أخر الاخبار

الحسن الثاني في ذاكرة المغاربة

الحسن الثاني في ذاكرة المغاربة

الحسن الثاني في ذاكرة المغاربة

كنا نخاف من الحسن الثاني,واليوم أصبحنا نخاف على محمد السادس". تردد هذا الكلام كثيرا على لسان رجل الشارع,بعد تقلد الملك الشاب العرش.فجبروت الحسن الثاني كان يبعث الاططمئنانا في نفوس الشعب,الذي كان يعلم أن البلاد محكومة بقبضة من حديد ومحفوظة ببركة ملكها.9 سنوات مرت على رحيل الحسن الثاني تاركا المغرب يتيما دون"حامي الوطن"و"موحد البلاد",كما كان يحلو للملك الراحل أن يصف نفسه,يمثل الحسن الثاني في الذاكرة الجماعية اليوم الأشياء كلها ونضيقها,فهو الملك المستنير والطاغية الاقطاعي وهو المثقف اليقظ وصاحب القرار السلطوي.فالأسطورة الحسنية ترتوي من هذه التناقضات لترسم ملامح شخصية بالغة العمق لا يمكن اختزالها بنعت معين.يرجع الانبهار بشخصية الحسن الثاني بالطبع الى كونه ملكا,بكل ما يقتضيه ذلك من صفات ظاهرة وباطنة, لكنه يرجع كذلك بالأساس الى استمرارية ملكه,فهو وريث حكم دام لقرون وسير شعبا وأخضعه,لكنه تميز أيضا بشخصية لامعة أبهرت معاصريها,متجاوزة حدود المملكة,كان له من المعاريف العلمية ما يجعله يحاور كبار أطباء العالم الذين عالجوه,وكان يستعين بخدمات ونصائح أعلام القانون.أمثال موريس دوفيرجي وجورج فيديل.بعد رحيله قدمت صفوة العالم من بيل كلينتون الى جاك شيراك,لتشييع جنازته والسير وراء موكبه الأخير,في حين أن الكثير من هؤلاء لم يتحركوا للمشاركة في مراسيم دفن"ابن عمه"ملك الأردن بعد وفاته شهورا قليلة بعد ذلك...فالاشعاع الدولي الذي أعطاه الحسن الثاني لحكمه,وكذا ترسيخه الماهر لصورته الازدواجية,هو ما خول له الدخول في مصاف كبار الملوك,لكن شعبه كثيرا ما كان يدفع ثمن ذلك.

