المنزلية، تُستخدم لتوفير المياه للمنازل. يتم توصيل المياه إلى المواجل عبر السقا أو عبر مياه الأمطار، وكانت بعض البيوت تُزوّد بهذه المواجل مثل "مواجل سيدي محرز" و"دار الباشا".

السقايات المصاصة

تُعرف السقايات المصاصة بأنها تحتوي على مصدر للمياه مع مصاصة يُمكن للشارب أن يمتص المياه عبرها، ومن أقدم الأمثلة عليها سقاية جامع الزيتونة.

الخصائص العامة للسقايات المغربية

1. استخدام الآجر في البناء الداخلي والخارجي.
2. تغطية الجدران بالزليج والفسيفساء.
3. التأثر بالزخارف الأندلسية كما يظهر في جامع القرويين.
4. ظهور نمطين معماريين: المسطح والعميق.
5. رفع مستوى السقايات لتكون مرئية من مسافات بعيدة.
6. اعتماد بعضها على مياه الصهاريج أو على العيون الطبيعية.
7. احتواء السقايات على نقوش كوفية ونسخية.
8. استخدام الأعمدة الرشيقة والعقود الحدوية.

هذا الموروث المعماري في بلاد المغرب يجسد ثقافة كريمة ويعكس عمق ارتباط المجتمع المغربي بالماء كعنصر حياتي وروحاني، ما جعله يشكل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ البلاد وذاكرتها الحضارية.

تعديل المقال