ملك قبل أن يصبح أميرا

بدفن والدي,كان علي أن أدفن معه ولي عهد لم يكن يتوقع أن يعتلي العرش يوما ما".هذا ما قاله الحسن الثاني لاريك لوران في سيرته الذاتية"ذاكرة ملك" عندما سأله عن توليه الحكم عام 1961.فارق السن بينه وبين أبيه الذي لا يتعدى 20 عاما,كان يجعله يستبعد فكرة خلافته في الحكم,اذ كان يعتقد أنه سيظل مجرد"مساعد فذ" لملك شاب سيتربع على العرش طويلا.ومع ذلك فقد كان ولي العهد مهيئا بما يكفي ليصبح ملكا,ومحمد الخامس لم يخف يوما أن الحسن الثاني سيخلفه بعد رحيله...وسرعان ما وجد الأمير الشاب نفسه في عباءة الملك,كيوم الرجوع من المنفى عندما اجتمعت الحشود لاستقبال ملكها العائد من المنفى والتعبير عن فرحتها مرددة هتافات"عاش الملك" التفت ولي العهد الى والده وسط هذا الجو الحماسي وسأله باختصار"ماذا تفعل لو أن الشعب بدل أن يهتف بنصرك طالب بمماتك ؟",وكان جواب محمد الخامس,"ليحفظني الله من ذلك",لكن الأمير استطرد قائلا,"اما أنا فسأسحق هؤلاء الناس الهستيريين".منذ كان وليا للعهد,بل ومنذ كان طفلا,كان الحسن الثاني واعيا بالدور الذي ينتظره ويغمره اعتزاز جد مخزني برفعة القدر.فقد ذكر الكاتب الصحفي انياس دال,في كتاب"الملوك الثلاثة",الواقعة التي حدثت بين الأمير الشاب مولاي الحسن في المنفى بمدغشقر وبين عميد شرطة فرنسي,حيث قال له هذا الأخير"صاحب الجلالة,أوغير ذلك.هذا لا يهمني".وردا على هذا الكلام الجارح,كتب الأمير رسالة استنكار(استعادتها فيما بعد مصالح أرشيف وزاة الخارجية الفرنسية) الى طبيبه الفرنسي الذي حضر الواقعة,قائلا فيها"كنت أتوقع منكم باعتباركم صديقا جليلا,أن ترفضوا ركوب السيارة التي يركبها من تطاول على سمونا.حسنا مهما يكن فأنا أعول عليكم لكي لا تتكرر مثل هذه الأحداث المكدرة,فصاحب الجلالة تألم كثيرا بعد أن نقلت له الواقعة,ومثل هذه الاساءة لا يمكنها أن تخلف لديه انطباعا جيدا عن أبناء بلدك".فبالرغم من نفيه واخراجه من بلاده من طرف المستعمر الفرنسي,كان مولاي الحسن يحس بسموه ورفعة قدره أكثر من أي وقت.ان محنة المنفى التي عاشها الحسن الثاني هي التي صنعت أسطورة ملك ناقم لم يتقبل يوما اهانة والده الذي تحمل طويلا سلطات الحماية.
عندما سأله ايريك لوران عن علاقته بوالده محمد الخامس,اجاب الحسن الثاني"لقد أصبحنا صديقين مقربين مع الحفاظ على كل الاحترام الواجب للأب",مؤكدا بذلك فكرة تأثيره وسطوته على أبيه الملك,وهي الفكرة التي يرجحها كذلك انياس دال,الذي قال في كتابه"الملوك الثلاثة" ,"الى جانب أب هش الصحة قلق ومتردد.وامام طبقة سياسية لم تتخل عناصرها البارزة عن فرض رؤيتها على القصر,سرعان ما فرض مولاي الحسن,الذي كان يسيطر فكريا على والده نفسه على جميع الاطراف كمحاور أول".

البركة

التحق مولاي الحسن مبكرا بالسلطة,فقد عين رسميا وليا للعهد سنة 1957,وذلك بعد سنة واحدة من الحصول على الاستقلال.كما شارك في سنة 1947 وكان عمره حينها لا يتجاوز 17 سنة,في رحلة محمد الخامس التاريخية الى طنجة.لكن الحسن الثاني لم يكن مجرد ملك سابق لأوانه بل كان حاكما استمر عرشه وصمد وقد نسجت خرافات شعبية حول"البركة" التي يتوفر عليها الحسن الثاني,والتي مكنته من النجاة من محاولتي الانقلاب اللتين تعرض لهما خلال سنتين متواليتين.فقد وقف ضيوف الملك الذين حضروا انقلاب الصخيرات مذهولين عندما خرج الحسن الثاني سالما ومحاطا بالعساكر(وقد كان من المخطط أن يقبضوا عليه),وطلب من  الحاضرين تلاوة الفاتحة.عندما عرف الحضور أن العرش نجا من الانقلاب,ورغم هول الحادثة لم يظهر شيء على وجه الملك وحافظ على هدوء أعصابه...واكتسب سمعة الشجاعة التي عرف بها والتي دعمتها اصابته في حرب 1958,عندما ضربت مروحيته برصاص الثوار الريفيين.

بعد احباط محاولتي الانقلاب,اشتدت اجراءات الردع والقمع التي بررها الحسن الثاني فيما بعد بلغة ملك له شرعية الهية"لقد ابتلينا باعصارين في ظرف أقل من سنة,أشياء كثيرة دمرت لكن وبفضل الله كل شيء كان نظيفا,فالمطر يطهر وكل الأشجار الخبيثة قد تم اقتلاعها,فكما لو أن الله أراد تطهير هذا البلد.بهذه الاحالة الى المرجعية الالهية المستمدة من النسب الشريف كان الحسن الثاني يعمد الى تثبيت الشرعية العلوية عبر الجمع بين السياسة والدين.شرعيته باعتباره أميرا للمؤمنين لم تمنعه عند وضعه لأول دستور للمملكة من تبني القانون الوضعي مع الحفاظ على تقاليد الشريعة الاسلامية.كان الحسن الثاني كثيرا ما يأتي على ذكر الله في خطاباته,ويلعب ببراعته دور الحكيم و كما كان يستحضر قوة حدسه.فعلى سبيل المثال أجاب اريك لوران عن تساؤله عن تطور الأوضاع في المملكة بعد محاولتي الانقلاب في 1971 و1972,"لقد اعتمدت على حدسي في تغيير مجموعة من الأمور".هكذا نشأ السحر الذي يلف شخصية الحسن الثاني الوريث الشرعي السابق لأوانه وخليفة الله,أمير المؤمنين,الذي نجا بأعجوبة من الموت أكثر من مرة.
بعد مرور ثلاث سنوات على الواقعتين,تمكن الحسن الثاني من قلب الأوضاع برمتها,فقد أصبح المعارضون بلا حول ولا قوة للاضرار به,وبات الشعب يتملقه (أو يخافه على الأقل) والعالم يحترمه وعلى حد قول انياس دال"لم يكن الحسن الثاني محظوظا فقط بالنجاة من محاولتي انقلاب,بل لعبت الصدف التاريخية لصالحه,مقدمة له فرصة بناء أسس جديدة وترسيخ عرشه بصفة نهاية"فقد كان للمسيرة الخضراء الفضل في تلميع صورة الملك,الذي ظل لمدة طويلة محط الاتهام,حيث تجمع اليوم كل الأصوات تقريبا على"عبقرية الضربة السياسية" التي سددها الحسن الثاني بهذه المسيرة,ومن بينهم الكاتب الصحفي جان دانييل الذي يقول باعجاب"لقد كانت المسيرة الخضراء ابتكارا رائعا,فالطريقة التي استمال بها الحسن الثاني الشعب ووحد بها الأحزاب السياسية لا تصدق,وقد حقق ذلك باسم وحدة التراب الوطني وقداسة الأراضي الصحراوية".رغم أن المنتقدين لحكم الحسن الثاني لا يرون في المسيرة الخضراء سوى خطبة دعائية ووهم كبير.الا انها تعتبر صفحة مضيئة في سجل الملك.فكما هو الشأن مع حفظ الفوارق بالنسبة الى الأمريكيين الذين يفتخرون بنصرهم في العراق والاطاحة بصدام,متناسين مستنقع الحرب الذي تورطوا فيه,كذلك فتحت المسيرة الخضراء"المظفرة"صراعا مازال المغرب يتخبط فيه,فقد وحدت البلاد ليس في قفزة للنصر وانما في نوع من المزايدة الوطنية التي أخرجت النمو الاقتصادي للبلاد,غير أن منطق الحسن الثاني ربما يرى أن عرشه يستحق هذا الثمن.

الإسلام  و ميكيافيلي

شكلت"المسيرة الخضراء"حجر الزاوية في الاقرار ب"عبقرية الحسن الثاني"ومنعطفها هاما في حكمه,فقد دفعت به الى الواجهة الاعلامية وأعلنت كلمته في المحافل الدولية,حيث بدأت الصحافة الدولية تعترف بمكانته كأحد الزعماء الكبار وتوارت الى الظل سمعته السيئة.في عام 1976 أصدر كتابه المعنون ب"التحدي",مغلقا القوس على الحقبة التي كان فيها عرشه مهددا,فقد استوعب منها الدروس جيدا.استهل الحسن الثاني كتابه بآيات قرآنية"ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم""واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا",وأتبعها مباشرة بعبارة مقتطعة من كتاب لميكيافيلي"اذا كان التواطؤ ضد أمير واحد مغامرة غير محسوبة العواقب فالتواطؤ ضد اثنين أمر بدون جدوى ولا معنى".لقد كانت الرسالة واضحة من الصفحة الاولى في الكتاب"اتبعوني لأني أتبع طريق الله وأي انشقاق سيكون دون جدوى",فقد استخدم الحسن الثاني في خطابه طريق الله بمثابة الجزرة وميكيافيلي بمثابة العصا.
شكل الاسلام,مع اضفاء لمسة الديمقراطية والليبرالية المستمدة من الغرب,الأساس الذي بنيت عليه الشرعية العلوية,لأن الحسن الثاني أدرك مبكرا كيف يوظف مكانته كأمير للمؤمنين,وكان واعيا بالدور المطلوب منه لعبه باعتباره قائدا دينيا.ففي سنة 1956 حين كان لايزال اميرا صرح قائلا"ان الاسلام من وجهة نظري كمسلم,يتضمن كل المبادىء التي تجعل من العمل الاجتماعي فرضا على كل مسلم",مضيفا أنه"ينبغي أن ننظر الى الاسلام من زاوية جديدة تتلاءم مع القرن العشرين,وسنجد فيه كل المبادىء اللازمة لبناء مجتمع يستعير من الرأسمالية كل جوانبها الايجابية دون أن يصبح عبدا للمال".فقد كان الحسن الثاني يستند أحيانا الى المرجعية الاسلامية ليبرر سياسته الأطلسية والمناهضة للشيوعية.لكن الملك الراحل كان يخلط الاوراق باستمرار.تتجاذبه التأثيرات المتناقضة لتشأته وتربيته,حيث أجاب ايريك لوران عندما سأله عن قراراته التي تسير عكس تيار الدول العربية الاخرى" في اختياراتي حد أدنى من الثقافة,فقد كان لي الحظ الكبير في الحصول على ثقافة مزدوجة لا يقل أي جانب فيها صلابة عن الآخر".ولكي يشرح التعددية الحزبية أو خيار الفلاحة أو حتى توجهه الدبلوماسي الموالي للغرب كان الحسن الثاني ينهل من ثقافته التقليدية المستمدة من الاسلام وكذا ثقافته العصرية المتأثرة بفلسفة الانوار الغربية.فكما كان يستشهد بالآيات القرآنية كان يستشهد بمونتسكيو,وكل النصوص الدستورية المغربية هي ثمرة لهذا المزيج بين التقافتين.كما ان الدستور الذي وضع سنة 1963,والذي نص لأول مرة على"شخص الملك مقدس لا تنتهك حركته",يعزز الشرعية الدينية والتاريخية للملك مع اضفاء صبغة برلمانية وديمقراطية على هذه الشرعية.

بعد نظر أم مهارة في التخطيط؟

المتملقون للعهد السابق يشهدون للحسن الثاني بالعبقرية السياسية,لأنه تمكن من فرض سلكته في فترة كان فيها المغرب يغص بالشخصيات السياسية الوازنة دوليا,امثال علال الفاسي والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد,واستطاع تأسيس أسطورته الى جانبهم.فخصوم الملك السياسييين كانوا من نفس العيار والمعركة بينهم لم تكن محسومة مسبقا.لقد كان الحسن الثاني واعيا بالمكانة التي بات يحتلها بين زعماء عصره,فقد صرح لكاتب سيرته الذاتية ايريك لوران"لو أني حضرت في كل مرة يعقد فيها أحد الاحزاب مؤتمره وتقدمت قائلا,أقترح أن أكون الكاتب العام أو الرئيس فسيتم انتخابي بالاجماع".كان بلا شك محقا في قوله,لكن السبب لا يرجع الى كون"شعبه يحبه" كما يحلو له القول.
هل من اللازم حقا التذكير بتازمامرت ودرب مولاي الشريف والاعتقالات السياسية المتعددة في حق"المتآمرين" التي تمت على امتداد عهد الملك"الموحد"؟زد على ذاك,أن الفترة التي قرر فيها الملك الراحل لأول مرة الانفتاح على الأحزاب,كانت الفترة نفسها التي شهدت ذروة الحملات القمعية,فسنوات 1974و1975,التي عرفت بالاجماع والوحدة الوطنية كانت أقسى فترة في عهد الحسن الثاني.يقول أحد معتقلي 23 مارس"بعد محاولتي الانقلاب,فهم الحسن الثاني أنه في حاجة الى وجود معاضة رسمية شرعية للحيلولة دون بروز معارضة سرية".ويضيف المعتقل السابق"الملك تبنى استراتيجية,انتهجها بعده المحافظون الجدد الأمريكيون,وتقتضي استباق كل معاضة محتملة,اذ كان يعلم أن توازن القوى مع الأحزاب وضع رجعي يمكن أن ينقلب,وكانت مهمته هي تحويل هذا الوضع الى واقع لا رجعة فيه".المعجبون بالحسن الثاني يثنون كذلك على"الضربة العبقرية" التي خففت من حدة عواقب منعطف التسينات,فلم يتأخر الملك الداهية في ادراك التداعيات المحتملة لسقوط المعسكر الشيوعي,والأهمية التي ستولى لحقوق الانسان في العلاقات الدولة,في الحقيقة,يرجع الانفتاح السياسي الذي عرفته الحقبة الأخيرة من عهد الحسن الثاني بشكل كبير الى الصدمة التي خلفها نشر كتاب جيل بيرو"صديقنا الملك" سنة 1991,والنظرة الجديدة التي تكونت لدى الصحافيين الأجانب عن ملك لا يرحم في انتقامه.ففي تلك الفترة تسربت أول الأخبار عن ما وقع لعائلة أوفقير التي سجنت بأكملها ونقلت من زنزانة الى زنزانة لمدة 17 سنة,هذا المنعطف السياسي تكيز بالتعديلين الدستوريين في 1992و1996 وباحدات وزارة حقوق الانسان,التي لم تعش طويلا,وبانشاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان,اما الانجاز الكبير فتمثل في تشكيل حكومة التناوب سنة 1998,مما أعطى نفسا جديدا لجاذبية الحسن الثاني,فلم يعد يمثل فقط صورة الملك القوي الجبار بل أصبح الملك الذي يتحلى في التخيل الجماعي برحابة الصدر وبعد النظر.

السكيزوفرينيا الملكية

كتب جان دانييل في سنة 1997 واصفا الحسن الثاني"تجمع شخصية الحسن الثاني بين العديد من التناقضات,فهو طاغية لكنه طاغية مستنير,وهو المستبد لكنه متأثر بالفكر التقدمي الغربي,وهو اقطاعي لكنه كذلك رجل منشغل بالحداثة".وبجملة واحدة لخص الكاتب الصحفي الفرنسي سكيزوفرينيا الحسن الثاني"لقد كان رجلا يجمع بين كرم السيد النبيل وقسوة الاقطاعي الظالم".كان الملك الراحل يقر بهذه الازدواجية في شخصيته,بل وكانت ورقة يلعب بها,فقد أفصح لايريك لوران قائلا" لكل انسان وجهه الآخر,كلنا نعاني من السكيزوفرينيا لكن كبح جوامح أهوائنا هو ما يجعلنا نحافظ على التوازن".كما لعب على ازدواج شخصيته في الرد على سؤال يتعلق باحساسه بعد خيانة الجنرال أوفقير,حيث قال"كان هناك الانسان الذي آلمه الجحود,لكن كان هناك ملك المغرب". كان الحسن الثاني في استعراض دائم,كما لو أنه يمثل دورا,اذ برع في فن الاخراج,فخرجاته الاعلامية كانت بالفعل لحظات سياسية مشهودة يستعرض خلالها كل الصور التي نعرفها عنه,حيث تتعاقب أوجه الحسن الثاني,المهدد الأبوي والعصبي والودودو والساحر واللامبالي...في غضب الحسن الثاني كما في انتقامه,يتجلى نوع من التهكم البارد الشبيه بالسادية,فقد كان رده على عبد السلام ياسين بعد نشر"الاسلام والطوفان" بحبسه في مستشفى للأمراض العقلية,وعلى عبد الرحيم بوعيبد الذي اختلف معه بشأن قضية الصحراء بنفيه الى سجن مدينة ميسور(التي يطلق عليها"عاصمة الحمير" لكثرة هذا الحيوان بها),وعلى حد قول الصحفي خالد الجامعي"كان الحسن الثاني بين لويس الرابع عشر وهارون الرشيد,الاستبداد الفرنسي وفخامة وأبهة الشرق".فهناك انبهار غربي كذلك بشخصية الملك الراحل.وحسب تحليل جان دانييل"فان الفرنسيين منبهرون بالعظمة في شخصية الحسن الثاني,تلك العظمة التي افتقدوها منذ عهد لويس الرابع عشر ونابليون.انها نظرة استشراقية".أما الحسن الثاني فيفضل وفقا لاعترافاته,أن يشبه الملك لويس الحادي عشر,الذي وحد المملكة الفرنسية ورسخ أسسها باخضاع كل الرعية.وهي بلا شك طريقة يبرربها الحسن الثاني الحرب التي كان يشنها دون هوادة ضد كل أعدائه على مدى سنوات حكمه.

ملك التواصل

ثمة جانب آخر من جوانب السحر في شخصية الحسن الثاني,يكمن بالطبع في نشاطه الدبلوماسي الكبير,الذي يفوق الوزن الاقتصادي والعسكري للمملكة.والمغاربة يذكرون ملكا استضاف أكبر الشخصيات في العالم.فقد كان أول قائد دولة عربي يستقبل البابا,وشكل ذلك حدثا شعبيا حقيقيا,كما أعطى المغرب(سيرا على نهج والده)صورة البلد المتسامح المنفتح على الاسلام والمسيحية والمنخرط أيضا في قضايا الطائفة اليهودية.هل كان الحسن الثاني صديقا لليهود؟مهما يكن,فان الجالية اليهودية المغربية,التي ظل يجامل زعماءها هي التي أضفت الشرعية على دور الوسيط الذي لعبه في الصراع العربي الاسرائيلي.لقد كان الملك الحسن الثاني بارعا في فنون التواصل.ومازالت حواراته الصحفية الى حد اليوم تثير الاعجاب.لا يمكن أن ننسى على سبيل المثال الثقة الكبيرة التي كان يجيب بها آن سينكلير عندما سالته عن وجود معتقلي الرأي بالمغرب,فقد أنكر من البداية الى النهاية دون أن يرف له جفن.كان الحسن الثاني يتمتع بفصاحة اللسان,فلم يكن يحضر كلمة مكتوبة على ورقة بل يترجل في خطاباته التي يدخل فيها الدارجة ويستشهد فيها بجمل أدبية ويستحضر فيها آيات قرآنية سواء بالعربية أو الفرنسية.لقد كان الحسن الثاني متمكنا في فصاحته وغزيرا في لغته,سواء كتابيا أو شفويا.فبالاضافة الى سيرته الذاتية"التحدي"خلف الحسن الثاني حوالي 10 آلاف صفحة(خطاباته وحواراته الصحفية) موزعة على حوالي خمسة عشر مجلدا يمكن للعموم الاطلاع عليها,وتولى الراحل ادريس البصري جمعها.الاسطورة مازالت حية...

شخصية الحسن الثاني في عيون معاونيه

هناك ما يشبه سحابة من النوستالجيا تخيم على البلاد حيث نشهد تزايدا في عدد المسئولين السياسيين المتقاعدين من "احمد عصمان الى  عبد اللطيف الفيلالي مرورا بعبد الهادي بوطالب "و الذين يصدرون مؤلفات او يجرون لقاءات صحفية تتناول علاقتهم بالملك الراحل الحسن الثاني .بدالك يشاركون على طريقتهم في بناء الاسطورة الحسنية و هم لا يعطون صورة حقيقية و لا مزيفة عن الحسن الثاني وإنما صورته في عيونهم هم و بطبيعة الحال كل واحد من هؤلاء يجر اليه الجانب الاكبر من الغطاء الدي يلف عهد الحسن الثاني بخصوص السنوات الاولى للحسن الثاني كملك كتب الوزير الاول الاسبق عبد اللطيف الفيلالي في مذكراته "المغرب و العالم العربي " عن اصدارات سكالي 2008 يقول ( مع مشروع الدستور فهمت انه اتخد قرارا لن يتراجع عنه لقد كان عازما على ان يحكم و يسود و علىاتخاد كل الفرارات بنفسه دون قبول آية منقاشة و بالتالي كان علي ترك الديوان الملكي) و يؤكد المستشار السابق للملك الراحل عبد الهادي بوطالب و كذا الوير الاول السابق احمد عصمان و غيرهما من المعاونين السابقين للحسن الثاني على انه كان يسمح لهم بمخاطبته بلهجة حرةعلى الاقل عندما يتعلق الامر بتواجه في الافكار يقول هدا الوزير السابق "كان الحسن الثاني يتقبل الاختلاف معه في وجهة النظر بل كان غالبا ما يبحث عن الاراء المختلفة لقد كان يعقد اجتماعات عمل في كل مكان تقريبا فاحيانا كان الملك يستدعيني و كنا نعمل في سيارته بطريق فاس كما كانت هناك حصص الكولف الشهيرة التي كنا نتقدم فيها الواحد تلو الاخر للملك بينما كان يمشي نحو الحفرة الموالية و في مناسبات اخرى كان يفضل العمل اثناء ممارسة الصيد قرب الصخيرات ..." و يقوا احد المقربين من القصر "كان يهتم كثيرا بالتفاصيل و يتمتع بذاكرة فولادية فقد كان يكرح الكثير من الاسئلة دون ا يسجل الملاحضات و مع دالك لم يكن ينسى ادنى قرار يتخده"
ابهر الحسن الثاني اغلبية معاونيه و حاز على إعجابهم بشخصيته فالكل تقريبا يجمع ان الحسن الثاني كان ابرز رجال السياسة في جيله و يرجع اعجابهم هدا لا لكونه ملكا بل الى الكاريزما التي كان يتمتع بها و قد شكل هؤلاء المعاونون العمود الفقري للاسطورة الحسنية فما ان ترسخت صورة الملك اللامع و المجتهد حتى بات من السهل نسج الاشاعات حولها و مثال على دالك فعندما تناقلت الصحافة الرسمية خبر اختراع الحسن الثاني لحهاز طبي معقد تحت اسم "المركار" و هو نمودج اصلي لجهاز التخطيط الكهربائي الكلاسيكي للقلب لم يفاجأ احد حقا لان "سعة علم الحسن الثاني" كانت امرا معروفا و التملق تولى بقية المهمة .

جنازة الحسن الثاني

كتب المؤرخ عبد الله العروي في كتاب "المغرب و الحسن الثاني" .. ( كنا نلاحظ جميعا مرض الحسن الثاني و تردنا اخبار من الخارج عن دنو رحيله و عن الفوضى التي ستعقب دالك لكننا كنا نعلم ان هده الاخبار لم تكن بريئة لذا لم نكن نعيرها اهتماما و منا قد اعتدنا على شحوب الملك و مشيته المترددة و غيابه المتكرر و مع دالك فان خبر وفاته نزل علينا كالصاعقة) .بالفعل فقد خلفت و فاة الحسن الثاني فراغا كبيرا و فوجئ العالم بالصمت الدي عم الشارع المغربي كأنه ظل مترقبا تلقي إشارة ما . لكن في يوم جنازة الملك الراحل اكتشفت الكاميرات الاجنبية شعبا يبكي ملكه بحرارة و بهستيرية احيانا كمصطفي العلوي الدي كان ينقل مراسيم الدفن و فقد صوته من شدة تاثره بكائه و قد ظهرت صورته على الشاشة و هة يبكي
استادة العلوم السياسية مونيا بناني شرايبي تلخص هده اظاهرة بقولها "الشعب المغربي كان يعتبر الحسن الثاني أب الامة و عندما يتوفي الاب فان الابناء يبكون حتى و لو كان هدا الاب متسلطا او جبارا لان لا احد يفكر في هده الامور ساعة الموت " و يحلل محمد الطوزي في كتابه "الملكية و الاسلام السياسي "تداعيات وفاة الحسن الثاني كما يلي  "لحظة الوفاة المكونة من ثلاث حلقات سمحت للالة المخزنية بتاديةعملها كما يجب لملء الفراغ الدي خلفه موت الملك" و يعني بالحلقات الثلاث ما عرف ب لحظات الموت الثرثة للملك الموت الطبي السريري و الموت المؤسساتي و الرمزي و اخيرا الموت الرسمي و الفعلي الدي اعلنه الملك محمد السادس مات الملك عاش الملك

إعداد سليمان بن الشيخ
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -